قصة المسيح عيسى بن مريم فى القرآن الكريم تأليف الدكتور عارف الركابى
صفحة 1 من اصل 1
قصة المسيح عيسى بن مريم فى القرآن الكريم تأليف الدكتور عارف الركابى
قصة المسيح عيسى ابن مريم عليه السلام في القرآن الكريم (1):
د.عارف عوض الركابي
من خلال متابعتي لما يكتب هذه الأيام بشأن مشروع الفاتيكان للتنصير في إقليم دارفور وفي غيره ، ومن واقع معرفتي بأن التنصير يستغل أمرين مهمين لتحقيق أهدافه بين صفوف المسلمين أولهما : الفقر والحاجة للمال وثانيهما : الجهل لدى كثير من المسلمين بدينهم وعقيدتهم وكتاب ربهم وسنة نبيهم ، وجهلهم بحقيقة النصرانية والتنصير، ولا نحتاج إلى ذكر الأدلة لبيان جهل كثير من المسلمين بما يتعلق بهذا الأمر ، وحسب من يريد الاستدلال على ذلك أن يرجع بالذاكرة إلى الوراء ـ لأربعة أشهر تقريباً من الآن ـ ويتذكر مشاهد اللقاءات والاحتفالات والتأييدات التي تمت في ساحات!!ومقامات!! (بعض) أصحاب الطواقي والملافح الخضراء!! في (سنار)!وفي(أم درمان)!وفي غيرهما بواحدٍ من أكبر حاملي لواء النصارى ونائبه!، فإن تلك المواقف والمشاهد الجريئة! والقبيحة والمنكرة والغير (طيبة)! مما يؤكّد انتشار ذلك الجهل ـ وإلى الله المشتكى ـ .
فمن خلال ذلك رأيت أن من الواجب الكفائي؛ أن أبيِّن ـ باختصار ـ بعض ما جاء في القرآن الكريم والسنة النبوية الشريفة في شأن نبي الله عيسى عليه السلام وحقيقته ، وما يجب اعتقاده في هذا الأمر العظيم الذي اعتنى به الوحي عناية فائقة ، ثم أبين ما تقوم عليه عقائد النصارى ، وما يقوم عليه التنصير وبيان باطله استناداً على الأدلة الشرعية واستناداً على بعض ما ورد في أناجيلهم المحرَّفة (من باب إلزامهم ) واستناداً على اعترافات بعض القساوسة والمنصرين ، فأقول ـ مستعيناً بالله ـ :
عيسى عليه السلام من البشر إلا أنه ليس له أب :
لقد ذكر الله تعالى بشرية المسيح في آيات كثيرة من القرآن الكريم ومن ذلك قوله تعالى : ( إِنَّ مَثَلَ عِيسَى عِنْدَ اللَّهِ كَمَثَلِ آدَمَ خَلَقَهُ مِنْ تُرَابٍ ثُمَّ قَالَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ * الْحَقُّ مِنْ رَبِّكَ فَلا تَكُنْ مِنَ الْمُمْترِينَ) سورة آل عمران . فليس عيسى هو الوحيد الذي خلق من البشر وليس له أب؛ فآدم ـ عليه السلام ـ خلقه الله تعالى ولم يكن له أم ولا أب ، والله على كل شيءٍ قدير.
وقال تعالى : (مَا الْمَسِيحُ ابْنُ مَرْيَمَ إِلا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ وَأُمّهُ صِدِّيقَةٌ كَانَا يَأْكُلانِ الطَّعَامَ انْظُرْ كَيْفَ نُبَيِّنُ لَهُمُ الآيَاتِ ثُمَّ انْظُرْ أَنَّى يُؤْفَكُونَ) سورة المائدة . وقوله "كَانَا يَأْكُلانِ الطَّعَامَ" دليل ظاهر على أنهما عبدان، فقيران محتاجان كما يحتاج بنو آدم إلى الطعام والشراب، فلو كانا إلهين لاستغنيا عن الطعام والشراب، ولم يحتاجا إلى شيء، فإن الإله هو الغني الحميد.
القرآن ينفي بنوة المسيح عليه السلام :
ادعى النصارى أن المسيح عيسى عليه السلام ابن الله ، فنسبوا الولد لله الواحد الأحد الذي لم يلد ولم يولد ، سبحانه وتعالى عما يقول الظالمون علواً كبيراً ، والنصارى متناقضون في حقيقة المسيح وماذا يعني عندهم ـ كما سيأتي بيانه بإذن الله ـ ، ومن الآيات الواردة في نفي ما زعمه النصارى ما يلي : قال الله تعالى : ( ذَلِكَ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ قَوْلَ الْحَقِّ الَّذِي فِيهِ يَمْتَرُونَ * مَا كَانَ لِلَّهِ أَنْ يَتَّخِذَ مِنْ وَلَدٍ سُبْحَانَهُ إِذَا قَضَى أَمْرًا فَإِنَّمَا يَقُولُ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ) سورة مريم.
فإن ذلك الموصوف بتلك الصفات، عيسى بن مريم، من غير شك ولا مرية، فإن هذا قول الحق، وكلام الله، الذي لا أصدق منه قيلاً ولا أحسن منه حديثاً ، فهذا الخبر اليقيني ، عن عيسى عليه السلام ، وما قيل فيه مما يخالف هذا، فإنه مقطوع ببطلانه ، وغايته أن يكون شكاً من قائله لا علم له به ، ولهذا قال: { الَّذِي فِيهِ يَمْتَرُونَ } أي: يشكون فيمارون بشكهم، ويجادلون بخرصهم، فمن قائل عنه: إنه الله!أو ابن الله! أو ثالث ثلاثة! تعالى الله عن إفكهم وتقولهم علوا كبيرا.
فـ { مَا كَانَ لِلَّهِ أَنْ يَتَّخِذَ مِنْ وَلَدٍ } أي: ما ينبغي ولا يليق، لأن ذلك من الأمور المستحيلة، لأنه الغني الحميد، المالك لجميع الممالك، فكيف يتخذ من عباده ومماليكه، ولداً؟! { سُبْحَانَهُ } أي: تنزه وتقدس عن الولد والنقص.
قال الله تعالى : ( وَقَالُوا اتَّخَذَ الرَّحْمَنُ وَلَدًا * لَقَدْ جِئْتُمْ شَيْئًا إِدًّا * تَكَادُ السَّمَوَاتُ يَتَفَطَّرْنَ مِنْهُ وَتَنْشَقُّ الْأَرْضُ وَتَخِرُّ الْجِبَالُ هَدًّا * أَنْ دَعَوْا لِلرَّحْمَنِ وَلَدًا * وَمَا يَنْبَغِي لِلرَّحْمَنِ أَنْ يَتَّخِذَ وَلَدًا * إِنْ كُلُّ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ إِلَّا آَتِي الرَّحْمَنِ عَبْدًا * لَقَدْ أَحْصَاهُمْ وَعَدَّهُمْ عَدًّا * وَكُلُّهُمْ آَتِيهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَرْدًا) سورة مريم . وهذا تقبيح وتشنيع لقول المعاندين الجاحدين، الذين زعموا أن الرحمن اتخذ ولداً، كقول النصارى: المسيح ابن الله، واليهود : عزير ابن الله، والمشركين: الملائكة بنات الله، تعالى الله عن قولهم علوا كبيرا.
المسيح عبدٌ من عباد الله تعالى :
إن الله سبحانه وتعالى قد خلق جميع الخلق لعبادته وطاعته ، والمسيح عليه السلام من خلق الله ومن عباد الله تعالى ، لذلك فإنه أول ما تكلم قال إِنِّي عَبْدُ اللَّهِ آتَانِيَ الْكِتَابَ وَجَعَلَنِي نَبِيًّا * وَجَعَلَنِي مُبَارَكًا أَيْنَ مَا كُنْتُ وَأَوْصَانِي بِالصَّلاةِ وَالزَّكَاةِ مَا دُمْتُ حَيًّا) سورة مريم . وقال تعالى وَإِنَّ اللَّهَ رَبِّي وَرَبُّكُمْ فَاعْبُدُوهُ هَذَا صِرَاطٌ مُسْتَقِيمٌ ) سورة مريم
وقال تعالى : ( لَنْ يَسْتَنْكِفَ الْمَسِيحُ أَنْ يَكُونَ عَبْدًا لِلَّهِ وَلا الْمَلائِكَةُ الْمُقَرَّبُونَ وَمَنْ يَسْتَنْكِفْ عَنْ عِبَادَتِهِ وَيَسْتَكْبِرْ فَسَيَحْشُرُهُمْ إِلَيْهِ جَمِيعًا * فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ فَيُوَفِّيهِمْ أُجُورَهُمْ وَيَزِيدُهُمْ مِنْ فَضْلِهِ وَأَمَّا الَّذِينَ اسْتَنْكَفُوا وَاسْتَكْبَرُوا فَيُعَذِّبُهُمْ عَذَابًا أَلِيمًا وَلا يَجِدُونَ لَهُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ وَلِيًّا وَلا نَصِيرًا) سورة النساء، ولن يستنكف بمعنى أن المسيح لن يمتنع عن عبادة الله كما أنه لن يستكبر.
وقال الله تعالى : ( إِنْ هُوَ إِلا عَبْدٌ أَنْعَمْنَا عَلَيْهِ وَجَعَلْنَاهُ مَثَلا لِبَنِي إِسْرَائِيلَ) .
عيسى عليه السلام رسول مُرْسَلٌ من عند الله :
إن عيسى عليه السلام هو أحد الرسل أولوا العزم الخمسة ـ عليهم الصلاة والسلام ـ وهم : (نوح وإبراهيم وموسى وعيسى ومحمد ) وقد ذكرهم الله في آيتين احداهما في سورة الأحزاب والثانية في سورة الشورى ، وقد قال الله تعالى في إثبات أنه رسول من عنده : (مَا الْمَسِيحُ ابْنُ مَرْيَمَ إِلا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ وَأُمُّهُ صِدِّيقَةٌ كَانَا يَأْكُلانِ الطَّعَامَ انْظُرْ كَيْفَ نُبَيِّنُ لَهُمُ الآيَاتِ ثُمَّ انْظُرْ أَنَّى يُؤْفَكُونَ) سورة المائدة
وقال تعالى : (ثُمَّ قَفَّيْنَا عَلَى آثَارِهِمْ بِرُسُلِنَا وَقَفَّيْنَا بِعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ وَآتَيْنَاهُ الإنْجِيلَ وَجَعَلْنَا فِي قُلُوبِ الَّذِينَ اتَّبَعُوهُ رَأْفَةً وَرَحْمَةً وَرَهْبَانِيَّةً ابْتَدَعُوهَا مَا كَتَبْنَاهَا عَلَيْهِمْ إِلا ابْتِغَاءَ رِضْوَانِ اللَّهِ فَمَا رَعَوْهَا حَقَّ رِعَايَتِهَا فَآتَيْنَا الَّذِينَ آمَنُوا مِنْهُمْ أَجْرَهُمْ وَكَثِيرٌ مِنْهُمْ فَاسِقُونَ) سورة الحديد
عيسى عليه السلام رسول إلى بني إسرائيل خاصة ، ومتبع ومكمل لشريعة موسى عليه السلام:
لقد أرسل الله تعالى عيسى عليه السلام لدعوة بني إسرائيل خاصة ومما يدل على ذلك :
قوله تعالى : (وَرَسُولًا إِلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ أَنِّي قَدْ جِئْتُكُمْ بِآَيَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ) سورة آل عمران.
وقوله تعالى : (وَمُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيَّ مِنَ التَّوْرَاةِ وَلِأُحِلَّ لَكُمْ بَعْضَ الَّذِي حُرِّمَ عَلَيْكُمْ وَجِئْتُكُمْ بِآَيَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَطِيعُونِ )
المسيح عليه السلام دعا إلى عبادة الله وحده لا شريك له :
كل الأنبياء ـ عليهم الصلاة والسلام ـ دعوا إلى توحيد الله وعبادته وحده ، ونهوا وحذروا من الشرك في عبادته .وقد كانت دعوة عيسى عليه السلام إلى عبادة الله جل وعلا ، قال الله تعالى عنه : (إِنَّ اللَّهَ رَبِّي وَرَبُّكُمْ فَاعْبُدُوهُ هَذَا صِرَاطٌ مُسْتَقِيمٌ) سورة آل عمران
وقال الله تعالى : ( وَإِذْ قَالَ اللَّهُ يَا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ أَأَنْتَ قُلْتَ لِلنَّاسِ اتَّخِذُونِي وَأُمِّيَ إِلَهَيْنِ مِنْ دُونِ اللَّهِ قَالَ سُبْحَانَكَ مَا يَكُونُ لِي أَنْ أَقُولَ مَا لَيْسَ لِي بِحَقٍّ إِنْ كُنْتُ قُلْتُهُ فَقَدْ عَلِمْتَهُ تَعْلَمُ مَا فِي نَفْسِي وَلا أَعْلَمُ مَا فِي نَفْسِكَ إِنَّكَ أَنْتَ عَلامُ الْغُيُوبِ * مَا قُلْتُ لَهُمْ إِلا مَا أَمَرْتَنِي بِهِ أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ رَبِّي وَرَبَّكُمْ وَكُنْتُ عَلَيْهِمْ شَهِيدًا مَا دُمْتُ فِيهِمْ فَلَمَّا تَوَفَّيْتَنِي كُنْتَ أَنْتَ الرَّقِيبَ عَلَيْهِمْ وَأَنْتَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ * إِنْ تُعَذِّبْهُمْ فَإِنَّهُمْ عِبَادُكَ وَإِنْ تَغْفِرْ لَهُمْ فَإِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ) سورة المائدة.
القرآن ينفي ألوهية المسيح :
لقد عبد النصارى بضلالهم عيسى ابن مريم وجعلوه إلهاً وغلوا فيه غلواً كبيراً فادعوا أنه الرب وأنه المعبود والإله ـ والعياذ بالله ـ وقد اجتهد المسيح عليه السلام في دعوة النصارى الذين غلوا فيه وإثبات أنه عبد لله تعالى وبلغ البلاغ المبين ونحن على ذلك من الشاهدين ، فقد انقسمت الطوائف إلى ثلاث في موقفهم من عيسى عليه السلام ، ف(اليهود) قد كفروا به وعادوه وأرادوا قتله فرفعه الله سبحانه وتعالى إلى السماء ـ كما سيأتي بيانه ـ وغلا فيه (النصارى) وعبدوه واتخذوه إلهاً من دون الله وهذه هي الطائفة الثانية ، واتبعه قلة وهم (الحواريون) الذين نصروه وآزروه وأثنى عليهم القرآن الكريم في عدة آيات .
وقد قال نبينا صلى الله عليه وسلم محذراً من الغلو الذي وقع فيه النصارى : (لا تطروني كما أطرت النصارى ابن مريم فإنما أنا عبد فقولوا عبد الله ورسوله ) رواه البخاري.
وقال الله تعالى : (يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لَا تَغْلُوا فِي دِينِكُمْ وَلَا تَقُولُوا عَلَى اللَّهِ إِلَّا الْحَقَّ إِنَّمَا الْمَسِيحُ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ رَسُولُ اللَّهِ وَكَلِمَتُهُ أَلْقَاهَا إِلَى مَرْيَمَ وَرُوحٌ مِنْهُ فَآَمِنُوا بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ وَلَا تَقُولُوا ثَلَاثَةٌ انْتَهُوا خَيْرًا لَكُمْ إِنَّمَا اللَّهُ إِلَهٌ وَاحِدٌ سُبْحَانَهُ أَنْ يَكُونَ لَهُ وَلَدٌ لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ وَكَفَى بِاللَّهِ وَكِيلاً) سورة المائدة
وقال الله تعالى لَقَدْ كَفَرَ الَّذِينَ قَالُوا إِنَّ اللَّهَ هُوَ الْمَسِيحُ ابْنُ مَرْيَمَ وَقَالَ الْمَسِيحُ يَا بَنِي إِسْرَائِيلَ اعْبُدُوا اللَّهَ رَبِّي وَرَبَّكُمْ إِنَّهُ ُمَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدْ حَرَّمَ اللَّهُ عَلَيْهِ الْجَنَّةَ وَمَأْوَاهُ النَّارُ وَمَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ أَنْصَارٍ) سورة المائدة.
ونواصل ـ بإذن الله ـ في الحلقة القادمة والتي ستكون في بيان معجزاته وقصة رفعه إلى السماء .
قصة المسيح عيسى ابن مريم عليه السلام في القرآن الكريم (2):
د.عارف عوض الركابي
معجزات عيسى عليه السلام :
لقد أيّد الله سبحانه وتعالى رسله بالآيات التي تدل على صدقهم وأنهم مرسلون من عنده جلّ وعلا ،وقد أيد سبحانه وتعالى المسيح عيسى ابن مريم عليه السلام بآيات ومعجزات ؛ وبيّن المسيح عليه السلام أن هذه الآيات من عند الله تعالى ، وليست من عند نفسه ، وهذا ما درج عليه الأنبياء عليهم السلام ، حيث إنهم يستدلون بالمعجزات على صدقهم وصحة أخبارهم عن الله تعالى في دعوتهم ليعبد الله وحده سبحانه وتعالى ولا يشرك به شيئاً.
ومن هذه المعجزات : (كلامه في المهد ) قال الله تعالى : ( فَأَتَتْ بِهِ قَوْمَهَا تَحْمِلُهُ قَالُوا يَا مَرْيَمُ لَقَدْ جِئْتِ شَيْئًا فَرِيًّا . يَا أُخْتَ هَارُونَ مَا كَانَ أَبُوكِ امْرَأَ سَوْءٍ وَمَا كَانَتْ أُمُّكِ بَغِيًّا . فَأَشَارَتْ إِلَيْهِ قَالُوا كَيْفَ نُكَلِّمُ مَنْ كَانَ فِي الْمَهْدِ صَبِيًّا . قَالَ إِنِّي عَبْدُ اللَّهِ آتَانِيَ الْكِتَابَ وَجَعَلَنِي نَبِيًّا . وَجَعَلَنِي مُبَارَكًا أَيْنَ مَا كُنْتُ وَأَوْصَانِي بِالصَّلاةِ وَالزَّكَاةِ مَا دُمْتُ حَيًّا . وَبَرًّا بِوَالِدَتِي وَلَمْ يَجْعَلْنِي جَبَّارًا شَقِيًّا . وَالسَّلامُ عَلَيَّ يَوْمَ وُلِدْتُ وَيَوْمَ أَمُوتُ وَيَوْمَ أُبْعَثُ حَيًّا) سورة مريم.
ومنها : ( إحياؤه الموتى بإذن الله وإبراؤه ذوي العاهات مثل الأكمه والأبرص والأعمى بإذن الله ونفخه في الطين الذي كهيئة الطير فيكون طيراً بإذن الله ) قال الله تعالى عنه : (وَرَسُولا إِلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ أَنِّي قَدْ جِئْتُكُمْ بِآيَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ أَنِّي أَخْلُقُ لَكُمْ مِنَ الطِّينِ كَهَيْئَةِ الطَّيْرِ فَأَنْفُخُ فِيهِ فَيَكُونُ طَيْرًا بِإِذْنِ اللَّهِ وَأُبْرِئُ الأكْمَهَ وَالأبْرَصَ وَأُحْيِي الْمَوْتَى بِإِذْنِ اللَّهِ وَأُنَبِّئُكُمْ بِمَا تَأْكُلُونَ وَمَا تَدَّخِرُونَ فِي بُيُوتِكُمْ إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَةً لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ) سورة آل عمران.
وقال الله تعالى : (إذْ قَالَ اللَّهُ يَا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ اذْكُرْ نِعْمَتِي عَلَيْكَ وَعَلى وَالِدَتِكَ إِذْ أَيَّدْتُكَ بِرُوحِ الْقُدُسِ تُكَلِّمُ النَّاسَ فِي الْمَهْدِ وَكَهْلا وَإِذْ عَلَّمْتُكَ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَالتَّوْرَاةَ وَالإنْجِيلَ وَإِذْ تَخْلُقُ مِنَ الطِّينِ كَهَيْئَةِ الطَّيْرِ بِإِذْنِي فَتَنْفُخُ فِيهَا فَتَكُونُ طَيْرًا بِإِذْنِي وَتُبْرِئُ الأكْمَهَ وَالأبْرَصَ بِإِذْنِي وَإِذْ تُخْرِجُ الْمَوْتَى بِإِذْنِي وَإِذْ كَفَفْتُ بَنِي إِسْرَائِيلَ عَنْكَ إِذْ جِئْتَهُمْ بِالْبَيِّنَاتِ فَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْهُمْ إِنْ هَذَا إِلا سِحْرٌ مُبِينٌ ) سورة المائدة.
ومنها : المائدة التي أنزلها الله عز وجل من السماء ، قال الله تعالى : ( قَالَ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ اللَّهُمَّ رَبَّنَا أَنزلْ عَلَيْنَا مَائِدَةً مِنَ السَّمَاءِ تَكُونُ لَنَا عِيدًا لأوَّلِنَا وَآخِرِنَا وَآيَةً مِنْكَ وَارْزُقْنَا وَأَنْتَ خَيرُ الرَّازِقِينَ . قَالَ اللَّهُ إِنِّي مُنزلُهَا عَلَيْكُمْ فَمَنْ يَكْفُرْ بَعْدُ مِنْكُمْ فَإِنِّي أُعَذِّبُهُ عَذَابًا لا أُعَذِّبُهُ أَحَدًا مِنَ الْعَالَمِينَ )
قال ابن كثير رحمه الله : "هذه قصة المائدة ، وإليها تنسب السورة فيقال: "سورة المائدة". وهي مما امتن الله به على عبده ورسوله عيسى عليه السلام لما أجاب دعاءه بنزولها، فأنزلها الله آية ودلالة معجزة باهرة وحجة قاطعة".
الحواريون يضرب بهم المثل في النصرة وصدق الإيمان :
قال الله تعالى وَإِذْ أَوْحَيْتُ إِلَى الْحَوَارِيِّينَ أَنْ آَمِنُوا بِي وَبِرَسُولِي قَالُوا آَمَنَّا وَاشْهَدْ بِأَنَّنَا مُسْلِمُونَ).سورة المائدة .
إن من فضل الله تعالى ومنته على المسيح عيسى عليه السلام أن جعل له أنصاراً وأصحاباً آمنوا به وصدقوه ونصروه وامتثلوا أمر الله تعالى ، ولذلك فقد مدحهم الله سبحانه وتعالى وأثنى عليهم .
وقال الله تعالى يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا كُونُوا أَنْصَارَ اللَّهِ كَمَا قَالَ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ لِلْحَوَارِيِّينَ مَنْ أَنْصَارِي إِلَى اللَّهِ قَالَ الْحَوَارِيُّونَ نَحْنُ أَنْصَارُ اللَّهِ فَآَمَنَتْ طَائِفَةٌ مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ وَكَفَرَتْ طَائِفَةٌ فَأَيَّدْنَا الَّذِينَ آَمَنُوا عَلَى عَدُوِّهِمْ فَأَصْبَحُوا ظَاهِرِينَ) سورة الصف.
وقال تعالى : (فَلَمَّا أَحَسَّ عِيسَى مِنْهُمُ الْكُفْرَ قَالَ مَنْ أَنْصَارِي إِلَى اللَّهِ قَالَ الْحَوَارِيُّونَ نَحْنُ أَنْصَارُ اللَّهِ آمَنَّا بِاللَّهِ وَاشْهَدْ بِأَنَّا مُسْلِمُونَ)سورة آل عمران.
رفعه عليه السلام ونفي قتله أو صلبه :
قال الله تعالى: (وَمَكَرُوا وَمَكَرَ اللَّهُ وَاللَّهُ خَيْرُ الْمَاكِرِينَ. إِذْ قَالَ اللَّهُ يَا عِيسَى إِنِّي مُتَوَفِّيكَ وَرَافِعُكَ إِلَيَّ وَمُطَهِّرُكَ مِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا وَجَاعِلُ الَّذِينَ اتَّبَعُوكَ فَوْقَ الَّذِينَ كَفَرُوا إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ ثُمَّ إِلَيَّ مَرْجِعُكُمْ فَأَحْكُمُ بَيْنَكُمْ فِيمَا كُنْتُمْ فِيهِ تَخْتَلِفُونَ) سورة آل عمران.
والمراد بالوفاة هنا : النوم ؛ فإن النوم يسمى موتاً ؛ كما قال الله تعالى : (وهو الذي يتوفاكم بالليل)الآية. وقال تعالى: ( الله يتوفى الأنفس حين موتها والتي لم تمت في منامها )الآية.وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول إذا قام من النوم : (الحمد الله الذي أحيانا بعد ما أماتنا وإليه النشور) رواه البخاري ومسلم.
وقال الله تعالى عن اليهود : (فَبِمَا نَقْضِهِمْ مِيثَاقَهُمْ وَكُفْرِهِمْ بِآَيَاتِ اللَّهِ وَقَتْلِهِمُ الْأَنْبِيَاءَ بِغَيْرِ حَقٍّ وَقَوْلِهِمْ قُلُوبُنَا غُلْفٌ بَلْ طَبَعَ اللَّهُ عَلَيْهَا بِكُفْرِهِمْ فَلَا يُؤْمِنُونَ إِلَّا قَلِيلًا. وَبِكُفْرِهِمْ وَقَوْلِهِمْ عَلَى مَرْيَمَ بُهْتَانًا عَظِيمًا . وَقَوْلِهِمْ إِنَّا قَتَلْنَا الْمَسِيحَ عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ رَسُولَ اللَّهِ وَمَا قَتَلُوهُ وَمَا صَلَبُوهُ وَلَكِنْ شُبِّهَ لَهُمْ وَإِنَّ الَّذِينَ اخْتَلَفُوا فِيهِ لَفِي شَكٍّ مِنْهُ مَا لَهُمْ بِهِ مِنْ عِلْمٍ إِلَّا اتِّبَاعَ الظَّنِّ وَمَا قَتَلُوهُ يَقِينًا . بَلْ رَفَعَهُ اللَّهُ إِلَيْهِ وَكَانَ اللَّهُ عَزِيزًا حَكِيمًا . وَإِنْ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ إِلَّا لَيُؤْمِنَنَّ بِهِ قَبْلَ مَوْتِهِ وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ يَكُونُ عَلَيْهِمْ شَهِيدًا) سورة النساء.
روى ابن أبي حاتم والنسائي وابن جرير الطبري وغيرهم عن ابن عباس رضي الله عنهما قال : لما أراد الله أن يرفع عيسى إلى السماء خرج على أصحابه وفي البيت اثنا عشر رجلا من الحواريين يعني فخرج عليهم من عين في البيت ورأسه يقطر ماء فقال : إن منكم من يكفر بي اثنتي عشرة مرة بعد أن آمن بي قال : ثم قال : أيكم يُلْقَى عليه شبهي فيُقْتَل مكاني ويكون معي في درجتي ؟ فقام شاب من أحدثهم سنا . فقال له : اجلس .ثم أعاد عليهم ، فقام ذلك الشاب فقال : اجلس ثم أعاد عليهم فقام الشاب فقال : أنا ، فقال: هو أنت ذاك ، فأُلقي عليه شبه عيسى ورُفِعَ عيسى من روزنة في البيت إلى السماء ، قال : وجاء الطلب من اليهود فأخذوا الشبه فقتلوه ثم صلبوه ، فكفر به بعضهم اثنتي عشرة مرة بعد أن آمن به ، وافترقوا ثلاث فرق فقالت فرقة : كان الله فينا ما شاء ثم صعد إلى السماء وهؤلاء اليعقوبية ، وقالت فرقة : كان فينا ابن الله ما شاء ثم رفعه الله إليه وهؤلاء النسطورية ، وقالت فرقة : كان فينا عبد الله ورسوله ما شاء الله ثم رفعه الله إليه وهؤلاء المسلمون، فتظاهرت الكافرتان على المسلمة فقتلوها فلم يزل الإسلام طامساً حتى بعث الله محمداً صلى الله عليه وسلم .
قال الحافظ ابن كثير رحمه الله في تفسيره :"وهذا إسناد صحيح إلى ابن عباس ورواه النسائي".
فإن الله سبحانه وتعالى قد بيّن في كتابه الكريم ووضّح وجلّى وأظهر حقيقة ما صار للمسيح عيسى ابن مريم عليه السلام من : عدم قتله ونفي صلبه وأنه رفعه إلى السماء ، كما بيّن القرآن الكريم وتواترت السنة النبوية بأنه سينزل عليه السلام في آخر الزمان وأن نزوله من علامات الساعة ـ كما سيأتي بيانه ـ وبيّن القرآن الكريم أن اليهود الذين ادعوا قتل المسيح وصلْبه والنصارى الذين جاروهم بجهلهم في اعتقاد ذلك بيّن القرآن أنهم ليس لهم بذلك من علم ؛ وإنما لديهم الشكوك واتباع الظن. ونحن المسلمون نحمد الله تعالى الذي بيّن لنا ذلك أتم البيان وأوضحه ؛ فنعتقد وندين بما جاء في كتاب الله وسنة رسوله عليه الصلاة والسلام (ومن أصدق من الله قيلاً) (ومن أصدق من الله حديثاً).
وربما يسأل سائلٌ فيقول : إذا كان اليهود يتبجحون ـ بزعمهم الكاذب ـ أنهم قتلوا المسيح عليه السلام بل صلبوه لأنه عدوّهم ؛ والصلب عندهم يستلزم اللعنة !! فماذا يقول النصارى ـ وقد وافقوا اليهود في قولهم بصلب المسيح ـ ماذا يقولون في سبب صلب من يعتقدون أنه الرب أو ابن الرب ؟!!
وللإجابة على هذا السؤال أقول : إن النصارى يوافقون اليهود ويعتقدون أن المسيح مات مصلوباً وتعليلهم لذلك : أنه صُلِب فداءً للبشر لتخليصهم من خطيئة أبيهم آدم عليه السلام التي انتقلت إلى أبنائه بالوراثة !! وهي أكله من الشجرة التي نهي عنها ! فيقول النصارى : إن هذه الخطيئة أغضبت الرب على أبناء آدم ، ومنذ أن وقع آدم في الخطيئة والرب غضبان على بني آدم ! فكان لا بد من وسيط يتحمل هذا الإثم ويرضى بأن يموت على الصليب !! وهذا الوسيط لا بد أن يكون ذا وضع مميز خالٍ من الإثم والخطأ ولا يكون هذا إلا ابن الله ـ الذي هو الله في زعمهم ـ وبعد قتله وصلبه يرضى الله على بني آدم !!
وسيأتي ـ بإذن الله ـ البيان بالتفصيل أن هذه حيلة اخترعها النصارى ليبرروا بها ضلالهم المبين في اعتقادهم بصلب المسيح عليه السلام . فإنهم قد فروا ليواروا أنفسهم عن ضلال كبير ـ وهو اعتقاد الصلب ـ فوقعوا في ضلال أكبر منه ـ وهو كذبة وفرية التخليص والفداء !!
ومما ينبغي أن يعلم جيداً أن التنصير والمنصرين ليس لديهم ما يضللون به الناس ويدعونهم به إلى نصرانيتهم ـ مستغلين الجهل أو الفقر ـ إلا هذا الزعم(وهو فرية الخطيئة ! والمخلص) الذي يعرف بطلانه الواضح بمجرد حكايته.
ونواصل في الحلقة القادمة بإذن الله والتي ستكون في قصة نزول المسيح عليه السلام في آخر الزمان .
قصة المسيح عيسى ابن مريم عليه السلام في القرآن الكريم (3):
د.عارف عوض الركابي
نزول المسيح عيسى عليه السلام إلى الأرض في آخر الزمان :
بعد خروج المسيح الدجال ، وإفساده في الأرض ، يبعث الله عيسى ابن مريم عليه السلام ، فينزل إلى الأرض، ويكون نزوله عند المنارة البيضاء شرقي دمشق ، واضعاً كفيه على أجنحة ملكين ، إذا طأطأ رأسه قطر وإذا رفعه تحدر منه جمان كالؤلؤ ، ويكون نزوله على الطائفة المنصورة التي تقاتل على الحق ، وتكون مجتمعة لقتال الدجال فينزل وقت إقامة إقامة الصلاة ، يصلي خلف أمير تلك الطائفة .
وقضية نزول عيسى ابن مريم ـ عليه السلام ـ في آخر الزمان من القضايا المحسومة في هذه الأمة، وقد أجمع عليها العلماء بناءً على ما ورد في نصوص الكتاب الكريم والسنة النبوية مما يثبت ذلك ، بل إن الأحاديث التي وردت في إثبات ذلك قد بلغت حد التواتر.
ومن أدلة نزوله عليه السلام من القرآن :
1/قوله تعالى : (وَلَمَّا ضُرِبَ ابْنُ مَرْيَمَ مَثَلا إِذَا قَوْمُكَ مِنْهُ يَصِدُّونَ.وَقَالُوا أَآلِهَتُنَا خَيْرٌ أَمْ هُوَ مَا ضَرَبُوهُ لَكَ إِلا جَدَلاً بَلْ هُمْ قَوْمٌ خَصِمُونَ . إِنْ هُوَ إِلا عَبْدٌ أَنْعَمْنَا عَلَيْهِ وَجَعَلْنَاهُ مَثَلا لِبَنِي إِسْرَائِيلَ.وَلَوْ نَشَاءُ لَجَعَلْنَا مِنْكُمْ مَلائِكَةً فِي الأرْضِ يَخْلُفُونَ.وَإِنَّهُ لَعِلْمٌ لِلسَّاعَةِ فَلا تَمْتَرُنَّ بِهَا وَاتَّبِعُونِ هَذَا صِرَاطٌ مُسْتَقِيمٌ) سورة الزخرف.
فهذه الآيات جاءت في الحديث عن عيسى عليه السلام ، وفيها قوله تعالى : (وإنه لَعِلْمٌ للساعة) ، أي أن نزول عيسى عليه السلام قبل يوم القيامة علامة على قرب الساعة ، ويدل على ذلك القراءة الأخرى : (وأنه لَعَلَمٌ للساعة) بفتح العين واللام ؛ أي علامة وأمارة على قيام الساعة ، وهذه القراءة مروية عن ابن عباس ومجاهد وغيرهما من أئمة التفسير.
روى الإمام أحمد بسنده إلى ابن عباس رضي الله عنهما في تفسير هذه الآية : (وَإِنَّهُ لَعِلْمٌ لِلسَّاعَةِ) قال : "هو خروج عيسى ابن مريم عليه السلام قبل يوم القيامة".
وقال الحافظ ابن كثير : " الصحيح أنه ـ أي الضمير ـ عائد على عيسى ؛ فإن السياق في ذكره ".
2/ قوله تعالى : (وَقَوْلِهِمْ إِنَّا قَتَلْنَا الْمَسِيحَ عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ رَسُولَ اللَّهِ وَمَا قَتَلُوهُ وَمَا صَلَبُوهُ وَلَكِنْ شُبِّهَ لَهُمْ وَإِنَّ الَّذِينَ اخْتَلَفُوا فِيهِ لَفِي شَكٍّ مِنْهُ مَا لَهُمْ بِهِ مِنْ عِلْمٍ إِلَّا اتِّبَاعَ الظَّنِّ وَمَا قَتَلُوهُ يَقِينًا . بَلْ رَفَعَهُ اللَّهُ إِلَيْهِ وَكَانَ اللَّهُ عَزِيزًا حَكِيمًا . وَإِنْ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ إِلَّا لَيُؤْمِنَنَّ بِهِ قَبْلَ مَوْتِهِ وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ يَكُونُ عَلَيْهِمْ شَهِيدًا) سورة النساء.
وفي قوله تعالى : (وَإِنْ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ إِلَّا لَيُؤْمِنَنَّ بِهِ قَبْلَ مَوْتِهِ وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ يَكُونُ عَلَيْهِمْ شَهِيدًا) الدلالة على أن من أهل الكتاب من سيؤمن بعيسى عليه السلام آخر الزمان ، وذلك عند نزوله وقبل موته ؛ كما جاءت بذلك الأحاديث المتواترة الصحيحة ـ والتي سيأتي ذكر بعضها ـ
روى ابن جرير الطبري عن الحسن البصري أنه قال : " قبل موت عيسى ، والله إنه الآن حي عند الله ، ولكن إذا نزل آمنوا به جميعاً "
وقال ابن كثير بعد نقله لقول ابن جرير:"ولا شك أن هذا الذي قاله ابن جرير هو الصحيح ؛ لأنه المقصود من سياق الآي في تقرير بطلان ما ادعته اليهود من قتل عيسى وصلبه وتسليم من سلم لهم من النصارى الجهلة ذلك ، فأخبر الله أنه لم يكن الأمر كذلك ، وإنما شبه لهم فقتلوا الشبيه وهم لا يتبينون ذلك ، ثم إنه رفع إليه ، وإنه باقٍ حي ، وإنه سينزل قبل يوم القيامة ، كما دلت على ذلك الأحاديث المتواترة ".
ومن أدلة نزوله عليه السلام من السنة النبوية :
1/ عن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ، لَيُوشِكَنَّ أَنْ يَنْزِلَ فِيكُمُ ابْنُ مَرْيَمَ حَكَمًا عَدْلاً، فَيَكْسِرَ الصَّلِيبَ، وَيَقْتُلَ الْخِنْزِيرَ، وَيَضَعَ الْجِزْيَةَ، وَيَفِيضَ الْمَالُ حَتَّى لاَ يَقْبَلَهُ أَحَدٌ، حَتَّى تَكُونَ السَّجْدَةُ الْوَاحِدَةُ خَيْرًا مِنَ الدُّنْيَا وَمَا فِيهَا» ثم قال أبو هريرة: "وَاقْرَءُوا إِنْ شِئْتُمْ : وَإِنْ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ إِلَّا لَيُؤْمِنَنَّ بِهِ قَبْلَ مَوْتِهِ وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ يَكُونُ عَلَيْهِمْ شَهِيدًا" رواه البخاري ومسلم .
2/ وروى البخاري ومسلم أيضاً أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : (كَيْفَ أَنْتُمْ إِذَا نَزَلَ ابْنُ مَرْيَمَ فِيكُمْ وَإِمَامُكُمْ مِنْكُمْ ) .
3/ وعن جَابِرَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ رضي الله عنهما قال: سَمِعْتُ النَّبِىَّ - صلى الله عليه وسلم- يَقُولُ : ( لاَ تَزَالُ طَائِفَةٌ مِنْ أُمَّتِى يُقَاتِلُونَ عَلَى الْحَقِّ ظَاهِرِينَ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ - قَالَ - فَيَنْزِلُ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ - صلى الله عليه وسلم- فَيَقُولُ أَمِيرُهُمْ تَعَالَ صَلِّ لَنَا. فَيَقُولُ لاَ. إِنَّ بَعْضَكُمْ عَلَى بَعْضٍ أُمَرَاءُ. تَكْرِمَةَ اللَّهِ هَذِهِ الأُمَّةَ ).رواه مسلم.
4/ وقال عليه الصلاة والسلام : (الأَنْبِيَاءُ إِخْوَةٌ لِعَلاَّتٍ أُمَّهَاتُهُمْ شَتَّى وَدِينُهُمْ وَاحِدٌ وَأَنَا أَوْلَى النَّاسِ بِعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ لأَنَّهُ لَمْ يَكُنْ بَيْنِى وَبَيْنَهُ نَبِىٌّ وَإِنَّهُ نَازِلٌ فَإِذَا رَأَيْتُمُوهُ فَاعْرِفُوهُ) رواه الإمام أحمد وغيره.
إن طريقة الصحابة والتابعين ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين اتباع ما دلت عليه النصوص الشرعية وتصديق خبر الرسول الصادق المصدوق عليه الصلاة والسلام ، وهذا من مقتضى شهادة أنه رسول الله فإنها تقتضي : (طاعته فيما أمر وتصديقه فيما أخبر والانتهاء عما نهى عنه وزجر وألا يعبد الله إلا بما شرع) ،، وقد سُطِّرت عبارات لأهل العلم والإيمان من هذه الأمة عبر القرون الماضية في شأن نزول المسيح عليه السلام في آخر الزمان وهي كثيرة جداً ، أضع بين يدي أخوتي وأخواتي القراء الكرام منها ما يلي :
قال الإمام أحمد بن حنبل: "أصول السنة عندنا : التمسك بما كان عليه أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ، والاقتداء بهم ،وترك البدع ، وكل بدعة فهي ضلالة".ثم ذكر جملة من عقيدة أهل السنة،ثم قال : " والإيمان أن المسيح الدَّجَّال مكتوب بين عينيه (كافر)، والأحاديث التي جاءت فيه، والإيمان بأن ذلك كائن، وأن عيسى ينزل فيقتله بباب لُد".
وقال أبو جعفر الطحاوي الحنفي : "ونؤمن بأشراط الساعة؛ من خروج الدَّجَّال ،ونزول عيسى بن مريم عليه السلام من السماء".
وقال القاضي عياض المالكي: "نزول عيسى وقتله الدَّجَّال حقُّ وصحيح عند أهل السنة للأحاديث الصحيحة في ذلك ، وليس في العقل ولا في الشرع ما يبطله فوجب إثباته".
وقال ابن كثيرالشافعي:"تواترت الأحاديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم بنزول عيسى ـ عليه السلام ـ قبل يوم القيامة إماماً عادلاً وحكماً مقسطاً". ثم ذكر أكثر من ثمانية عشر حديثاً في نزوله.
وقال السفاريني الحنبلي :"قد أجمعت الأمة على نزول عيسى بن مريم ـ عليه السلام ـ ولم يخالف فيه أحد من أهل الشريعة، وإنما أنكر ذلك الفلاسفة والملاحدة ممن لا يعتد بخلافهم، وقد انعقد إجماع الأمة على أنه ينزل ويحكم بهذه الشريعة".
وقال الشوكاني في كتابه (التوضيح في تواتر ما جاء في المنتظر والدجال والمسيح): "فتقرر أن الأحاديث الواردة في المهدي المنتظر متواترة، والأحاديث الواردة في الدجال متواترة، والأحاديث الواردة في نزول عيسى بن مريم متواترة".
وقال الشيخ أحمد محمد شاكر: "وقد لعب المجددون أو المجردون في عصرنا الذي نحيا فيه بهذه الأحاديث الدالة صراحة على نزول عيسى بن مريم ـ عليه السلام ـ في آخر الزمان قبل انقضاء الحياة الدنيا تأويل منطوٍ على الإنكار تارة، وبالإنكار الصريح أخرى، ذلك أنهم في حقيقة أمرهم لا يؤمنون بالغيب أو لا يكادون يؤمنون وهي أحاديث متواترة المعنى في مجموعها يُعلم مضمونها فيها من الدين بالضرورة فلا يجديهم الإنكار ولا التأويل".
لقد حكى هؤلاء العلماء الأجلاء وغيرهم من أهل العلم ـ قديماً وحديثاً ـ إجماع الأمة على نزول عيسى بن مريم ـ عليه السلام ـ في آخر الزمان وجمع العلماء هذه الأحاديث ، وأُلفت في ذلك المؤلفات الكثيرة،ومن هذه الكتب: كتاب (التصريح بما تواتر في نزول المسيح) للشيخ محمد أنور شاه الكشميري الهندي، وقد جمع خمسة وسبعين حديثاً وردت في إثبات نزول عيسى بن مريم ـ عليه السلام ـ في آخر الزمان.
فيجب على كل مسلم ومسلمة الإيمان بذلك ، ولا يُلْتَفت إلى من يشوش عليهم في ذلك من العاملين بقاعدة :"خالف لتذكر" ، الذين ينكرون ما دلت عليه نصوص الكتاب والسنة بأهوائهم وأفكارهم الخربة المتناقضة ، والتي باتت مكشوفة لدى الجهال والصغار قبل العلماء والكبار ، كفى الله البلاد والعباد شرهم وشررهم وشرههم وهرشهم...
وفي استنباط الحِكمة من نزول المسيح عليه السلام قال الحافظ ابن حجر العسقلاني:"قَالَ الْعُلَمَاء : الْحِكْمَة فِي نُزُول عِيسَى دُون غَيْره مِنْ الْأَنْبِيَاء الرَّدّ عَلَى الْيَهُود فِي زَعْمهمْ أَنَّهُمْ قَتَلُوهُ ، فَبَيَّنَ اللَّه تَعَالَى كَذِبهمْ وَأَنَّهُ الَّذِي يَقْتُلهُمْ ، أَوْ نُزُوله لِدُنُوِّ أَجَله لِيُدْفَن فِي الْأَرْض ، إِذْ لَيْسَ لِمَخْلُوقٍ مِنْ التُّرَاب أَنْ يَمُوت فِي غَيْرهَا . وَقِيلَ : إِنَّهُ دَعَا اللَّه لَمَّا رَأَى صِفَة مُحَمَّد وَأُمَّته أَنْ يَجْعَلهُ مِنْهُمْ فَاسْتَجَابَ اللَّه دُعَاءَهُ وَأَبْقَاهُ حَتَّى يَنْزِل فِي آخِر الزَّمَان مُجَدِّدًا لِأَمْرِ الْإِسْلَام ، فَيُوَافِق خُرُوج الدَّجَّال ، فَيَقْتُلهُ "ويضاف إلى ذلك : أنه ينزل مكذباً النصارى ، فيظهر زيفهم في دعواهم الأباطيل ، ويهلك الله الملل كلها في زمنه إلا الإسلام ، فإنه يكسر الصليب ويقتل الخنزير ويضع الجزية ...
وقبل أن أختم هذه الحلقة فإني أقول : إن مما ثبت أيضاً في الأحاديث الصحيحة أن المسيح عيسى عليه السلام : سيحكم بالشريعة الإسلامية ، فإنه مجددٌٌ لأمر الإسلام تابع للنبي عليه الصلاة والسلام ، إذ لا نبي بعد نبينا محمد عليه الصلاة والسلام وقد تقدم ذكر الحديث : (كَيْفَ أَنْتُمْ إِذَا نَزَلَ ابْنُ مَرْيَمَ فِيكُمْ وَإِمَامُكُمْ مِنْكُمْ ).وقول المسيح .. تكرمة الله هذه الأمة).
وأنه: يصلي كما تقدم في الحديث ، وأنه : يحج ، لما روى مسلم أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : ( والذي نفسي بيده؛ ليُهِلَّنَّ ابن مريم بفجِّ الرَّوحاء حاجاً أو معتمراً , أو ليثنيهما ) ؛ أي يجمع : بين الحج والعمرة ، وفج الروحاء : مكان بين مكة والمدينة سلكه النبي صلى الله عليه وسلم إلى بدر وإلى مكة عام الفتح وفي حجة الوداع.
وأما مدة بقاء عيسى عليه السلام في الأرض بعد نزوله ؛ فقد جاء في بعض الروايات أنه يمكث سبع سنين , وفي بعضها أربعين سنة .ففي رواية الإمام مسلم قوله عليه الصلاة والسلام : ( فيبعث الله عيسى بن مريم . . . ثم يمكث الناس سبع سنين ليس بين اثنين عداوة , ثم يرسل الله ريحاً باردةً من قبل الشام فلا يبقى على وجه الأرض أحد في قلبه مثقال ذرة من خير أو إيمان إلا قبضه)
وفي رواية الإمام أحمد وأبي داود: فيمكث في الأرض أربعين سنة ثم يتوفى , ويصلي عليه المسلمون) .
وكلا هاتين الروايتين صحيحة , وقد نقل الشيخ يوسف الوابل قول من جمع بين الروايتين بقوله : "إلا أن تحمل رواية السبع سنين على مدة إقامته بعد نزوله , ويكون مضافاً على مكثه في الأرض قبل رفعه إلى السماء وكان عمره إذ ذاك ثلاثاً وثلاثين سنة على المشهور).
ونواصل في الحلقة القادمة بإذن الله والتي ستكون في بيان ونقض عقيدة الصلب والفداء عند النصارى.
قصة المسيح عيسى ابن مريم عليه السلام في القرآن الكريم (4):
د.عارف عوض الركابي
نقض عقيدة الصلب والفداء لدى النصارى
في الحلقة الثانية من هذه الحلقات بينت بالأدلة رفع المسيح عيسى ابن مريم عليه السلام إلى السماء ونفي ما اعتقده اليهود والنصارى من قتله وصلبه ، وتقدم بيان أن النصارى أرادوا أن يوجدوا لهم مخرجاً مناسباً من اعتقادهم بصلب المسيح فاخترعوا فرية الفداء!! وهذه الحلقة أردت بها: نقض ما يعتقده النصارى من الصلب والفداء بشيءٍ من الاختصار يقتضيه طبيعة هذه المقالات .
ولابد من تأكيد حقيقة مهمة وهي : أن الديانة النصرانية كلها تقوم على مسألة الصلب ، وأن الدعوة إلى النصرانية تقوم عليها ، إذ ليس في النصرانية أي عامل جذب يمكن أن يجذب به الناس إليها ، وليس فيها ما يمكن أن يتحدث فيه ويقدم للناس سوى هذه القضية التي يركزون عليها تركيزاً شديداً ، وهي مسألة : الصلب والفداء، وذلك بإيحائهم للناس أنهم هالكون مردودة عليهم أعمالهم مغضوب عليهم منذ ولادتهم وقبل أن يولدوا ، مما يجعل الإنسان الجاهل بحقيقة الأمر يحس بثقل عظيم على كاهله من تلك الرزية والخطيئة التي لم يكن له دور فيها، ثم إنهم بعد أن يوقعوا الإنسان فريسة الشعور بالذنب والخطيئة ، وتأنيب الضمير، والخوف من الهلكة ، يفتحوا له باب الرجاء بالمسيح المصلوب ، فيزينوا له ذلك العمل العظيم الذي قام به المسيح لأجل الناس ويدعونه إلى الإيمان به ، فإذا كان ممن لم يتنور عقله بنور الهداية الربانية ونور الإسلام يجد أن هذه هي الفرصة العظيمة التي يتخلص بها ، وما علم المسكين أن الأمر كله دعوى كاذبة وخطة خبيثة للإيقاع به وبأمثاله.
إن أناجيل النصارى المحرّفة قد اختلفت اختلافاً كثيراً وتباينت في ذكر قضية الصلب المزعوم وتفاصيله ، وذلك فيما ذكر فيها مثل وقت الحكم على المسيح والصلب وكيفيته ووقته وتلاميذ المسيح وغير ذلك ، وقد دونت هذه الاختلافات وهي مجموعة في مباحث في الكتب المتخصصة في ذلك ، ولا تكاد جزئية من أجزاء هذا الحدث إلا وقد اختلفت عليها الأناجيل ، خاصة إنجيل "يوحنا" مقارنة بإنجيل "لوقا ومرقص ومتى".بل العجيب أن بعض النصوص في كتب النصارى تنفي زعم الصلب كما في رسالة بولس إلى العبرانيين من أن المسيح عليه السلام تقدم إلى الله بتضرعات ودموع أن يخلصه من الموت ، وأن الله سبحانه استجاب لدعائه من أجل تقواه.
والنصارى في شك من أمرهم ولم يكونوا على بينة ، وقد سبق ذكر قول الله تعالى : (وما قتلوه وما صلبوه ولكن شبه لهم وإن الذين اختلفوا فيه لفي شك منه ما لهم به من علم إلا اتباع الظن وما قتلوه يقيناً بل رفعه الله إليه وكان الله عزيزاً حكيماً).
وأما قضية الفداء التي تم اختراعها من قِبَل النصارى لنفي السُبّة والعار التي يترتب على زعمهم واعتقادهم بصلب المسيح ، وإن هذه القضية مما يكفي في نقضها : أن جميع النصوص التي يذكرها النصارى في الدلالة على أن الصلب وقع فداءً للبشر ليس فيها نص واحد يعيّن الخطيئة التي يزعمون أن الفداء كان لأجلها ، وهي خطيئة أبينا آدم التي انتقلت في زعم النصارى إلى أبنائه بالوراثة!!! وكون جميع النصوص لم تحدد هذه الخطيئة فإن هذا مما يؤكد بجلاء أن قضية الفداء من مخترعات النصارى المتأخرين.
ولتوضيح فساد اعتقاد النصارى وضلالهم في زعمهم الصلب والفداء فإني أسوق النقاط التالية :
1/إن آدم عليه السلام الذي يزعم النصارى أن الصلب والفداء كان لأجل خطيئته قد تاب من خطيئته بقوله عز وجل: ( ثم اجتباه ربه فتاب عليه وهدى ) سورة طـه ، فما الذي يُكَفّر بصلب المسيح؟؟!!.
وقد قبل الله توبته كما أنه عوقب بإخراجه من الجنة وتأثر أبناؤه بالعقوبة , وإن لم يكونوا مقصودين بها .
وقد أورد اليهود في كتابهم المحرف أن الله قال لآدم : ( لأنك يوم تأكل من الشجرة موتاً تموت ) "سفر التكوين"
وقد وقع هذا لآدم بعد الأكل من الشجرة بإخراجه وزوجته من الجنة إلى الأرض ثم موتهما فيها, فقد عوقبا بذلك , كما ينص اليهود على إخراجهما من الجنة إلى الأرض التي فيها الكد والتعب .
فمن أين أتى النصارى بفرية خطيئة آدم , وأحيوها هذا الإحياء وألبسوها هذا اللبوس؟؟!! .
2)إن ما وقع من آدم عليه السلام هو أكله من الشجرة بإغواء الشيطان له وهذا ذنب منه في حق الله الذي نهاه عن الأكل منها فالذنب بهذا لم يكن يلزم لتكفيره أن ينزل الرب ليصلب على الصليب,بعد أن يهان ويذل من أجل أن يرضي نفسه , بل الأمر يكفي فيه قبول التوبة ومغفرة الذنب فقط , وهذا الذي وقع كما نص على ذلك القران الكريم .
3) إن ما وقع من آدم عليه السلام يعتبر يسيراً بالنسبة لما فعله كثير من أبنائه من سب الله عز وجل والاستهزاء به وعبادة غيره جل وعلا, والإفساد في الأرض بالقتل , ونشر الفساد والفتن , وقتل أنبيائه ومحاربة أوليائه إلى غير ذلك ... فهذا أعظم بكثير من خطيئة آدم عليه السلام .
فعلى كلام النصارى : أن الله لابد أن ينزل كل وقت ليصلب حتى يجمع بين عدله ورحمته في زعمهم !!!!!!.
4) إن صلب المسيح ـ الذي هو الله في زعمهم تعالى الله عن قولهم ـ قد تم بلا فائدة تذكر, وذلك لأن خطيئة آدم ليست على بال بنيه ولا تقض مضاجعهم ، إنما الذي يقلق الإنسان ويخيفه : ذنوبه وجرائمه وهذه لا تدخل في كفارة المسيح في زعمهم .
5) إن الأنبياء السابقين ليس فيهم من ذَكَرَ خطيئة آدم وسأل الله أن يغفرها له مما يدل على أنها من مخترعات النصارى .
6)إن الأنبياء السابقين والدعاة والصالحين قبل المسيح ـ بناء على اعتقاد النصارى هذا ـ كانوا يدعون إلى ضلالة وقد أخطأوا الطريق إذ لم يرشدوا الناس إلى حقيقة تلك الخطيئة ويوعوهم بخطورتها كما يفهمها النصارى !!!.
7) إن الأنبياء السابقين وعباد الله الصالحين كلهم هالكون إذ لم تكفر عنهم تلك الخطيئة , لأنه لا يتم تكفيرها إلا عن طريق المسيح المصلوب في زعم النصارى .
إن بين آدم وعيسى عليهما السلام زمناً طويلاً , فمعنى ذلك أن الله بقي متحيراً كل هذه المدة إلى أن اهتدى إلى الوسيلة التي يعقد المصالحة فيها بين الناس ونفسه !!! ـ تعالى الله عن ذلك علواً كبيراًـ.
9) إن الخطيئة وقعت من آدم عليه السلام فلا تنتقل إلى أبنائه ولا يستحقون هم العقوبة عليها ,لأنه لا أحد يعاقب بذنب غيره بل هذا ينافي قواعد العدل ، وقد نص الله عز وجل على هذا في القران الكريم بقوله : ( ألا تزر وازرة وزر أخرى) سورة النجم . وكذلك ورد في التوراة المحرفة : (لا يقتل الآباء عن الأولاد ولا يقتل الأولاد عن الآباء كل إنسان بخطيئته يقتل ) سفر التثنية.
10)هل من العدل أن يعاقب غير المذنب؟! والمسيح في زعم النصارى ابن الله !! فهو ليس من جنس بني آدم فكيف يعاقب بدلاً عن آدم وذريته ـ وهم بشر ـ؟؟!! ودعواهم أنه تقمص الجسد البشري لا يزيل هذه الحقيقة لأنه ليس من جنس البشر حسب كلامهم .
11) أن المسيح في زعم النصارى ابن الله !! فأين الرحمة التي جعلت الله في زعمهم يشفق على عبيده وخلقه ويترك ابنه للعذاب والبلاء والإهانة واللعن والموتة الشنيعة ؟!!!!
12) في زعم النصارى أن المسيح هو ابن الله وهو الله وأن المصلوب المهان الملعون – تعالى الله عن قولهم وتقدس – هو الله جل جلاله وتقدست أسماؤه فهل يوجد كفر أعظم من هذا وافتراء على الله أكبر من هذا؟؟!! (سيجزيهم وصفهم إنه حكيم عليم ) سورة الأنعام.
13) هل يليق أو يعقل أن ينزل الله جل جلاله وتقدست أسماؤه من عليائه وعرشه ويسمح لأبغض أعدائه إليه وهم اليهود قتلة ألأنبياء , والرومان أن يهينوه ويعذبوه ويصلبوه؟!! ثم هو يفعل هذا لماذا ؟!! لأجل أن يرضي نفسه؟! لأجل عبيده؟! لأجل من؟!!
هذا مما لا يمكن أن يقال ويقبل بحال من الأحوال , بل يجب أن يستعاذ بالله من الشيطان الرجيم عند مرور مثل هذا الخاطر والوسواس ، ويقال : سبحانك هذا بهتان عظيم!!!
14) حسب عقيدة الفداء لدى النصارى يكون أعظم الناس براً وفضلاً على النصارى خصوصاً والبشرية عموماً : اليهود والرومان والواشي بالمسيح , لأنهم هم الذين تحقق على أيديهم في زعم النصارى الهدف الأسمى الذي جاء من أجله المسيح "المخلّص" وهو الموت على الصليب !!!!!!.
15) إن جميع تحركات المسيح ودعوته وفق اعتقاد النصارى في الصلب والفداء لم تكن إلا تمثيلاً أحسن المسيح أداء الدور فيه!!! مما جعل اليهود يغضبون عليه , فيعلقونه على الصليب .
16) بناءً على دعوى النصارى في أن المسيح فدى البشر بدمه , فمعنى ذلك أنه لا حاجة إلى الإيمان به واعتقاد صلبه وألوهيته وما إلى ذلك ، لأن الخطيئة قد ارتفعت عن جميع البشر ببذله نفسه , مثل من كان عليه ديْنٌ فجاء أحد من الناس فقضى ذلك الدين عنه , فإن المطالبة تسقط عنه بمجرد القضاء وهذا ما لا يقول به النصارى مخالفين في ذلك دليل العقل .
17) إن دعوى النصارى بأن الصلب وقع في الجسد البشري الذي حمل الخطيئة وأن هذا الجسد مات . دعوى تنقضها وتبطلها قصة قيامة المسيح عندهم !!!, فلو كان تجسد لأجل الخطيئة فالواجب أن يفني ذلك الجسد بعد حلول العقوبة عليه.
18) إن دعوى أن المسيح قام من قبره ولمسوه وتأكدوا منه , ثم ارتفع إلى السماء تنقض دعوى أنه ابن الله وأنه تجسد بالصورة البشرية لأن الدورالذي تجسد من أجله قد أداه وانتهى , ثم إن الجسد البشري لا حاجة إليه حيث يذهب المسيح في زعمهم عن يمين أبيه!! وهذا من أوضح القضايا لو كانوا يعقلون .
والنقاط السابقة توجه لقول المتأخرين من النصارى الذين حددوا الخطيئة وهي بزعمهم : أكل آدم من الشجرة ، أما على كلام المتقدمين من النصارى الذي لم يحددوا الخطيئة فإننا نقول لهم :
إن المراد من كون المسيح كفارة للخطايا أحد أمرين:
أحدهما: تكفير لخطايا الناس التي اقترفوها في الماضي , أو التي سيقترفونها في المستقبل, وكلاهما باطل.
أما الخطايا الماضية فلا تستحق هذا الفداء الإلـهي في زعمهم , وقد كان يتم تكفيرها بالتوبة والقربان لدى اليهود قبلهم وكان كافياً.
أما الخطايا الماضية المستقبلية فلا يستطيع النصارى أن يزعموا أن صلب المسيح مكفر لها لأن ذلك يعني إباحتها, وعدم ترتب العقوبة على ذنب من الذنوب مهما عظم , وفي هذا إبطال لدعوة المسيح ودعوة الحواريين وبولس إلى تنقية النفس من الآثام والخطايا وفتح للإباحية والفجور والكفر!!!!! .
مع العلم أن تكفير الخطايا إذا أطلق لا يراد به سوى ما وقع فيه الإنسان من الآثام وهي الخطايا الماضية، إذ التكفير من كفر أي : ستر وغطى ولا يكون ذلك إلا فيما وقع وحدث.
بعد هذا كله من حق الإنسان أن يتساءل : هل النصارى على درجة كبيرة من الذكاء والخبث الشيطاني الذي جعلهم يغلفون بغضهم لله عز وجل وبغضهم للمسيح عليه السلام بهذه الدعاوى الكاذبة التي يظهرونها ويصرون على التمسك بها بدون أدنى
د.عارف عوض الركابي
من خلال متابعتي لما يكتب هذه الأيام بشأن مشروع الفاتيكان للتنصير في إقليم دارفور وفي غيره ، ومن واقع معرفتي بأن التنصير يستغل أمرين مهمين لتحقيق أهدافه بين صفوف المسلمين أولهما : الفقر والحاجة للمال وثانيهما : الجهل لدى كثير من المسلمين بدينهم وعقيدتهم وكتاب ربهم وسنة نبيهم ، وجهلهم بحقيقة النصرانية والتنصير، ولا نحتاج إلى ذكر الأدلة لبيان جهل كثير من المسلمين بما يتعلق بهذا الأمر ، وحسب من يريد الاستدلال على ذلك أن يرجع بالذاكرة إلى الوراء ـ لأربعة أشهر تقريباً من الآن ـ ويتذكر مشاهد اللقاءات والاحتفالات والتأييدات التي تمت في ساحات!!ومقامات!! (بعض) أصحاب الطواقي والملافح الخضراء!! في (سنار)!وفي(أم درمان)!وفي غيرهما بواحدٍ من أكبر حاملي لواء النصارى ونائبه!، فإن تلك المواقف والمشاهد الجريئة! والقبيحة والمنكرة والغير (طيبة)! مما يؤكّد انتشار ذلك الجهل ـ وإلى الله المشتكى ـ .
فمن خلال ذلك رأيت أن من الواجب الكفائي؛ أن أبيِّن ـ باختصار ـ بعض ما جاء في القرآن الكريم والسنة النبوية الشريفة في شأن نبي الله عيسى عليه السلام وحقيقته ، وما يجب اعتقاده في هذا الأمر العظيم الذي اعتنى به الوحي عناية فائقة ، ثم أبين ما تقوم عليه عقائد النصارى ، وما يقوم عليه التنصير وبيان باطله استناداً على الأدلة الشرعية واستناداً على بعض ما ورد في أناجيلهم المحرَّفة (من باب إلزامهم ) واستناداً على اعترافات بعض القساوسة والمنصرين ، فأقول ـ مستعيناً بالله ـ :
عيسى عليه السلام من البشر إلا أنه ليس له أب :
لقد ذكر الله تعالى بشرية المسيح في آيات كثيرة من القرآن الكريم ومن ذلك قوله تعالى : ( إِنَّ مَثَلَ عِيسَى عِنْدَ اللَّهِ كَمَثَلِ آدَمَ خَلَقَهُ مِنْ تُرَابٍ ثُمَّ قَالَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ * الْحَقُّ مِنْ رَبِّكَ فَلا تَكُنْ مِنَ الْمُمْترِينَ) سورة آل عمران . فليس عيسى هو الوحيد الذي خلق من البشر وليس له أب؛ فآدم ـ عليه السلام ـ خلقه الله تعالى ولم يكن له أم ولا أب ، والله على كل شيءٍ قدير.
وقال تعالى : (مَا الْمَسِيحُ ابْنُ مَرْيَمَ إِلا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ وَأُمّهُ صِدِّيقَةٌ كَانَا يَأْكُلانِ الطَّعَامَ انْظُرْ كَيْفَ نُبَيِّنُ لَهُمُ الآيَاتِ ثُمَّ انْظُرْ أَنَّى يُؤْفَكُونَ) سورة المائدة . وقوله "كَانَا يَأْكُلانِ الطَّعَامَ" دليل ظاهر على أنهما عبدان، فقيران محتاجان كما يحتاج بنو آدم إلى الطعام والشراب، فلو كانا إلهين لاستغنيا عن الطعام والشراب، ولم يحتاجا إلى شيء، فإن الإله هو الغني الحميد.
القرآن ينفي بنوة المسيح عليه السلام :
ادعى النصارى أن المسيح عيسى عليه السلام ابن الله ، فنسبوا الولد لله الواحد الأحد الذي لم يلد ولم يولد ، سبحانه وتعالى عما يقول الظالمون علواً كبيراً ، والنصارى متناقضون في حقيقة المسيح وماذا يعني عندهم ـ كما سيأتي بيانه بإذن الله ـ ، ومن الآيات الواردة في نفي ما زعمه النصارى ما يلي : قال الله تعالى : ( ذَلِكَ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ قَوْلَ الْحَقِّ الَّذِي فِيهِ يَمْتَرُونَ * مَا كَانَ لِلَّهِ أَنْ يَتَّخِذَ مِنْ وَلَدٍ سُبْحَانَهُ إِذَا قَضَى أَمْرًا فَإِنَّمَا يَقُولُ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ) سورة مريم.
فإن ذلك الموصوف بتلك الصفات، عيسى بن مريم، من غير شك ولا مرية، فإن هذا قول الحق، وكلام الله، الذي لا أصدق منه قيلاً ولا أحسن منه حديثاً ، فهذا الخبر اليقيني ، عن عيسى عليه السلام ، وما قيل فيه مما يخالف هذا، فإنه مقطوع ببطلانه ، وغايته أن يكون شكاً من قائله لا علم له به ، ولهذا قال: { الَّذِي فِيهِ يَمْتَرُونَ } أي: يشكون فيمارون بشكهم، ويجادلون بخرصهم، فمن قائل عنه: إنه الله!أو ابن الله! أو ثالث ثلاثة! تعالى الله عن إفكهم وتقولهم علوا كبيرا.
فـ { مَا كَانَ لِلَّهِ أَنْ يَتَّخِذَ مِنْ وَلَدٍ } أي: ما ينبغي ولا يليق، لأن ذلك من الأمور المستحيلة، لأنه الغني الحميد، المالك لجميع الممالك، فكيف يتخذ من عباده ومماليكه، ولداً؟! { سُبْحَانَهُ } أي: تنزه وتقدس عن الولد والنقص.
قال الله تعالى : ( وَقَالُوا اتَّخَذَ الرَّحْمَنُ وَلَدًا * لَقَدْ جِئْتُمْ شَيْئًا إِدًّا * تَكَادُ السَّمَوَاتُ يَتَفَطَّرْنَ مِنْهُ وَتَنْشَقُّ الْأَرْضُ وَتَخِرُّ الْجِبَالُ هَدًّا * أَنْ دَعَوْا لِلرَّحْمَنِ وَلَدًا * وَمَا يَنْبَغِي لِلرَّحْمَنِ أَنْ يَتَّخِذَ وَلَدًا * إِنْ كُلُّ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ إِلَّا آَتِي الرَّحْمَنِ عَبْدًا * لَقَدْ أَحْصَاهُمْ وَعَدَّهُمْ عَدًّا * وَكُلُّهُمْ آَتِيهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَرْدًا) سورة مريم . وهذا تقبيح وتشنيع لقول المعاندين الجاحدين، الذين زعموا أن الرحمن اتخذ ولداً، كقول النصارى: المسيح ابن الله، واليهود : عزير ابن الله، والمشركين: الملائكة بنات الله، تعالى الله عن قولهم علوا كبيرا.
المسيح عبدٌ من عباد الله تعالى :
إن الله سبحانه وتعالى قد خلق جميع الخلق لعبادته وطاعته ، والمسيح عليه السلام من خلق الله ومن عباد الله تعالى ، لذلك فإنه أول ما تكلم قال إِنِّي عَبْدُ اللَّهِ آتَانِيَ الْكِتَابَ وَجَعَلَنِي نَبِيًّا * وَجَعَلَنِي مُبَارَكًا أَيْنَ مَا كُنْتُ وَأَوْصَانِي بِالصَّلاةِ وَالزَّكَاةِ مَا دُمْتُ حَيًّا) سورة مريم . وقال تعالى وَإِنَّ اللَّهَ رَبِّي وَرَبُّكُمْ فَاعْبُدُوهُ هَذَا صِرَاطٌ مُسْتَقِيمٌ ) سورة مريم
وقال تعالى : ( لَنْ يَسْتَنْكِفَ الْمَسِيحُ أَنْ يَكُونَ عَبْدًا لِلَّهِ وَلا الْمَلائِكَةُ الْمُقَرَّبُونَ وَمَنْ يَسْتَنْكِفْ عَنْ عِبَادَتِهِ وَيَسْتَكْبِرْ فَسَيَحْشُرُهُمْ إِلَيْهِ جَمِيعًا * فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ فَيُوَفِّيهِمْ أُجُورَهُمْ وَيَزِيدُهُمْ مِنْ فَضْلِهِ وَأَمَّا الَّذِينَ اسْتَنْكَفُوا وَاسْتَكْبَرُوا فَيُعَذِّبُهُمْ عَذَابًا أَلِيمًا وَلا يَجِدُونَ لَهُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ وَلِيًّا وَلا نَصِيرًا) سورة النساء، ولن يستنكف بمعنى أن المسيح لن يمتنع عن عبادة الله كما أنه لن يستكبر.
وقال الله تعالى : ( إِنْ هُوَ إِلا عَبْدٌ أَنْعَمْنَا عَلَيْهِ وَجَعَلْنَاهُ مَثَلا لِبَنِي إِسْرَائِيلَ) .
عيسى عليه السلام رسول مُرْسَلٌ من عند الله :
إن عيسى عليه السلام هو أحد الرسل أولوا العزم الخمسة ـ عليهم الصلاة والسلام ـ وهم : (نوح وإبراهيم وموسى وعيسى ومحمد ) وقد ذكرهم الله في آيتين احداهما في سورة الأحزاب والثانية في سورة الشورى ، وقد قال الله تعالى في إثبات أنه رسول من عنده : (مَا الْمَسِيحُ ابْنُ مَرْيَمَ إِلا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ وَأُمُّهُ صِدِّيقَةٌ كَانَا يَأْكُلانِ الطَّعَامَ انْظُرْ كَيْفَ نُبَيِّنُ لَهُمُ الآيَاتِ ثُمَّ انْظُرْ أَنَّى يُؤْفَكُونَ) سورة المائدة
وقال تعالى : (ثُمَّ قَفَّيْنَا عَلَى آثَارِهِمْ بِرُسُلِنَا وَقَفَّيْنَا بِعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ وَآتَيْنَاهُ الإنْجِيلَ وَجَعَلْنَا فِي قُلُوبِ الَّذِينَ اتَّبَعُوهُ رَأْفَةً وَرَحْمَةً وَرَهْبَانِيَّةً ابْتَدَعُوهَا مَا كَتَبْنَاهَا عَلَيْهِمْ إِلا ابْتِغَاءَ رِضْوَانِ اللَّهِ فَمَا رَعَوْهَا حَقَّ رِعَايَتِهَا فَآتَيْنَا الَّذِينَ آمَنُوا مِنْهُمْ أَجْرَهُمْ وَكَثِيرٌ مِنْهُمْ فَاسِقُونَ) سورة الحديد
عيسى عليه السلام رسول إلى بني إسرائيل خاصة ، ومتبع ومكمل لشريعة موسى عليه السلام:
لقد أرسل الله تعالى عيسى عليه السلام لدعوة بني إسرائيل خاصة ومما يدل على ذلك :
قوله تعالى : (وَرَسُولًا إِلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ أَنِّي قَدْ جِئْتُكُمْ بِآَيَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ) سورة آل عمران.
وقوله تعالى : (وَمُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيَّ مِنَ التَّوْرَاةِ وَلِأُحِلَّ لَكُمْ بَعْضَ الَّذِي حُرِّمَ عَلَيْكُمْ وَجِئْتُكُمْ بِآَيَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَطِيعُونِ )
المسيح عليه السلام دعا إلى عبادة الله وحده لا شريك له :
كل الأنبياء ـ عليهم الصلاة والسلام ـ دعوا إلى توحيد الله وعبادته وحده ، ونهوا وحذروا من الشرك في عبادته .وقد كانت دعوة عيسى عليه السلام إلى عبادة الله جل وعلا ، قال الله تعالى عنه : (إِنَّ اللَّهَ رَبِّي وَرَبُّكُمْ فَاعْبُدُوهُ هَذَا صِرَاطٌ مُسْتَقِيمٌ) سورة آل عمران
وقال الله تعالى : ( وَإِذْ قَالَ اللَّهُ يَا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ أَأَنْتَ قُلْتَ لِلنَّاسِ اتَّخِذُونِي وَأُمِّيَ إِلَهَيْنِ مِنْ دُونِ اللَّهِ قَالَ سُبْحَانَكَ مَا يَكُونُ لِي أَنْ أَقُولَ مَا لَيْسَ لِي بِحَقٍّ إِنْ كُنْتُ قُلْتُهُ فَقَدْ عَلِمْتَهُ تَعْلَمُ مَا فِي نَفْسِي وَلا أَعْلَمُ مَا فِي نَفْسِكَ إِنَّكَ أَنْتَ عَلامُ الْغُيُوبِ * مَا قُلْتُ لَهُمْ إِلا مَا أَمَرْتَنِي بِهِ أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ رَبِّي وَرَبَّكُمْ وَكُنْتُ عَلَيْهِمْ شَهِيدًا مَا دُمْتُ فِيهِمْ فَلَمَّا تَوَفَّيْتَنِي كُنْتَ أَنْتَ الرَّقِيبَ عَلَيْهِمْ وَأَنْتَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ * إِنْ تُعَذِّبْهُمْ فَإِنَّهُمْ عِبَادُكَ وَإِنْ تَغْفِرْ لَهُمْ فَإِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ) سورة المائدة.
القرآن ينفي ألوهية المسيح :
لقد عبد النصارى بضلالهم عيسى ابن مريم وجعلوه إلهاً وغلوا فيه غلواً كبيراً فادعوا أنه الرب وأنه المعبود والإله ـ والعياذ بالله ـ وقد اجتهد المسيح عليه السلام في دعوة النصارى الذين غلوا فيه وإثبات أنه عبد لله تعالى وبلغ البلاغ المبين ونحن على ذلك من الشاهدين ، فقد انقسمت الطوائف إلى ثلاث في موقفهم من عيسى عليه السلام ، ف(اليهود) قد كفروا به وعادوه وأرادوا قتله فرفعه الله سبحانه وتعالى إلى السماء ـ كما سيأتي بيانه ـ وغلا فيه (النصارى) وعبدوه واتخذوه إلهاً من دون الله وهذه هي الطائفة الثانية ، واتبعه قلة وهم (الحواريون) الذين نصروه وآزروه وأثنى عليهم القرآن الكريم في عدة آيات .
وقد قال نبينا صلى الله عليه وسلم محذراً من الغلو الذي وقع فيه النصارى : (لا تطروني كما أطرت النصارى ابن مريم فإنما أنا عبد فقولوا عبد الله ورسوله ) رواه البخاري.
وقال الله تعالى : (يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لَا تَغْلُوا فِي دِينِكُمْ وَلَا تَقُولُوا عَلَى اللَّهِ إِلَّا الْحَقَّ إِنَّمَا الْمَسِيحُ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ رَسُولُ اللَّهِ وَكَلِمَتُهُ أَلْقَاهَا إِلَى مَرْيَمَ وَرُوحٌ مِنْهُ فَآَمِنُوا بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ وَلَا تَقُولُوا ثَلَاثَةٌ انْتَهُوا خَيْرًا لَكُمْ إِنَّمَا اللَّهُ إِلَهٌ وَاحِدٌ سُبْحَانَهُ أَنْ يَكُونَ لَهُ وَلَدٌ لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ وَكَفَى بِاللَّهِ وَكِيلاً) سورة المائدة
وقال الله تعالى لَقَدْ كَفَرَ الَّذِينَ قَالُوا إِنَّ اللَّهَ هُوَ الْمَسِيحُ ابْنُ مَرْيَمَ وَقَالَ الْمَسِيحُ يَا بَنِي إِسْرَائِيلَ اعْبُدُوا اللَّهَ رَبِّي وَرَبَّكُمْ إِنَّهُ ُمَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدْ حَرَّمَ اللَّهُ عَلَيْهِ الْجَنَّةَ وَمَأْوَاهُ النَّارُ وَمَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ أَنْصَارٍ) سورة المائدة.
ونواصل ـ بإذن الله ـ في الحلقة القادمة والتي ستكون في بيان معجزاته وقصة رفعه إلى السماء .
قصة المسيح عيسى ابن مريم عليه السلام في القرآن الكريم (2):
د.عارف عوض الركابي
معجزات عيسى عليه السلام :
لقد أيّد الله سبحانه وتعالى رسله بالآيات التي تدل على صدقهم وأنهم مرسلون من عنده جلّ وعلا ،وقد أيد سبحانه وتعالى المسيح عيسى ابن مريم عليه السلام بآيات ومعجزات ؛ وبيّن المسيح عليه السلام أن هذه الآيات من عند الله تعالى ، وليست من عند نفسه ، وهذا ما درج عليه الأنبياء عليهم السلام ، حيث إنهم يستدلون بالمعجزات على صدقهم وصحة أخبارهم عن الله تعالى في دعوتهم ليعبد الله وحده سبحانه وتعالى ولا يشرك به شيئاً.
ومن هذه المعجزات : (كلامه في المهد ) قال الله تعالى : ( فَأَتَتْ بِهِ قَوْمَهَا تَحْمِلُهُ قَالُوا يَا مَرْيَمُ لَقَدْ جِئْتِ شَيْئًا فَرِيًّا . يَا أُخْتَ هَارُونَ مَا كَانَ أَبُوكِ امْرَأَ سَوْءٍ وَمَا كَانَتْ أُمُّكِ بَغِيًّا . فَأَشَارَتْ إِلَيْهِ قَالُوا كَيْفَ نُكَلِّمُ مَنْ كَانَ فِي الْمَهْدِ صَبِيًّا . قَالَ إِنِّي عَبْدُ اللَّهِ آتَانِيَ الْكِتَابَ وَجَعَلَنِي نَبِيًّا . وَجَعَلَنِي مُبَارَكًا أَيْنَ مَا كُنْتُ وَأَوْصَانِي بِالصَّلاةِ وَالزَّكَاةِ مَا دُمْتُ حَيًّا . وَبَرًّا بِوَالِدَتِي وَلَمْ يَجْعَلْنِي جَبَّارًا شَقِيًّا . وَالسَّلامُ عَلَيَّ يَوْمَ وُلِدْتُ وَيَوْمَ أَمُوتُ وَيَوْمَ أُبْعَثُ حَيًّا) سورة مريم.
ومنها : ( إحياؤه الموتى بإذن الله وإبراؤه ذوي العاهات مثل الأكمه والأبرص والأعمى بإذن الله ونفخه في الطين الذي كهيئة الطير فيكون طيراً بإذن الله ) قال الله تعالى عنه : (وَرَسُولا إِلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ أَنِّي قَدْ جِئْتُكُمْ بِآيَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ أَنِّي أَخْلُقُ لَكُمْ مِنَ الطِّينِ كَهَيْئَةِ الطَّيْرِ فَأَنْفُخُ فِيهِ فَيَكُونُ طَيْرًا بِإِذْنِ اللَّهِ وَأُبْرِئُ الأكْمَهَ وَالأبْرَصَ وَأُحْيِي الْمَوْتَى بِإِذْنِ اللَّهِ وَأُنَبِّئُكُمْ بِمَا تَأْكُلُونَ وَمَا تَدَّخِرُونَ فِي بُيُوتِكُمْ إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَةً لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ) سورة آل عمران.
وقال الله تعالى : (إذْ قَالَ اللَّهُ يَا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ اذْكُرْ نِعْمَتِي عَلَيْكَ وَعَلى وَالِدَتِكَ إِذْ أَيَّدْتُكَ بِرُوحِ الْقُدُسِ تُكَلِّمُ النَّاسَ فِي الْمَهْدِ وَكَهْلا وَإِذْ عَلَّمْتُكَ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَالتَّوْرَاةَ وَالإنْجِيلَ وَإِذْ تَخْلُقُ مِنَ الطِّينِ كَهَيْئَةِ الطَّيْرِ بِإِذْنِي فَتَنْفُخُ فِيهَا فَتَكُونُ طَيْرًا بِإِذْنِي وَتُبْرِئُ الأكْمَهَ وَالأبْرَصَ بِإِذْنِي وَإِذْ تُخْرِجُ الْمَوْتَى بِإِذْنِي وَإِذْ كَفَفْتُ بَنِي إِسْرَائِيلَ عَنْكَ إِذْ جِئْتَهُمْ بِالْبَيِّنَاتِ فَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْهُمْ إِنْ هَذَا إِلا سِحْرٌ مُبِينٌ ) سورة المائدة.
ومنها : المائدة التي أنزلها الله عز وجل من السماء ، قال الله تعالى : ( قَالَ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ اللَّهُمَّ رَبَّنَا أَنزلْ عَلَيْنَا مَائِدَةً مِنَ السَّمَاءِ تَكُونُ لَنَا عِيدًا لأوَّلِنَا وَآخِرِنَا وَآيَةً مِنْكَ وَارْزُقْنَا وَأَنْتَ خَيرُ الرَّازِقِينَ . قَالَ اللَّهُ إِنِّي مُنزلُهَا عَلَيْكُمْ فَمَنْ يَكْفُرْ بَعْدُ مِنْكُمْ فَإِنِّي أُعَذِّبُهُ عَذَابًا لا أُعَذِّبُهُ أَحَدًا مِنَ الْعَالَمِينَ )
قال ابن كثير رحمه الله : "هذه قصة المائدة ، وإليها تنسب السورة فيقال: "سورة المائدة". وهي مما امتن الله به على عبده ورسوله عيسى عليه السلام لما أجاب دعاءه بنزولها، فأنزلها الله آية ودلالة معجزة باهرة وحجة قاطعة".
الحواريون يضرب بهم المثل في النصرة وصدق الإيمان :
قال الله تعالى وَإِذْ أَوْحَيْتُ إِلَى الْحَوَارِيِّينَ أَنْ آَمِنُوا بِي وَبِرَسُولِي قَالُوا آَمَنَّا وَاشْهَدْ بِأَنَّنَا مُسْلِمُونَ).سورة المائدة .
إن من فضل الله تعالى ومنته على المسيح عيسى عليه السلام أن جعل له أنصاراً وأصحاباً آمنوا به وصدقوه ونصروه وامتثلوا أمر الله تعالى ، ولذلك فقد مدحهم الله سبحانه وتعالى وأثنى عليهم .
وقال الله تعالى يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا كُونُوا أَنْصَارَ اللَّهِ كَمَا قَالَ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ لِلْحَوَارِيِّينَ مَنْ أَنْصَارِي إِلَى اللَّهِ قَالَ الْحَوَارِيُّونَ نَحْنُ أَنْصَارُ اللَّهِ فَآَمَنَتْ طَائِفَةٌ مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ وَكَفَرَتْ طَائِفَةٌ فَأَيَّدْنَا الَّذِينَ آَمَنُوا عَلَى عَدُوِّهِمْ فَأَصْبَحُوا ظَاهِرِينَ) سورة الصف.
وقال تعالى : (فَلَمَّا أَحَسَّ عِيسَى مِنْهُمُ الْكُفْرَ قَالَ مَنْ أَنْصَارِي إِلَى اللَّهِ قَالَ الْحَوَارِيُّونَ نَحْنُ أَنْصَارُ اللَّهِ آمَنَّا بِاللَّهِ وَاشْهَدْ بِأَنَّا مُسْلِمُونَ)سورة آل عمران.
رفعه عليه السلام ونفي قتله أو صلبه :
قال الله تعالى: (وَمَكَرُوا وَمَكَرَ اللَّهُ وَاللَّهُ خَيْرُ الْمَاكِرِينَ. إِذْ قَالَ اللَّهُ يَا عِيسَى إِنِّي مُتَوَفِّيكَ وَرَافِعُكَ إِلَيَّ وَمُطَهِّرُكَ مِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا وَجَاعِلُ الَّذِينَ اتَّبَعُوكَ فَوْقَ الَّذِينَ كَفَرُوا إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ ثُمَّ إِلَيَّ مَرْجِعُكُمْ فَأَحْكُمُ بَيْنَكُمْ فِيمَا كُنْتُمْ فِيهِ تَخْتَلِفُونَ) سورة آل عمران.
والمراد بالوفاة هنا : النوم ؛ فإن النوم يسمى موتاً ؛ كما قال الله تعالى : (وهو الذي يتوفاكم بالليل)الآية. وقال تعالى: ( الله يتوفى الأنفس حين موتها والتي لم تمت في منامها )الآية.وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول إذا قام من النوم : (الحمد الله الذي أحيانا بعد ما أماتنا وإليه النشور) رواه البخاري ومسلم.
وقال الله تعالى عن اليهود : (فَبِمَا نَقْضِهِمْ مِيثَاقَهُمْ وَكُفْرِهِمْ بِآَيَاتِ اللَّهِ وَقَتْلِهِمُ الْأَنْبِيَاءَ بِغَيْرِ حَقٍّ وَقَوْلِهِمْ قُلُوبُنَا غُلْفٌ بَلْ طَبَعَ اللَّهُ عَلَيْهَا بِكُفْرِهِمْ فَلَا يُؤْمِنُونَ إِلَّا قَلِيلًا. وَبِكُفْرِهِمْ وَقَوْلِهِمْ عَلَى مَرْيَمَ بُهْتَانًا عَظِيمًا . وَقَوْلِهِمْ إِنَّا قَتَلْنَا الْمَسِيحَ عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ رَسُولَ اللَّهِ وَمَا قَتَلُوهُ وَمَا صَلَبُوهُ وَلَكِنْ شُبِّهَ لَهُمْ وَإِنَّ الَّذِينَ اخْتَلَفُوا فِيهِ لَفِي شَكٍّ مِنْهُ مَا لَهُمْ بِهِ مِنْ عِلْمٍ إِلَّا اتِّبَاعَ الظَّنِّ وَمَا قَتَلُوهُ يَقِينًا . بَلْ رَفَعَهُ اللَّهُ إِلَيْهِ وَكَانَ اللَّهُ عَزِيزًا حَكِيمًا . وَإِنْ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ إِلَّا لَيُؤْمِنَنَّ بِهِ قَبْلَ مَوْتِهِ وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ يَكُونُ عَلَيْهِمْ شَهِيدًا) سورة النساء.
روى ابن أبي حاتم والنسائي وابن جرير الطبري وغيرهم عن ابن عباس رضي الله عنهما قال : لما أراد الله أن يرفع عيسى إلى السماء خرج على أصحابه وفي البيت اثنا عشر رجلا من الحواريين يعني فخرج عليهم من عين في البيت ورأسه يقطر ماء فقال : إن منكم من يكفر بي اثنتي عشرة مرة بعد أن آمن بي قال : ثم قال : أيكم يُلْقَى عليه شبهي فيُقْتَل مكاني ويكون معي في درجتي ؟ فقام شاب من أحدثهم سنا . فقال له : اجلس .ثم أعاد عليهم ، فقام ذلك الشاب فقال : اجلس ثم أعاد عليهم فقام الشاب فقال : أنا ، فقال: هو أنت ذاك ، فأُلقي عليه شبه عيسى ورُفِعَ عيسى من روزنة في البيت إلى السماء ، قال : وجاء الطلب من اليهود فأخذوا الشبه فقتلوه ثم صلبوه ، فكفر به بعضهم اثنتي عشرة مرة بعد أن آمن به ، وافترقوا ثلاث فرق فقالت فرقة : كان الله فينا ما شاء ثم صعد إلى السماء وهؤلاء اليعقوبية ، وقالت فرقة : كان فينا ابن الله ما شاء ثم رفعه الله إليه وهؤلاء النسطورية ، وقالت فرقة : كان فينا عبد الله ورسوله ما شاء الله ثم رفعه الله إليه وهؤلاء المسلمون، فتظاهرت الكافرتان على المسلمة فقتلوها فلم يزل الإسلام طامساً حتى بعث الله محمداً صلى الله عليه وسلم .
قال الحافظ ابن كثير رحمه الله في تفسيره :"وهذا إسناد صحيح إلى ابن عباس ورواه النسائي".
فإن الله سبحانه وتعالى قد بيّن في كتابه الكريم ووضّح وجلّى وأظهر حقيقة ما صار للمسيح عيسى ابن مريم عليه السلام من : عدم قتله ونفي صلبه وأنه رفعه إلى السماء ، كما بيّن القرآن الكريم وتواترت السنة النبوية بأنه سينزل عليه السلام في آخر الزمان وأن نزوله من علامات الساعة ـ كما سيأتي بيانه ـ وبيّن القرآن الكريم أن اليهود الذين ادعوا قتل المسيح وصلْبه والنصارى الذين جاروهم بجهلهم في اعتقاد ذلك بيّن القرآن أنهم ليس لهم بذلك من علم ؛ وإنما لديهم الشكوك واتباع الظن. ونحن المسلمون نحمد الله تعالى الذي بيّن لنا ذلك أتم البيان وأوضحه ؛ فنعتقد وندين بما جاء في كتاب الله وسنة رسوله عليه الصلاة والسلام (ومن أصدق من الله قيلاً) (ومن أصدق من الله حديثاً).
وربما يسأل سائلٌ فيقول : إذا كان اليهود يتبجحون ـ بزعمهم الكاذب ـ أنهم قتلوا المسيح عليه السلام بل صلبوه لأنه عدوّهم ؛ والصلب عندهم يستلزم اللعنة !! فماذا يقول النصارى ـ وقد وافقوا اليهود في قولهم بصلب المسيح ـ ماذا يقولون في سبب صلب من يعتقدون أنه الرب أو ابن الرب ؟!!
وللإجابة على هذا السؤال أقول : إن النصارى يوافقون اليهود ويعتقدون أن المسيح مات مصلوباً وتعليلهم لذلك : أنه صُلِب فداءً للبشر لتخليصهم من خطيئة أبيهم آدم عليه السلام التي انتقلت إلى أبنائه بالوراثة !! وهي أكله من الشجرة التي نهي عنها ! فيقول النصارى : إن هذه الخطيئة أغضبت الرب على أبناء آدم ، ومنذ أن وقع آدم في الخطيئة والرب غضبان على بني آدم ! فكان لا بد من وسيط يتحمل هذا الإثم ويرضى بأن يموت على الصليب !! وهذا الوسيط لا بد أن يكون ذا وضع مميز خالٍ من الإثم والخطأ ولا يكون هذا إلا ابن الله ـ الذي هو الله في زعمهم ـ وبعد قتله وصلبه يرضى الله على بني آدم !!
وسيأتي ـ بإذن الله ـ البيان بالتفصيل أن هذه حيلة اخترعها النصارى ليبرروا بها ضلالهم المبين في اعتقادهم بصلب المسيح عليه السلام . فإنهم قد فروا ليواروا أنفسهم عن ضلال كبير ـ وهو اعتقاد الصلب ـ فوقعوا في ضلال أكبر منه ـ وهو كذبة وفرية التخليص والفداء !!
ومما ينبغي أن يعلم جيداً أن التنصير والمنصرين ليس لديهم ما يضللون به الناس ويدعونهم به إلى نصرانيتهم ـ مستغلين الجهل أو الفقر ـ إلا هذا الزعم(وهو فرية الخطيئة ! والمخلص) الذي يعرف بطلانه الواضح بمجرد حكايته.
ونواصل في الحلقة القادمة بإذن الله والتي ستكون في قصة نزول المسيح عليه السلام في آخر الزمان .
قصة المسيح عيسى ابن مريم عليه السلام في القرآن الكريم (3):
د.عارف عوض الركابي
نزول المسيح عيسى عليه السلام إلى الأرض في آخر الزمان :
بعد خروج المسيح الدجال ، وإفساده في الأرض ، يبعث الله عيسى ابن مريم عليه السلام ، فينزل إلى الأرض، ويكون نزوله عند المنارة البيضاء شرقي دمشق ، واضعاً كفيه على أجنحة ملكين ، إذا طأطأ رأسه قطر وإذا رفعه تحدر منه جمان كالؤلؤ ، ويكون نزوله على الطائفة المنصورة التي تقاتل على الحق ، وتكون مجتمعة لقتال الدجال فينزل وقت إقامة إقامة الصلاة ، يصلي خلف أمير تلك الطائفة .
وقضية نزول عيسى ابن مريم ـ عليه السلام ـ في آخر الزمان من القضايا المحسومة في هذه الأمة، وقد أجمع عليها العلماء بناءً على ما ورد في نصوص الكتاب الكريم والسنة النبوية مما يثبت ذلك ، بل إن الأحاديث التي وردت في إثبات ذلك قد بلغت حد التواتر.
ومن أدلة نزوله عليه السلام من القرآن :
1/قوله تعالى : (وَلَمَّا ضُرِبَ ابْنُ مَرْيَمَ مَثَلا إِذَا قَوْمُكَ مِنْهُ يَصِدُّونَ.وَقَالُوا أَآلِهَتُنَا خَيْرٌ أَمْ هُوَ مَا ضَرَبُوهُ لَكَ إِلا جَدَلاً بَلْ هُمْ قَوْمٌ خَصِمُونَ . إِنْ هُوَ إِلا عَبْدٌ أَنْعَمْنَا عَلَيْهِ وَجَعَلْنَاهُ مَثَلا لِبَنِي إِسْرَائِيلَ.وَلَوْ نَشَاءُ لَجَعَلْنَا مِنْكُمْ مَلائِكَةً فِي الأرْضِ يَخْلُفُونَ.وَإِنَّهُ لَعِلْمٌ لِلسَّاعَةِ فَلا تَمْتَرُنَّ بِهَا وَاتَّبِعُونِ هَذَا صِرَاطٌ مُسْتَقِيمٌ) سورة الزخرف.
فهذه الآيات جاءت في الحديث عن عيسى عليه السلام ، وفيها قوله تعالى : (وإنه لَعِلْمٌ للساعة) ، أي أن نزول عيسى عليه السلام قبل يوم القيامة علامة على قرب الساعة ، ويدل على ذلك القراءة الأخرى : (وأنه لَعَلَمٌ للساعة) بفتح العين واللام ؛ أي علامة وأمارة على قيام الساعة ، وهذه القراءة مروية عن ابن عباس ومجاهد وغيرهما من أئمة التفسير.
روى الإمام أحمد بسنده إلى ابن عباس رضي الله عنهما في تفسير هذه الآية : (وَإِنَّهُ لَعِلْمٌ لِلسَّاعَةِ) قال : "هو خروج عيسى ابن مريم عليه السلام قبل يوم القيامة".
وقال الحافظ ابن كثير : " الصحيح أنه ـ أي الضمير ـ عائد على عيسى ؛ فإن السياق في ذكره ".
2/ قوله تعالى : (وَقَوْلِهِمْ إِنَّا قَتَلْنَا الْمَسِيحَ عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ رَسُولَ اللَّهِ وَمَا قَتَلُوهُ وَمَا صَلَبُوهُ وَلَكِنْ شُبِّهَ لَهُمْ وَإِنَّ الَّذِينَ اخْتَلَفُوا فِيهِ لَفِي شَكٍّ مِنْهُ مَا لَهُمْ بِهِ مِنْ عِلْمٍ إِلَّا اتِّبَاعَ الظَّنِّ وَمَا قَتَلُوهُ يَقِينًا . بَلْ رَفَعَهُ اللَّهُ إِلَيْهِ وَكَانَ اللَّهُ عَزِيزًا حَكِيمًا . وَإِنْ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ إِلَّا لَيُؤْمِنَنَّ بِهِ قَبْلَ مَوْتِهِ وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ يَكُونُ عَلَيْهِمْ شَهِيدًا) سورة النساء.
وفي قوله تعالى : (وَإِنْ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ إِلَّا لَيُؤْمِنَنَّ بِهِ قَبْلَ مَوْتِهِ وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ يَكُونُ عَلَيْهِمْ شَهِيدًا) الدلالة على أن من أهل الكتاب من سيؤمن بعيسى عليه السلام آخر الزمان ، وذلك عند نزوله وقبل موته ؛ كما جاءت بذلك الأحاديث المتواترة الصحيحة ـ والتي سيأتي ذكر بعضها ـ
روى ابن جرير الطبري عن الحسن البصري أنه قال : " قبل موت عيسى ، والله إنه الآن حي عند الله ، ولكن إذا نزل آمنوا به جميعاً "
وقال ابن كثير بعد نقله لقول ابن جرير:"ولا شك أن هذا الذي قاله ابن جرير هو الصحيح ؛ لأنه المقصود من سياق الآي في تقرير بطلان ما ادعته اليهود من قتل عيسى وصلبه وتسليم من سلم لهم من النصارى الجهلة ذلك ، فأخبر الله أنه لم يكن الأمر كذلك ، وإنما شبه لهم فقتلوا الشبيه وهم لا يتبينون ذلك ، ثم إنه رفع إليه ، وإنه باقٍ حي ، وإنه سينزل قبل يوم القيامة ، كما دلت على ذلك الأحاديث المتواترة ".
ومن أدلة نزوله عليه السلام من السنة النبوية :
1/ عن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ، لَيُوشِكَنَّ أَنْ يَنْزِلَ فِيكُمُ ابْنُ مَرْيَمَ حَكَمًا عَدْلاً، فَيَكْسِرَ الصَّلِيبَ، وَيَقْتُلَ الْخِنْزِيرَ، وَيَضَعَ الْجِزْيَةَ، وَيَفِيضَ الْمَالُ حَتَّى لاَ يَقْبَلَهُ أَحَدٌ، حَتَّى تَكُونَ السَّجْدَةُ الْوَاحِدَةُ خَيْرًا مِنَ الدُّنْيَا وَمَا فِيهَا» ثم قال أبو هريرة: "وَاقْرَءُوا إِنْ شِئْتُمْ : وَإِنْ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ إِلَّا لَيُؤْمِنَنَّ بِهِ قَبْلَ مَوْتِهِ وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ يَكُونُ عَلَيْهِمْ شَهِيدًا" رواه البخاري ومسلم .
2/ وروى البخاري ومسلم أيضاً أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : (كَيْفَ أَنْتُمْ إِذَا نَزَلَ ابْنُ مَرْيَمَ فِيكُمْ وَإِمَامُكُمْ مِنْكُمْ ) .
3/ وعن جَابِرَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ رضي الله عنهما قال: سَمِعْتُ النَّبِىَّ - صلى الله عليه وسلم- يَقُولُ : ( لاَ تَزَالُ طَائِفَةٌ مِنْ أُمَّتِى يُقَاتِلُونَ عَلَى الْحَقِّ ظَاهِرِينَ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ - قَالَ - فَيَنْزِلُ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ - صلى الله عليه وسلم- فَيَقُولُ أَمِيرُهُمْ تَعَالَ صَلِّ لَنَا. فَيَقُولُ لاَ. إِنَّ بَعْضَكُمْ عَلَى بَعْضٍ أُمَرَاءُ. تَكْرِمَةَ اللَّهِ هَذِهِ الأُمَّةَ ).رواه مسلم.
4/ وقال عليه الصلاة والسلام : (الأَنْبِيَاءُ إِخْوَةٌ لِعَلاَّتٍ أُمَّهَاتُهُمْ شَتَّى وَدِينُهُمْ وَاحِدٌ وَأَنَا أَوْلَى النَّاسِ بِعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ لأَنَّهُ لَمْ يَكُنْ بَيْنِى وَبَيْنَهُ نَبِىٌّ وَإِنَّهُ نَازِلٌ فَإِذَا رَأَيْتُمُوهُ فَاعْرِفُوهُ) رواه الإمام أحمد وغيره.
إن طريقة الصحابة والتابعين ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين اتباع ما دلت عليه النصوص الشرعية وتصديق خبر الرسول الصادق المصدوق عليه الصلاة والسلام ، وهذا من مقتضى شهادة أنه رسول الله فإنها تقتضي : (طاعته فيما أمر وتصديقه فيما أخبر والانتهاء عما نهى عنه وزجر وألا يعبد الله إلا بما شرع) ،، وقد سُطِّرت عبارات لأهل العلم والإيمان من هذه الأمة عبر القرون الماضية في شأن نزول المسيح عليه السلام في آخر الزمان وهي كثيرة جداً ، أضع بين يدي أخوتي وأخواتي القراء الكرام منها ما يلي :
قال الإمام أحمد بن حنبل: "أصول السنة عندنا : التمسك بما كان عليه أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ، والاقتداء بهم ،وترك البدع ، وكل بدعة فهي ضلالة".ثم ذكر جملة من عقيدة أهل السنة،ثم قال : " والإيمان أن المسيح الدَّجَّال مكتوب بين عينيه (كافر)، والأحاديث التي جاءت فيه، والإيمان بأن ذلك كائن، وأن عيسى ينزل فيقتله بباب لُد".
وقال أبو جعفر الطحاوي الحنفي : "ونؤمن بأشراط الساعة؛ من خروج الدَّجَّال ،ونزول عيسى بن مريم عليه السلام من السماء".
وقال القاضي عياض المالكي: "نزول عيسى وقتله الدَّجَّال حقُّ وصحيح عند أهل السنة للأحاديث الصحيحة في ذلك ، وليس في العقل ولا في الشرع ما يبطله فوجب إثباته".
وقال ابن كثيرالشافعي:"تواترت الأحاديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم بنزول عيسى ـ عليه السلام ـ قبل يوم القيامة إماماً عادلاً وحكماً مقسطاً". ثم ذكر أكثر من ثمانية عشر حديثاً في نزوله.
وقال السفاريني الحنبلي :"قد أجمعت الأمة على نزول عيسى بن مريم ـ عليه السلام ـ ولم يخالف فيه أحد من أهل الشريعة، وإنما أنكر ذلك الفلاسفة والملاحدة ممن لا يعتد بخلافهم، وقد انعقد إجماع الأمة على أنه ينزل ويحكم بهذه الشريعة".
وقال الشوكاني في كتابه (التوضيح في تواتر ما جاء في المنتظر والدجال والمسيح): "فتقرر أن الأحاديث الواردة في المهدي المنتظر متواترة، والأحاديث الواردة في الدجال متواترة، والأحاديث الواردة في نزول عيسى بن مريم متواترة".
وقال الشيخ أحمد محمد شاكر: "وقد لعب المجددون أو المجردون في عصرنا الذي نحيا فيه بهذه الأحاديث الدالة صراحة على نزول عيسى بن مريم ـ عليه السلام ـ في آخر الزمان قبل انقضاء الحياة الدنيا تأويل منطوٍ على الإنكار تارة، وبالإنكار الصريح أخرى، ذلك أنهم في حقيقة أمرهم لا يؤمنون بالغيب أو لا يكادون يؤمنون وهي أحاديث متواترة المعنى في مجموعها يُعلم مضمونها فيها من الدين بالضرورة فلا يجديهم الإنكار ولا التأويل".
لقد حكى هؤلاء العلماء الأجلاء وغيرهم من أهل العلم ـ قديماً وحديثاً ـ إجماع الأمة على نزول عيسى بن مريم ـ عليه السلام ـ في آخر الزمان وجمع العلماء هذه الأحاديث ، وأُلفت في ذلك المؤلفات الكثيرة،ومن هذه الكتب: كتاب (التصريح بما تواتر في نزول المسيح) للشيخ محمد أنور شاه الكشميري الهندي، وقد جمع خمسة وسبعين حديثاً وردت في إثبات نزول عيسى بن مريم ـ عليه السلام ـ في آخر الزمان.
فيجب على كل مسلم ومسلمة الإيمان بذلك ، ولا يُلْتَفت إلى من يشوش عليهم في ذلك من العاملين بقاعدة :"خالف لتذكر" ، الذين ينكرون ما دلت عليه نصوص الكتاب والسنة بأهوائهم وأفكارهم الخربة المتناقضة ، والتي باتت مكشوفة لدى الجهال والصغار قبل العلماء والكبار ، كفى الله البلاد والعباد شرهم وشررهم وشرههم وهرشهم...
وفي استنباط الحِكمة من نزول المسيح عليه السلام قال الحافظ ابن حجر العسقلاني:"قَالَ الْعُلَمَاء : الْحِكْمَة فِي نُزُول عِيسَى دُون غَيْره مِنْ الْأَنْبِيَاء الرَّدّ عَلَى الْيَهُود فِي زَعْمهمْ أَنَّهُمْ قَتَلُوهُ ، فَبَيَّنَ اللَّه تَعَالَى كَذِبهمْ وَأَنَّهُ الَّذِي يَقْتُلهُمْ ، أَوْ نُزُوله لِدُنُوِّ أَجَله لِيُدْفَن فِي الْأَرْض ، إِذْ لَيْسَ لِمَخْلُوقٍ مِنْ التُّرَاب أَنْ يَمُوت فِي غَيْرهَا . وَقِيلَ : إِنَّهُ دَعَا اللَّه لَمَّا رَأَى صِفَة مُحَمَّد وَأُمَّته أَنْ يَجْعَلهُ مِنْهُمْ فَاسْتَجَابَ اللَّه دُعَاءَهُ وَأَبْقَاهُ حَتَّى يَنْزِل فِي آخِر الزَّمَان مُجَدِّدًا لِأَمْرِ الْإِسْلَام ، فَيُوَافِق خُرُوج الدَّجَّال ، فَيَقْتُلهُ "ويضاف إلى ذلك : أنه ينزل مكذباً النصارى ، فيظهر زيفهم في دعواهم الأباطيل ، ويهلك الله الملل كلها في زمنه إلا الإسلام ، فإنه يكسر الصليب ويقتل الخنزير ويضع الجزية ...
وقبل أن أختم هذه الحلقة فإني أقول : إن مما ثبت أيضاً في الأحاديث الصحيحة أن المسيح عيسى عليه السلام : سيحكم بالشريعة الإسلامية ، فإنه مجددٌٌ لأمر الإسلام تابع للنبي عليه الصلاة والسلام ، إذ لا نبي بعد نبينا محمد عليه الصلاة والسلام وقد تقدم ذكر الحديث : (كَيْفَ أَنْتُمْ إِذَا نَزَلَ ابْنُ مَرْيَمَ فِيكُمْ وَإِمَامُكُمْ مِنْكُمْ ).وقول المسيح .. تكرمة الله هذه الأمة).
وأنه: يصلي كما تقدم في الحديث ، وأنه : يحج ، لما روى مسلم أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : ( والذي نفسي بيده؛ ليُهِلَّنَّ ابن مريم بفجِّ الرَّوحاء حاجاً أو معتمراً , أو ليثنيهما ) ؛ أي يجمع : بين الحج والعمرة ، وفج الروحاء : مكان بين مكة والمدينة سلكه النبي صلى الله عليه وسلم إلى بدر وإلى مكة عام الفتح وفي حجة الوداع.
وأما مدة بقاء عيسى عليه السلام في الأرض بعد نزوله ؛ فقد جاء في بعض الروايات أنه يمكث سبع سنين , وفي بعضها أربعين سنة .ففي رواية الإمام مسلم قوله عليه الصلاة والسلام : ( فيبعث الله عيسى بن مريم . . . ثم يمكث الناس سبع سنين ليس بين اثنين عداوة , ثم يرسل الله ريحاً باردةً من قبل الشام فلا يبقى على وجه الأرض أحد في قلبه مثقال ذرة من خير أو إيمان إلا قبضه)
وفي رواية الإمام أحمد وأبي داود: فيمكث في الأرض أربعين سنة ثم يتوفى , ويصلي عليه المسلمون) .
وكلا هاتين الروايتين صحيحة , وقد نقل الشيخ يوسف الوابل قول من جمع بين الروايتين بقوله : "إلا أن تحمل رواية السبع سنين على مدة إقامته بعد نزوله , ويكون مضافاً على مكثه في الأرض قبل رفعه إلى السماء وكان عمره إذ ذاك ثلاثاً وثلاثين سنة على المشهور).
ونواصل في الحلقة القادمة بإذن الله والتي ستكون في بيان ونقض عقيدة الصلب والفداء عند النصارى.
قصة المسيح عيسى ابن مريم عليه السلام في القرآن الكريم (4):
د.عارف عوض الركابي
نقض عقيدة الصلب والفداء لدى النصارى
في الحلقة الثانية من هذه الحلقات بينت بالأدلة رفع المسيح عيسى ابن مريم عليه السلام إلى السماء ونفي ما اعتقده اليهود والنصارى من قتله وصلبه ، وتقدم بيان أن النصارى أرادوا أن يوجدوا لهم مخرجاً مناسباً من اعتقادهم بصلب المسيح فاخترعوا فرية الفداء!! وهذه الحلقة أردت بها: نقض ما يعتقده النصارى من الصلب والفداء بشيءٍ من الاختصار يقتضيه طبيعة هذه المقالات .
ولابد من تأكيد حقيقة مهمة وهي : أن الديانة النصرانية كلها تقوم على مسألة الصلب ، وأن الدعوة إلى النصرانية تقوم عليها ، إذ ليس في النصرانية أي عامل جذب يمكن أن يجذب به الناس إليها ، وليس فيها ما يمكن أن يتحدث فيه ويقدم للناس سوى هذه القضية التي يركزون عليها تركيزاً شديداً ، وهي مسألة : الصلب والفداء، وذلك بإيحائهم للناس أنهم هالكون مردودة عليهم أعمالهم مغضوب عليهم منذ ولادتهم وقبل أن يولدوا ، مما يجعل الإنسان الجاهل بحقيقة الأمر يحس بثقل عظيم على كاهله من تلك الرزية والخطيئة التي لم يكن له دور فيها، ثم إنهم بعد أن يوقعوا الإنسان فريسة الشعور بالذنب والخطيئة ، وتأنيب الضمير، والخوف من الهلكة ، يفتحوا له باب الرجاء بالمسيح المصلوب ، فيزينوا له ذلك العمل العظيم الذي قام به المسيح لأجل الناس ويدعونه إلى الإيمان به ، فإذا كان ممن لم يتنور عقله بنور الهداية الربانية ونور الإسلام يجد أن هذه هي الفرصة العظيمة التي يتخلص بها ، وما علم المسكين أن الأمر كله دعوى كاذبة وخطة خبيثة للإيقاع به وبأمثاله.
إن أناجيل النصارى المحرّفة قد اختلفت اختلافاً كثيراً وتباينت في ذكر قضية الصلب المزعوم وتفاصيله ، وذلك فيما ذكر فيها مثل وقت الحكم على المسيح والصلب وكيفيته ووقته وتلاميذ المسيح وغير ذلك ، وقد دونت هذه الاختلافات وهي مجموعة في مباحث في الكتب المتخصصة في ذلك ، ولا تكاد جزئية من أجزاء هذا الحدث إلا وقد اختلفت عليها الأناجيل ، خاصة إنجيل "يوحنا" مقارنة بإنجيل "لوقا ومرقص ومتى".بل العجيب أن بعض النصوص في كتب النصارى تنفي زعم الصلب كما في رسالة بولس إلى العبرانيين من أن المسيح عليه السلام تقدم إلى الله بتضرعات ودموع أن يخلصه من الموت ، وأن الله سبحانه استجاب لدعائه من أجل تقواه.
والنصارى في شك من أمرهم ولم يكونوا على بينة ، وقد سبق ذكر قول الله تعالى : (وما قتلوه وما صلبوه ولكن شبه لهم وإن الذين اختلفوا فيه لفي شك منه ما لهم به من علم إلا اتباع الظن وما قتلوه يقيناً بل رفعه الله إليه وكان الله عزيزاً حكيماً).
وأما قضية الفداء التي تم اختراعها من قِبَل النصارى لنفي السُبّة والعار التي يترتب على زعمهم واعتقادهم بصلب المسيح ، وإن هذه القضية مما يكفي في نقضها : أن جميع النصوص التي يذكرها النصارى في الدلالة على أن الصلب وقع فداءً للبشر ليس فيها نص واحد يعيّن الخطيئة التي يزعمون أن الفداء كان لأجلها ، وهي خطيئة أبينا آدم التي انتقلت في زعم النصارى إلى أبنائه بالوراثة!!! وكون جميع النصوص لم تحدد هذه الخطيئة فإن هذا مما يؤكد بجلاء أن قضية الفداء من مخترعات النصارى المتأخرين.
ولتوضيح فساد اعتقاد النصارى وضلالهم في زعمهم الصلب والفداء فإني أسوق النقاط التالية :
1/إن آدم عليه السلام الذي يزعم النصارى أن الصلب والفداء كان لأجل خطيئته قد تاب من خطيئته بقوله عز وجل: ( ثم اجتباه ربه فتاب عليه وهدى ) سورة طـه ، فما الذي يُكَفّر بصلب المسيح؟؟!!.
وقد قبل الله توبته كما أنه عوقب بإخراجه من الجنة وتأثر أبناؤه بالعقوبة , وإن لم يكونوا مقصودين بها .
وقد أورد اليهود في كتابهم المحرف أن الله قال لآدم : ( لأنك يوم تأكل من الشجرة موتاً تموت ) "سفر التكوين"
وقد وقع هذا لآدم بعد الأكل من الشجرة بإخراجه وزوجته من الجنة إلى الأرض ثم موتهما فيها, فقد عوقبا بذلك , كما ينص اليهود على إخراجهما من الجنة إلى الأرض التي فيها الكد والتعب .
فمن أين أتى النصارى بفرية خطيئة آدم , وأحيوها هذا الإحياء وألبسوها هذا اللبوس؟؟!! .
2)إن ما وقع من آدم عليه السلام هو أكله من الشجرة بإغواء الشيطان له وهذا ذنب منه في حق الله الذي نهاه عن الأكل منها فالذنب بهذا لم يكن يلزم لتكفيره أن ينزل الرب ليصلب على الصليب,بعد أن يهان ويذل من أجل أن يرضي نفسه , بل الأمر يكفي فيه قبول التوبة ومغفرة الذنب فقط , وهذا الذي وقع كما نص على ذلك القران الكريم .
3) إن ما وقع من آدم عليه السلام يعتبر يسيراً بالنسبة لما فعله كثير من أبنائه من سب الله عز وجل والاستهزاء به وعبادة غيره جل وعلا, والإفساد في الأرض بالقتل , ونشر الفساد والفتن , وقتل أنبيائه ومحاربة أوليائه إلى غير ذلك ... فهذا أعظم بكثير من خطيئة آدم عليه السلام .
فعلى كلام النصارى : أن الله لابد أن ينزل كل وقت ليصلب حتى يجمع بين عدله ورحمته في زعمهم !!!!!!.
4) إن صلب المسيح ـ الذي هو الله في زعمهم تعالى الله عن قولهم ـ قد تم بلا فائدة تذكر, وذلك لأن خطيئة آدم ليست على بال بنيه ولا تقض مضاجعهم ، إنما الذي يقلق الإنسان ويخيفه : ذنوبه وجرائمه وهذه لا تدخل في كفارة المسيح في زعمهم .
5) إن الأنبياء السابقين ليس فيهم من ذَكَرَ خطيئة آدم وسأل الله أن يغفرها له مما يدل على أنها من مخترعات النصارى .
6)إن الأنبياء السابقين والدعاة والصالحين قبل المسيح ـ بناء على اعتقاد النصارى هذا ـ كانوا يدعون إلى ضلالة وقد أخطأوا الطريق إذ لم يرشدوا الناس إلى حقيقة تلك الخطيئة ويوعوهم بخطورتها كما يفهمها النصارى !!!.
7) إن الأنبياء السابقين وعباد الله الصالحين كلهم هالكون إذ لم تكفر عنهم تلك الخطيئة , لأنه لا يتم تكفيرها إلا عن طريق المسيح المصلوب في زعم النصارى .
إن بين آدم وعيسى عليهما السلام زمناً طويلاً , فمعنى ذلك أن الله بقي متحيراً كل هذه المدة إلى أن اهتدى إلى الوسيلة التي يعقد المصالحة فيها بين الناس ونفسه !!! ـ تعالى الله عن ذلك علواً كبيراًـ.
9) إن الخطيئة وقعت من آدم عليه السلام فلا تنتقل إلى أبنائه ولا يستحقون هم العقوبة عليها ,لأنه لا أحد يعاقب بذنب غيره بل هذا ينافي قواعد العدل ، وقد نص الله عز وجل على هذا في القران الكريم بقوله : ( ألا تزر وازرة وزر أخرى) سورة النجم . وكذلك ورد في التوراة المحرفة : (لا يقتل الآباء عن الأولاد ولا يقتل الأولاد عن الآباء كل إنسان بخطيئته يقتل ) سفر التثنية.
10)هل من العدل أن يعاقب غير المذنب؟! والمسيح في زعم النصارى ابن الله !! فهو ليس من جنس بني آدم فكيف يعاقب بدلاً عن آدم وذريته ـ وهم بشر ـ؟؟!! ودعواهم أنه تقمص الجسد البشري لا يزيل هذه الحقيقة لأنه ليس من جنس البشر حسب كلامهم .
11) أن المسيح في زعم النصارى ابن الله !! فأين الرحمة التي جعلت الله في زعمهم يشفق على عبيده وخلقه ويترك ابنه للعذاب والبلاء والإهانة واللعن والموتة الشنيعة ؟!!!!
12) في زعم النصارى أن المسيح هو ابن الله وهو الله وأن المصلوب المهان الملعون – تعالى الله عن قولهم وتقدس – هو الله جل جلاله وتقدست أسماؤه فهل يوجد كفر أعظم من هذا وافتراء على الله أكبر من هذا؟؟!! (سيجزيهم وصفهم إنه حكيم عليم ) سورة الأنعام.
13) هل يليق أو يعقل أن ينزل الله جل جلاله وتقدست أسماؤه من عليائه وعرشه ويسمح لأبغض أعدائه إليه وهم اليهود قتلة ألأنبياء , والرومان أن يهينوه ويعذبوه ويصلبوه؟!! ثم هو يفعل هذا لماذا ؟!! لأجل أن يرضي نفسه؟! لأجل عبيده؟! لأجل من؟!!
هذا مما لا يمكن أن يقال ويقبل بحال من الأحوال , بل يجب أن يستعاذ بالله من الشيطان الرجيم عند مرور مثل هذا الخاطر والوسواس ، ويقال : سبحانك هذا بهتان عظيم!!!
14) حسب عقيدة الفداء لدى النصارى يكون أعظم الناس براً وفضلاً على النصارى خصوصاً والبشرية عموماً : اليهود والرومان والواشي بالمسيح , لأنهم هم الذين تحقق على أيديهم في زعم النصارى الهدف الأسمى الذي جاء من أجله المسيح "المخلّص" وهو الموت على الصليب !!!!!!.
15) إن جميع تحركات المسيح ودعوته وفق اعتقاد النصارى في الصلب والفداء لم تكن إلا تمثيلاً أحسن المسيح أداء الدور فيه!!! مما جعل اليهود يغضبون عليه , فيعلقونه على الصليب .
16) بناءً على دعوى النصارى في أن المسيح فدى البشر بدمه , فمعنى ذلك أنه لا حاجة إلى الإيمان به واعتقاد صلبه وألوهيته وما إلى ذلك ، لأن الخطيئة قد ارتفعت عن جميع البشر ببذله نفسه , مثل من كان عليه ديْنٌ فجاء أحد من الناس فقضى ذلك الدين عنه , فإن المطالبة تسقط عنه بمجرد القضاء وهذا ما لا يقول به النصارى مخالفين في ذلك دليل العقل .
17) إن دعوى النصارى بأن الصلب وقع في الجسد البشري الذي حمل الخطيئة وأن هذا الجسد مات . دعوى تنقضها وتبطلها قصة قيامة المسيح عندهم !!!, فلو كان تجسد لأجل الخطيئة فالواجب أن يفني ذلك الجسد بعد حلول العقوبة عليه.
18) إن دعوى أن المسيح قام من قبره ولمسوه وتأكدوا منه , ثم ارتفع إلى السماء تنقض دعوى أنه ابن الله وأنه تجسد بالصورة البشرية لأن الدورالذي تجسد من أجله قد أداه وانتهى , ثم إن الجسد البشري لا حاجة إليه حيث يذهب المسيح في زعمهم عن يمين أبيه!! وهذا من أوضح القضايا لو كانوا يعقلون .
والنقاط السابقة توجه لقول المتأخرين من النصارى الذين حددوا الخطيئة وهي بزعمهم : أكل آدم من الشجرة ، أما على كلام المتقدمين من النصارى الذي لم يحددوا الخطيئة فإننا نقول لهم :
إن المراد من كون المسيح كفارة للخطايا أحد أمرين:
أحدهما: تكفير لخطايا الناس التي اقترفوها في الماضي , أو التي سيقترفونها في المستقبل, وكلاهما باطل.
أما الخطايا الماضية فلا تستحق هذا الفداء الإلـهي في زعمهم , وقد كان يتم تكفيرها بالتوبة والقربان لدى اليهود قبلهم وكان كافياً.
أما الخطايا الماضية المستقبلية فلا يستطيع النصارى أن يزعموا أن صلب المسيح مكفر لها لأن ذلك يعني إباحتها, وعدم ترتب العقوبة على ذنب من الذنوب مهما عظم , وفي هذا إبطال لدعوة المسيح ودعوة الحواريين وبولس إلى تنقية النفس من الآثام والخطايا وفتح للإباحية والفجور والكفر!!!!! .
مع العلم أن تكفير الخطايا إذا أطلق لا يراد به سوى ما وقع فيه الإنسان من الآثام وهي الخطايا الماضية، إذ التكفير من كفر أي : ستر وغطى ولا يكون ذلك إلا فيما وقع وحدث.
بعد هذا كله من حق الإنسان أن يتساءل : هل النصارى على درجة كبيرة من الذكاء والخبث الشيطاني الذي جعلهم يغلفون بغضهم لله عز وجل وبغضهم للمسيح عليه السلام بهذه الدعاوى الكاذبة التي يظهرونها ويصرون على التمسك بها بدون أدنى
مواضيع مماثلة
» مكانة الصحابة رضى الله عنهم فى القرآن و السنة وعند أهل البيت و الأمة الإسلامية تأليف المحدث ربيع بن هادى المدخلى
» مقدمة الطبعة الأولى و الثانية لكتاب الدكتور عبد الحى يوسف فى الميزان حقائق و وثائق تأليف أبو ربيع إسماعيل خيرى
» المقالات السلفية فى الدفاع عن المملكة العربية السعودية تأليف أبو ربيع إسماعيل خيرى الجزء الأول تقديم الدكتور محمد عبد الغفار الأستاذ بجامعة الخرطوم
» المقالات السلفية فى الدفاع عن المملكة العربية السعودية تأليف أبو ربيع إسماعيل خيرى الجزء الثانى تقديم الدكتور محمد عبد الغفار الأستاذ بجامعة الخرطوم
» الدكتور عبد الحى يوسف فى الميزان حقائق و وثائق
» مقدمة الطبعة الأولى و الثانية لكتاب الدكتور عبد الحى يوسف فى الميزان حقائق و وثائق تأليف أبو ربيع إسماعيل خيرى
» المقالات السلفية فى الدفاع عن المملكة العربية السعودية تأليف أبو ربيع إسماعيل خيرى الجزء الأول تقديم الدكتور محمد عبد الغفار الأستاذ بجامعة الخرطوم
» المقالات السلفية فى الدفاع عن المملكة العربية السعودية تأليف أبو ربيع إسماعيل خيرى الجزء الثانى تقديم الدكتور محمد عبد الغفار الأستاذ بجامعة الخرطوم
» الدكتور عبد الحى يوسف فى الميزان حقائق و وثائق
صفحة 1 من اصل 1
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى