الجزء الثالث : من أعلام المجددين الإمام أحمد بن حنبل و شيخ الإسلام بن تيمية و شيخ الإسلام محمد بن عبد الوهاب تأليف العلامة صالح الفوزان نقلا عن شبكة البيضاء
صفحة 1 من اصل 1
الجزء الثالث : من أعلام المجددين الإمام أحمد بن حنبل و شيخ الإسلام بن تيمية و شيخ الإسلام محمد بن عبد الوهاب تأليف العلامة صالح الفوزان نقلا عن شبكة البيضاء
3-شيخ الإسلام محمد بن عبد الوهاب نبذة عن حياته وجهاده وثمرات دعوته ورد الشبهات التي أثيرت حول دعوته
التعريف بشيخ الإسلام محمد بن عبد الوهاب رحمه الله:
هو الشيخ محمد بن عبد الوهاب بن سليمان بن علي بن محمد ابن أحمد بن راشد بن بريد بن مشرف النجدي التميمي، ولد سنة 1115هـ، ونشأ في بيت علم. فوالده من علماء البلاد، وتولى القضاء في عدة جهات، وجده الشيخ سليمان كان عالماً جليلاً وإماماً في الفقه وهو المفتي في البلاد في وقته، وقد تخرج على يديه عدد كثير من العلماء وطلبة العلم. وعمه الشيخ إبراهيم بن سليمان، كان من أجلة العلماء، فنشأ الشيخ محمد في هذا الجو العلمي، وكان حاد الذهب متوقد الذكاء سريع الحفظ، حفظ القرآن الكريم قبل سن العاشرة، ودرس على والده كتب الفقه الحنبلي. وكان كثير المطالعة والقراءة للكتب إلى جانب قراءته على والده، فقرأ في كتب التفسير والحديث والأصول، وعني عناية خاصة بكتب شيخ الإسلام ابن تيمية وكتب العلامة ابن القيم، وكان لكتب هذين الإمامين أكبر الأثر في تكوين شخصيته العلمية المتميزة، والأخذ بيده إلى مصادر العلم الصحيحة، فتكون لديه الاتجاه السليم منذ صغره وتركزت في قلبه العقيدة الصحيحة، وتخرج على كتب هذين الإمامين المحققين.
رحلاته:
ولما استوعب ما يدرس في بلدته من علوم الفقه والعربية والحديث والتفسير، تطلع إلى الزيادة وعزم على الرحلة إلى علماء البلاد المجاورة للاستفادة من علومهم فرحل إلى البصرة وإلى الإحساء، وإلى مكة والمدينة والتقى بعلماء تلك البلدان وأخذ عنهم واستحصل على الكتب والمراجع، ولنترك المجال لحفيده الشيخ عبد الرحمن بن حسن ليحدثنا عن تلك الرحلات المباركة.
قال إنه نشأ في طلب العلم وتخرج على أهله في سن الصبا. ثم رحل لطلب العلم إلى البصرة مراراً وللأحساء ثم إلى المدينة، ثم قال في تفصيل ذلك:
فظهر شيخنا بين أبيه وعمه، فحفظ القرآن وهو صغير، وقرأ في فنون العلم وصار له فهم قوي وهمة عالية في طلب العلم. فصار يناظر أباه وعمه في بعض المسائل بالدليل على بعض الروايات عن الإمام أحمد والوجوه عن الأصحاب. فتخرج عليهما في الفقه وناظرهما في مسائل قرأها في الشرح الكبير والمغني والإنصاف لما فيها من مخالف ما في متن المنتهى، والإقناع –وعلت همته إلى طلب التفسير والحديث.
فسافر إلى البصرة غير مرة كل مرة يقيم بين من كان بها من العلماء، فأظهر الله له من أصول الدين ما خفي على غيره. وكذلك ما كان عليه أهل السنة في توحيد الأسماء والصفات والإيمان –إلى أن قال: فصنف في البصرة كتاب التوحيد الذي شهد له بفضله بتصنيفه القريب والبعيد، أخذه من الكتب التي في مدارس البصرة من كتب الحديث –إلى أن قال: ثم إن شيخنا رحمه الله تعالى بعد رحلته إلى البصرة وتحصيل ما حصل بنجد رحل إلى الأحساء وفيها فحول العلماء منهم عبد الله بن فيروز أبو محمد الكفيف، ووجد عنده من كتب شيخ الإسلام ابن تيمية وابن القيم ما سر به، وأثنى على عبد الله هذا بمعرفته بعقيدة الإمام أحمد، وحضر مشائخ الأحساء، ومن أعظمهم عبد الله بن عبد اللطيف القاضي فطلب منه أن يحضر الأول من فتح الباري على البخاري ويبين له ما غلظ فيه الحافظ في مسألة الإيمان وبين أن الأشاعرة خالفوا ما صدر به البخاري كتابه من الأحاديث والآثار، وبحث معهم في مسائل وناظر، وهذا أمر مشهور يعرفه أهل
الأحساء وغيرهم من أهل نجد –إلى أن قال: ثم إن شيخنا رحمه الله تعالى، قد تبين له بما فتح الله تعالى عليه ضلال من ضل باتخاذ الأنداد وعبادتها من دون الله في كل قطر وقرية إلا من شاء الله، فلما قضى الحج وقف في الملتزم وسأل الله تعالى أن يظهر هذا الدين بدعوته وأن يرزقه القبول من الناس، فخرج قاصداً المدينة مع الحاج يريد الشام، فعرض له بعض سراق الحجيج فضربوه وسلبوه وأخذوا ما معه وشجوا رأسه وعاقه ذلك عن سيره مع الحجاج، فقدم المدينة بعد أن خرج الحاج منها فأقام بها وحضر عند العلماء إذ ذاك منهم الشيخ محمد حياة السندي وأخذ عنه كتب الحديث إجازة في جميعها، وقراءة لبعضها، ووجد فيها بعض الحنابلة1 فكتب كتاب الهدى لابن القيم بيده وكتب متن البخاري وحضر في النحو وحفظ ألفية ابن مالك.
حدثني بذلك حماد بن حمد عنه رحمهما الله، ثم رجع إلى نجد وهم على الحالة التي لا يحبها الله –انتهى المقصود2.
فأنت ترى أيها القارئ من هذا السياق قوة الأسباب التي بذلها الشيخ لتحصيل العلم: كثرة الحفظ وكثرة القراءة والاطلاع وكثرة الرحلات في طلب العلم للتلقي عن العلماء مع شدة الذكاء والنية الصالحة –إن هذه الأسباب مع توفيق الله تعالى كفيلة بتوفر التحصيل وهذا ما حصل.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 منهم الشيخ عبد الله بن إبراهيم بن سيف وابنه.
2 الدرر السنية 9/215-216.
حالة المسلمين عند ظهور دعوة الشيخ محمد بن عبد الوهاب:
لقد ذكر المؤرخون كابن غنام وابن بشر، وغيرهما عن حالة أهل نجد خصوصاً –والعالم الإسلامي عموماً- الشيء الكثير من ظهور البدع والخرافات والشركيات والجهل بحقيقة الدين الصحيح. ففي نجد كانت القبور والأشجار والأحجار والمغارات تعبد من دون الله بأنواع من القربات، وفي الحجاز واليمن وغيرها من البلاد في ذلك الشيء الكثير، يقول العلامة محمد بن إسماعيل الصنعاني في قصيدة له يصف المظاهر الشركية في البلاد الإسلامية وهو معاصر للشيخ محمد، وقد وصف ما يفعل ويمارس حول القبور من الشرك الأكبر ويثني على دعوة الشيخ:
وقد جاءت الأخبار عنه بأنه يعيد لنا الشرع الشريف بما يبدي
وينشر جهرا ما طوى كل جاهل ومبتدع منه فوافق ما عندي
ويعمر أركان الشريعة هادما مشاهد ضل الناس فيها عن الرشد
أعادوا بها معنى سواع ومثله يغوث وود بئس ذلك من ود
وقد هتفوا عند الشدائد باسمها كما يهتف المضطر بالصمد الفرد
وكم عقروا في سوحها من عقيرة أهلت لغير الله جهرا على عمد
وكم طائف حول القبور مقبل ومستلم الأركان منهن باليد
ويقول الإمام الشوكاني وهو من المعاصرين لدعوة الشيخ أيضاً –يقول في وصف ما يفعل عند القبور من الشرك: وكم قد سرى عند تشييد أبنية القبور وتحسينها من مفاسد يبكي لها الإسلام. منها اعتقاد الجهلة لها كاعتقاد الكفار للأصنام، وعظم ذلك فظنوا أنها قادرة على جلب النفع ودفع الضرر، فجعلوها مقصداً لطلب قضاء الحوائج وملجأ لنجاح المطالب، وسألوا منها ما يسأله العباد من ربهم وشدوا إليها الرحال وتمسحوا بها واستغاثوا، وبالجملة إنهم لم يدعو شيئاً مما كانت الجاهلية تفعله بالأصنام إلا فعلوه، فإن لله وإنا إليه راجعون، ومع هذا المنكر الشنيع والكفر الفظيع لا نجد من يغضب لله ويغار حمية للدين الحنيف لا عالماً ولا متعلماً ولا أميراً ولا وزيراً ولا ملكاً، وقد توارد إلينا من الأخبار ما لا يشك معه أن كثيراً من هؤلاء القبوريين أو أكثرهم إذا توجهت عليه يمين من جهة خصمه حلف بالله فاجراً –فإذا قيل له بعد ذلك: احلف بشيخك ومعتقدك الولي الفلاني تلعثم وتلكأ وأبى واعترف بالحق، وهذا من أبين الأدلة الدالة على أن شركهم قد بلغ فوق شرك من قال إنه تعالى ثاني اثنين أو ثالث ثلاثة، فيما علماء الدين ويا ملوك المسلمين أي رزء للإسلام أشد من الكفر، وأي بلاء لهذا الدين أضر عليه من عبادة غير الله، وأي مصيبة يصاب بها المسلمون تعدل هذه المصيبة، وأي منكر يجب إنكاره إن لم يكن إنكار هذا الشرك البين واجباً:
لقد أسمعت لو ناديت حياً ولكن لا حياة لمن تنادي
ولو ناراً نفحت بها أضاءت ولكن أنت تنفخ في رماد
انتهى1.
وقد ألف كل من هذين الإمامين2 رسالة في التحذير من هذا الشرك الذي فشا في البلدان في عصرهما فألف الصنعاني رسالة اسمها تطهير الاعتقاد عن أدران الإلحاد، وألف الشوكاني رسالة اسمها شفاء
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 نيل الأوطار 4/90.
2 الصنعاني والشوكاني.
الصدور بتحريم البناء على القبور، والرسالتان مطبوعتان ومتداولتان. وفي هذا الجو المظلم ظهر شيخ الإسلام محمد بن عبد الوهاب بالعقيدة السليمة والدعوة المستقيمة –وقال بعض علماء نجد في وصف الحالة التي كانوا عليها قبل ظهور دعوة الشيخ وهم من المعاصرين له.
(من محمد بن غيهب ومحمد بن عيدان إلى عبد الله المويس، الباعث للكتاب إخبارك عن ديننا قبل أن يجعل هذا الشيخ لهذا القرن1 يدعوهم إلى الله وينصح لهم، ويأمرهم وينهاهم حتى أطلع الله به شموس الوحي وأظهر به الدين، وفرق به أهل الباطل من السادة والكهان والمرتشين فهو غريب في علماء هذا الزمان هو في شأن وهم في شأن آخر، رفع الله له علم الجهاد فشمر إليه فأمر ونهى ودعا إلى الله تعالى ونصح ووفى بالعهد لما نقضوه، وشمر عن ساعد الجد لما تركوه، وتمسك بالكتاب المنزل لما نبذوه فبدعوه وكفروه، فديننا قبل هذا الشيخ المجدد لم يبق منه إلا الدعوى والإسم فوقعنا في الشرك فقد ذبحنا للشياطين ودعونا الصالحين ونأتي الكهان ولا نفرق بين أولياء الرحمن وأولياء الشيطان، ولا بين توحيد الربوبية الذي أقر به مشركو العرب وتوحيد الألوهية الذي دعت إليه الرسل، ولا نفرق بين السنة والبدعة، فنجتمع لليلة النصف من شعبان لصلاتها الباطلة التي لم ينزل بها من سلطان ونضيع الفريضة، ونقدم قبل الصلاة الوسطى –صلاة العصر- من الهذيبان ما يفوتها عن وقت الاختيار إلى وقت الضرورة، هذا وأضعافه من البدع لم ينهنا عنه علماؤنا بل أقرونا عليه وفعلوه معنا
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 كذا في الأصل، ولعل الصواب: "يجيء" بدل " يجعل".
فلا يأمرون بمعروف ولا ينهون عن منكر، ولا ينصحون جاهلاً ولا يهدون ضالاً والكلام من جهتهم طويل عصمنا الله وإياك من الاقتداء بهم واتباع طريقتهم فكن منهم على حذر إلا القليل منهم ويكفيك عن التطويل أن الشرك بالله يخطب به على منابرهم ومن ذلك قول ابن الكهمري: اللهم صل على سيدنا وولينا ملجانا منجانا معاذنا ملاذنا، وكذلك تعطيل الصفات في خطب الطيبي فيشهد أن الله لا جسم ولا عرض ولا قوة.
فقبل هذا الشيخ لا تؤدي أركان الإسلام كالصلاة والزكاة، فلم يكن في بلدنا من يزكي الخارج من الأرض حتى جاء الحق وزهق الباطل إن الباطل كان زهوقاً1.
عقيدة الشيخ محمد بن عبد الوهاب رحمه الله:
قال رحمه الله جواباً لمن سألة عن عقيدته2:
بسم الله الرحمن الرحيم
أشهد الله ومن حضرني من الملائكة وأشهدكم أني أعتقد ما اعتقده الفرقة الناجية أهل السنة والجماعة من الإيمان بالله وملائكته وكتبه ورسله والبعث بعد الموت، والإيمان بالقدر خيره وشره، ومن الإيمان بالله الإيمان بما وصف به نفسه في كتابه وعلى لسان رسوله صلى الله عليه وسلم
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 من كتاب علماء نجد خلال ستة قرون للشيخ عبد الله البسام 2/605-606.
2 انظر الدرر السنية 1/28/30.
من غير تحريف ولا تعطيل، بل أعتقد أن الله سبحانه وتعالى {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ}، فلا أنفي عنه ما وصف به نفسه ولا أحرف الكلم عن مواضعه، ولا ألحد في أسمائه وآياته، ولا أكيف، ولا أمثل صفاته تعالى بصفات خلقه لأنه تعالى لا سمي له ولا كفو له، ولا ند له، ولا يقاس بخلقه فإنه سبحانه أعلم بنفسه وبغيره وأصدق قيلاً وأحسن حديثاً فنزه نفسه عما وصفه به المخالفون من أهل التكييف والتمثيل وعما نفاه عنه النافون من أهل التحريف والتعطيل فقال: {سُبْحَانَ رَبِّكَ رَبِّ الْعِزَّةِ عَمَّا يَصِفُونَ. وَسَلامٌ عَلَى الْمُرْسَلِينَ. وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ}1، والفرقة الناجية وسط في باب أفعاله تعالى بين القدرية والجبرية.
وهم وسط في باب وعيد الله بين المرجئة والوعيدية؛ وهم وسط في باب الإيمان والدين بين الحرورية والمعتزلة، وبين المرجئة والجهمية، وهم وسط في باب أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم بين الرافضة والخوارج. وأعتقد أن القرآن كلام الله منزل غير مخلوق منه بدأ وإليه يعود: وأنه تكلم به حقيقة وأنزله على عبده ورسوله وأمينه على وحيه وسفيره بينه وبين عبده نبينا محمد صلى الله عليه وسلم؛ وأومن بأن الله فعال لما يريد، ولا يكون شيء إلا بإرادته، ولا يخرج عن مشيئته، وليس شيء في العالم يخرج عن تقديره ولا يصدر إلا عن تدبيره ولا محيد لأحد عن القدر المحدود ولا يتجاوز ما خط له في اللوح المسطور، واعتقد الإيمان بكل ما أخبر به صلى الله عليه وسلم مما يكون بعد الموت، فأؤمن بفتنة القبر ونعيمه، وبإعادة الأرواح إلى الأجساد، فيقوم الناس لرب العالمين حفاة عراة غرلا تدنو منهم الشمس،
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 سورة الصافات الآيات: 180-181-182
وتنصب الموازين وتوزن بها أعمال العباد {فَمَنْ ثَقُلَتْ مَوَازِينُهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ. وَمَنْ خَفَّتْ مَوَازِينُهُ فَأُولَئِكَ الَّذِينَ خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ فِي جَهَنَّمَ خَالِدُونَ}1.
وتنشر الدواوين فآخذ كتابه بيمينه وآخذ كتابه بشماله، فأؤمن بحوض نبينا محمد صلى الله عليه وسلم بعرصة القيامة ماؤه أشد بياضاً من اللبن وأحلى من العسل، آنيته عدد نجوم السماء من شرب منه شربة لم يظمأ بعدها أبداً. وأؤمن بأن الصراط منصوب على شفير جهنم يمر به الناس على قدر أعمالهم. وأؤمن بشفاعة النبي صلى الله عليه وسلم وأنه أول شافع وأول مشفع، ولا ينكر شفاعة النبي صلى الله عليه وسلم إلا أهل البدع والضلال، ولكنها لا تكون إلا من بعد الإذن والرضا كما قال الله تعالى: {وَلا يَشْفَعُونَ إِلَّا لِمَنِ ارْتَضَى}2، وقال: {مَنْ ذَا الَّذِي يَشْفَعُ عِنْدَهُ إِلَّا بِإِذْنِه}3، وقال تعالى: {وَكَمْ مِنْ مَلَكٍ فِي السَّمَاوَاتِ لا تُغْنِي شَفَاعَتُهُمْ شَيْئاً إِلَّا مِنْ بَعْدِ أَنْ يَأْذَنَ اللَّهُ لِمَنْ يَشَاءُ وَيَرْضَى}4، وهو لا يرضى إلا التوحيد ولا يأذن إلا لأهله. وأما المشركون فليس لهم من الشفاعة نصيب، كما قال تعالى: {فَمَا تَنْفَعُهُمْ شَفَاعَةُ الشَّافِعِينَ}5.
وأؤمن بأن الجنة والنار مخلوقتان، وأنهما اليوم موجودتان، وأنهما لا يفنيان ؛ وأن المؤمنين يرون ربهم بأبصارهم يوم القيامة كما يرون
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 سورة المؤمنون الآيتان: 102-103.
2 سورة الأنبياء من الآية: 28.
3 سورة البقرة من الآية: 255.
4 سورة النجم الآية: 26.
5 سورة المدثر الآية: 48.
القمر ليلة البدر لا يضامون في رؤيته، وأؤمن بأن نبينا محمداً صلى الله عليه وسلم خاتم النبيين والمرسلين، ولا يصح إيمان عبد حتى يؤمن برسالته ويشهد بنبوته وأن أفضل أمته أبو بكر الصديق، ثم عمر الفاروق، ثم عثمان ذو النورين، ثم علي المرتضي، ثم بقية العشرة، ثم أهل بدر، ثم أهل الشجرة أهل بيعة الرضوان، ثم سائر الصحابة رضي الله عنهم. وأتولى أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم وأذكر محاسنهم وأترضى عنهم وأستغفر لهم وأكف عن مساويهم وأسكت عما شجر بينهم، وأعتقد فضلهم عملا بقوله تعالى : {وَالَّذِينَ جَاءُوا مِنْ بَعْدِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلِإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالْأِيمَانِ وَلا تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنَا غِلّاً لِلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنَا إِنَّكَ رَؤُوفٌ رَحِيمٌ}1.
وأترضى عن أمهات المؤمنين المطهرات من كل سوء، وأقر بكرامات الأولياء وما لهم من المكاشفات إلا أنهم لا يستحقون من حق الله تعالى شيئاً، ولا يطلب منهم ما لا يقدر عليه إلا الله. ولا أشهد لأحد من المسلمين بجنة ولا نار إلا من شهد له رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولكني أرجو للمحسن وأخاف على المسيء، ولا أكفر أحداً من المسلمين بذنب2، ولا أخرجه من دائرة الإسلام، وأرى الجهاد ماضياً مع كل إمام براً كان أو فاجراً وصلاة الجماعة خلفهم جائزة، والجهاد ماض منذ بعث محمداً صلى الله عليه وسلم إلى أن يقاتل آخر هذه الأمة الدجال لا يبطله جور جائر ولا عدل عادل، وأرى وجوب السمع والطاعة لأئمة المسلمين برهم وفاجرهم ما لم يأمروا بمعصية الله، ومن ولي الخلافة واجتمع عليه الناس ورضوا به وغلبهم بسيفه حتى صار خليفة وجبت
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 سورة الحشر الآية: 10.
2 يعني الذنب الذي ليس هو من نواقض الإسلام.
طاعته؛ وحرم الخروج عليه، وأرى هجر أهل البدع ومباينتهم حتى يتوبوا، وأحكم عليهم بالظاهر وأكل أسرارهم إلى الله، وأعتقد أن كل محدثة في الدين بدعة، وأعتقد أن الإيمان قول باللسان وعمل بالأركان واعتقاد بالجنان يزيد بالطاعة وينقص بالمعصية وهو بضع وسبعون شعبة أعلاها شهادة أن لا إله إلا الله وأدناها إماطة الأذى عن الطريق.
وأرى وجوب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر على ما توجبه الشريعة المحمدية الطاهرة، فهذه عقيدة وجيزة حررتها وأنا مشتغل البال لتطلعوا على ما عندي والله على ما نقول وكيل ... انتهى.
وبهذا يعلم أن عقيدته رحمه الله هي عقيدة السلف الصالح، وأنه بريء مما نسبه إليه أعداء الدين من أنه على مذهب الخوارج.
بدئ دعوة الشيخ محمد رحمه الله:
في وسط هذا الجو المظلم الذي سبق وصفه سطعت دعوة الشيخ محمد بن عبد الوهاب، ورفع صوته منكراً هذا الشرك داعياً الناس إلى التوحيد الذي بعث به رسوله محمداً صلى الله عليه وسلم فلقي من الناس ما يلقاله أمثاله من الدعاة إلى الله من الأذى، وأطاعه من وفقه الله لقبول الحق.
يقول حفيده الشيخ عبد الرحمن بن حسن رحمه الله: ثم رجع إلى نجد وهم على الحالة التي لا يحبها الله ولا يرضاها من الشرك بعبادة الأموات والأشجار والأحجار والجن. فقام فيهم يدعوهم إلى التوحيد
وأن يخلصوا العبادة بجميع أنواعها لله، وأن يتركوا ما كانوا يعبدونه من قبر أو طاغوت أو شجر أو حجر والناس يتبعه الواحد منهم والإثنان، فصاح به الأكثرون وحذروا منه الملوك وأغروهم بعداوته. انتهى1.
وهذا لا يعني أنه لا يوجد في هذا العصر علماء، بل يوجد منهم الكثير، ولكن هم ما بين مستحسن لهذا الوضع السيء أو غير مستحسن له، لكنه لا يملك الشجاعة لمقاومته.
أصول دعوة الشيخ رحمه الله:
لقد أوضح أصول دعوته في رسائله حيث قال2:
1- أما ما نحن عليه من الدين فعلى دين الإسلام الذي قال الله فيه: {وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الْأِسْلامِ دِيناً فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي الْآخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ}3.
2- وأما ما ادعونا الناس إليه فندعوهم إلى التوحيد الذي قال الله فيه خطاباً لنبيه صلى الله عليه وسلم: {قُلْ هَذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللَّهِ عَلَى بَصِيرَةٍ أَنَا وَمَنِ اتَّبَعَنِي وَسُبْحَانَ اللَّهِ وَمَا أَنَا مِنَ الْمُشْرِكِينَ}4، وقوله تعالى: {وَأَنَّ الْمَسَاجِدَ لِلَّهِ فَلا تَدْعُو مَعَ اللَّهِ أَحَداً}5.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 الدرر السنية 9/216.
2 الدرر السنية 1/62-64.
3 سورة آل عمران الآية: 85.
4 سورة يوسف الآية: 108.
5 سورة الجن الآية: 18.
3- وأما ما نهينا الناس عنه فنهيناهم عن الشرك الذي قال الله فيه: {إِنَّهُ مَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدْ حَرَّمَ اللَّهُ عَلَيْهِ الْجَنَّةَ وَمَأْوَاهُ النَّارُ}1، وقوله تعالى لنبيه صلى الله عليه وسلم على سبيل التغليظ، وإلا فهو منزه هو وإخوانه عن الشرك {وَلَقَدْ أُوحِيَ إِلَيْكَ وَإِلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكَ لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ وَلَتَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ}2، وغير ذلك من الآيات.
4- ونقاتلهم عليه كما قال الله تعالى: {وَقَاتِلُوهُمْ حَتَّى لا تَكُونَ فِتْنَةٌ}3 أي شرك، ثم ساق الأدلة على ذلك إلى أن قال:
5- وأما ما ذكرتم من حقيقة الاجتهاد فنحن مقلدون للكتاب والسنة وصالح الأمة وما عليه الاعتماد من أقوال الأئمة الأربعة أبي حنفية النعمان بن ثابت ومالك بن أنس ومحمد بن إدريس الشافعي وأحمد بن حنبل رحمهم الله.
6- وما جئنا بشيء يخالف النقل ولا ينكره العقل... نقاتل عباد الأوثان4 كما قاتلهم صلى الله عليه وسلم ونقاتلهم على ترك الصلاة، وعلى منع الزكاة، كما قاتل مانعها صديق هذه الأمة أبو بكر الصديق رضي الله عنه. انتهى.
وقال في رسالة أخرى من رسائله5:
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 سورة المائدة من الآية: 72.
2 سورة الزمر الآيتان: 65-66.
3 سورة البقرة من الآية: 193.
4 وقال في بعض أجوبته: نقاتلهم بعد ما نقيم الحجة عليهم من كتاب الله وسنة رسوله وإجماع السلف الصالح من الأئمة متمثلين قوله تعالى: {وَقَاتِلُوهُمْ حَتَّى لا تَكُونَ فِتْنَةٌ وَيَكُونَ الدِّينُ كُلُّهُ لِلَّهِ} آية: 39 من الأنفال، انتهى الدرر السنية 1/58.
5 الدرر السنية 1/56.
7- وأما التكفير فأنا أكفر من عرف دين الرسول ثم بعدما عرفه سبه ونهى الناس عنه وعادى كم فعله، فهذا الذي أكفره، وأكثر الأمة ولله الحمد ليسوا كذلك1.
8- وأما القتال فلم نقاتل أحداً إلا دون النفس والحرمة، فإنا نقاتل على سبيل المقابلة {وَجَزَاءُ سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِثْلُهَا}2.
وكذلك من جاهر بسب دين الرسول بعد ما عرفه. وقال أيضاً3
9- وأيضاً ألزمت من تحت يدي بإقام الصلاة وإيتاء الزكاة وغير ذلك من فرائض الله ونهيتهم عن الربا وشرب المسكر وأنواع المنكرات.
المراحل التي مرت بها دعوة الشيخ محمد رحمه الله:
بدأ الشيخ دعوته في بلدة حريملاء لوجود والده فيها، ولكن لما كانت الظروف غير مواتية ترك هذه البلدة بحثاً عن غيرها، فاتجه إلى العيينة واتصل بأميرها عثمان بن معمر فساعده في أول الأمر واجتمع حوله طلبة، وبدأ بتنفيذ الأحكام الشرعية، فهدم بعض القباب الشركية ورجم في الزنا.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 وقال: فإن قال قائلهم: إنهم يكفرون بالعموم، فنقول سبحانك هذا بهتان عظيم، الذي نكفر الذي يشهد أن التوحيد دين الله ودين رسوله، وأن دعوة غير الله باطلة، ثم بعد هذا يكفر أهل التوحيد ويسميهم بالخوارج.
2 سورة الشورى من الآية: 40.
3 الدرر السنية 1/54.
ثم إن ابن معمر تخلى عنه خوفاً من تهديد بعض الرؤساء، فترك الشيخ العيينة وبحث عن غيرها فاتجه إلى الدرعية واتصل بأميرها محمد بن سعود وعرض عليه دعوته فقبلها وبايعه على مناصرته، وصدق في ذلك. وهناك استقر الشيخ رحمه الله وانعقدت حوله حلق الدروس ووفد إليه الطلاب من مختلف الجهات. وتكونت في هذه البلدة ولاية إسلامية أميرها الإمام محمد بن سعود، وموجهها الشيخ محمد بن عبد الوهاب، وامتدت الدعوة إلى البلاد المجاورة، ونشأ الجهاد في سبيل الله لإعلاء كلمة التوحيد وقمع الشرك. وما هي إلا فترة وجيزة حتى انتشرت الدعوة وتوحدت جميع البلدان النجدية تحت رايتها. وامتدت فيما بعد ذلك إلى الحجاز وعسير وشمال الجزيرة. وكان ذلك بفضل الله وحده ثم مؤازة آل سعود لهذه الدعوة المباركة، وصدق الله وعده {إِنْ تَنْصُرُوا اللَّهَ يَنْصُرْكُمْ وَيُثَبِّتْ أَقْدَامَكُمْ}1، {وَإِنَّ جُنْدَنَا لَهُمُ الْغَالِبُونَ}2، {وَلَيَنْصُرَنَّ اللَّهُ مَنْ يَنْصُره}3.
المراجع التي يعتمد عليها الشيخ رحمه وعلماء الدعوة بعده والمنهج الذي يسيرون عليه في الفتوى وأخذ المسائل:
المراجع التي يعتمد عليها علماء الدعوة هي:
1-القرآن الكريم وتفاسيره المعتمدة.
2-السنة النبوية وشروحها.
3-كتب شيخ الإسلام ابن تيمية وتلميذه وابن القيم وغيرها من كتب السلف في سائر الفنون.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 سورة محمد من الآية: 7.
2 سورة الصافات الآية: 173.
3 سورة الحج من الآية: 40.
4-كتب المذاهب الأربعة وبالأخص كتب المذهب الحنبلي وما ترجح بالدليل من غيره1.
يقول الشيخ عبد الله بن الشيخ محمد بن عبد الوهاب2:
مذهبنا في أصول الدين مذهب أهل السنة والجماعة وطريقتنا طريقة السلف وهي أنا نقر آيات الصفات وأحاديثها على ظاهرها.
ونحن أيضاً في الفروع على مذهب الإمام أحمد بن حنبل ولا ننكر على من قلد أحد الأئمة الأربعة.
ولا نستحق مرتبة الاجتهاد المطلق ولا أحد لدينا يدعيها. إلا أننا في بعض المسائل إذا صح لنا نص جلي من كتاب أو سنة غير منسوخ ولا مخصص ولا معارض بأقوى منه، وقال به أحد الأئمة الأربعة أخذنا به وتركنا المذهب كإرث الجد والإخوة، فإنا نقدم الجد بالإرث وإن خالف مذهب الحنابلة.
ولا مانع من الاجتهاد في بعض المسائل دون بعض، فلا مناقضة لعدم دعوى الاجتهاد، وقد سبق جمع من أئمة المذاهب الأربعة إلى اختيارات لهم في بعض المسائل مخالفين للمذهب الملتزمين تقليد صاحبه.
ثم إنا نستعين على فهم كتاب الله بالتفاسير المتداولة المعتبرة، ومن أجلها لدينا تفسير ابن جرير ومختصره لابن كثير الشافعي، وكذا البغوي والبيضاوي، والخازن والحداد والجلالين وغيرهم.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 قال الشيخ محمد رحمه الله: (وأما المتأخرون رحمهم الله فكتبهم عندنا فنعمل بما وافق النص منها وما لا يوافق النص لا نعمل به) انتهى من الدرر السنية 1/65.
2 الدرر السنية 1/126.
وعلى فهم الحديث بشروح الأئمة المبرزين كالعسقلاني والقسطلاني على البخاري، والنووي على مسلم والمناوي على الجامع الصغير، ونحرص على كتب الحديث. خصوصاً الأمهات الست وشروحها ونعتني بسائر الكتب في سائر الفنون أصولاً وفروعاً وقواعد وسيراً ونحواً وصرفاً وجميع علوم الأمة.
هذا وعندنا أن الإمام ابن القيم وشيخه إماماً حق من أهل السنة، وكتبهم عندنا من أعز الكتب إلا أنا غير مقلدين لهما في كل مسألة، فإن كل أحد يؤخذ من قوله يترك إلا نبينا محمداً صلى الله عليه وسلم ومعلوم مخالفتنا لهما في عدة مسائل، منها طلاق الثلاث بلفظ واحد في مجلس فإنا نقول به تبعاً للأئمة الأربعة.
ثمرات دعوة الشيخ محمد بن عبد الوهاب رحمه الله وآثارها:
إن كل دعوة من الدعوات وكل عمل من الأعمال إنما تعرف قيمته من ثمراته المترتبة عليه ومن أثره الذي يتركه. وإن دعوة الشيخ ولله الحمد لما كانت دعوة خالصة لله مترسمة منهج رسول الله صلى الله عليه وسلم معتمدة عليه ومستمدة من الكتاب والسنة صار لها أطيب الآثر واستمر نفعها، وبقي أثرها وأنتجت للأمة خيرات كثيرة منها:
1- قيام دولة إسلامية وهي دولة آل سعود الذين آزروا هذه الدعوة وجاهدوا في سبيلها، ولا تزال هذه الدولة ولله الحمد تحكم بشريعة الله وتخدم الحرمين الشريفين وتشد أزر المسلمين في كل مكان من بقاع العالم بعمارة المساجد والمراكز الإسلامية والتعليمية وتنشر دعوة الإسلام.
2- تصحيح العقيدة الإسلامية مما علق بها من الشركيات والبدع والخرافات إلى منبعها الصافي من كتاب الله وسنة رسوله، وقد طهر الله كل البلاد التي صار لهذه الدعوة المباركة فيها نفوذ وسلطة من جميع مظاهر الشرك والبدع والخرافات.
3- امتداد أثر هذه الدعوة المباركة خارج بلادها حتى انتفع بها من هدفه الحق في مختلف بلدان العالم الإسلامي في الشام ومصر والمغرب العربي، وإفريقيا والسودان واليمن والعراق والهند والباكستان وأندونيسيا وغيرها.
4- وجود حركة علمية واهية متحررة من التقليد الأعمى، فانتشر التعليم في المساجد في مختلف مناطق البلاد حتى تخرج منها علماء أفذاذ في حياة الشيخ وبعدها
قاموا بنشر هذه الدعوة ورعايتها إلى يومنا هذا، ثم أسست لهذا التعليم جامعات إسلامية تخرج الأفواج تلو الأفواج من مختلف العالم الإسلامي مسلحين بالعقيدة الصحيحة والفكر السليم ينتشرون في العالم الإسلامي وغيره للدعوة إلى الله.
5- نشاط حركة التأليف والنشر، فقد قدم علماء هذه الدعوة للأمة الإسلامية رصيداً من الكتب النافعة في الأصول والفروع ومن ذلك:
1) مؤلفات الشيخ محمد بن عبد الوهاب إمام الدعوة ويتكون مجموعها من اثني عشر مجلداً في الفقه والعقائد والتفسير والحديث والسيرة.
2) مجموع الفتاوى والرسائل لعلماء الدعوة ويتكون من أحد عشر مجلداً.
3) كتب ألفها أئمة الدعوة في مختلف العصور للرد على خصوم الدعوة، وتبلغ العديد من المجلدات وهي مطبوعة ومتداولة.
4) نشر كتب السلف وتوزيعها على المسلمين في موسم الحج وغيره.
5) نشر كل مفيد من المؤلفات العصرية وتوزيعها مجاناً.
الشبه التي أثيرت حول دعوة الشيخ والرد عليها:
تعرضت دعوة الشيخ كغيرها من دعوات المصلحين للنقد من قبل خصومها وأثيرت حولها شبهات ربما تروج على من لم يعرف حقيقتها، وقد أثير كثير من هذه الشبهات في حياة الشيخ ورد عليها بنفسه، وأثير البعض الآخر –أو بالأصح- أعيدت إثارة تلك الشبه بعد وفاته، فرد عليها تلامذته وغيرهم من محققي علماء المسلمين الذين لا يروج عليهم البهرج والكذب، ولا تأخذهم في الله لومة لائم.
ومن هذه الشبه:
1- قالوا: إنه يبطل كتب المذاهب الأربعة ويقول إن الناس من ستمائة سنة ليسوا على شيء.
2- وأنه يدعي الاجتهاد وأنه خارج عن التقليد وأنه يقول اختلاف العلماء نقمة.
3- قالوا: إنه يحرم زيارة قبر الرسول صلى الله عليه وسلم وزيارة قبر الوالدين وغيرهما.
4- وأنه يكفر من حلف بغير الله.
وقد أجاب الشيخ عن هذه بقوله:
جوابي عن هذه المسائل أني أقول: سبحانك هذا بهتان عظيم، وقبله من بهت النبي صلى الله عليه وسلم أنه يسب عيسى بن مريم ويسب الصالحين فتشابهت قولبهم بافتراء الكذب والزور قال تعالى: {إِنَّمَا يَفْتَرِي الْكَذِبَ الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ}1 بهتوه صلى الله عليه وسلم بأنه يقول إن الملائكة وعيسى وعزيراً في النار، فأنزل الله في ذلك: {إِنَّ الَّذِينَ سَبَقَتْ لَهُمْ مِنَّا الْحُسْنَى أُولَئِكَ عَنْهَا مُبْعَدُونَ}2 انتهى3.
5- قالوا: إنه ينهى عن الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم وأنه يقول لو أن لي أمراً هدمت قبة النبي صلى الله عليه وسلم وأنه يتكلم في الصالحين وينهى عن محبتهم.
وقد أجاب الشيخ عن ذلك بقول: هذا كذب وبهتان افتراه علي الشياطين الذين يريدون أن يأكلوا أموال الناس بالباطل4.
6- قالوا: إنه يكفر جميع الناس إلا من اتبعه وأن أنكحتهم غير صحيحة.
وقد أجاب الشيخ عن ذلك بقوله: يا عجباً كيف يدخل هذا في عقل عاقل وهل يقول هذا مسلم، إني أبرأ إلى الله من هذا القول الذي ما يصدر إلا من مختل العقل فاقد الإدراك، فقاتل الله أهل الأغراض الباطلة5.
7- قالوا: إنه يكفر بالعموم ويوجب الهجرة إليه على من قدر على إظهار دينه.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 سورة النحل من الآية: 105.
2 سورة الأنبياء الآية: 101.
3 الدرر السنية 1/30-31.
4 الدرر السنية 1/52.
5 الدرر السنية 1/55
وقد أجاب الشيخ عن ذلك بقوله: كل هذا من الكذب والبهتان الذي يصدون بها الناس عن دين الله ورسوله، وإذا كنا لا نكفر من عبد الصنم الذي على عبد القادر، والصنم الذي على قبر أحمد البدوي وأمثالها لأجل جهلهم وعدم من ينبههم، فكيف نكفر من لم يشرك بالله إذا لم يهاجر إلينا أو لم يكفر ويقاتل1 {سُبْحَانَكَ هَذَا بُهْتَانٌ عَظِيمٌ}2 انظر الدرر (1/66).
8- قالوا: إنه ينكر الشفاعة، فرد الشيخ على ذلك بقوله: ثم بعد هذا يذكر لنا أن عدوان الإسلام الذين ينفرون الناس عنه يزعمون أننا ننكر شفاعة الرسول صلى الله عليه وسلم، فنقول:{سُبْحَانَكَ هَذَا بُهْتَانٌ عَظِيمٌ}. بل نشهد أن رسول الله صلى الله عليه وسلم الشافع المشفع صاحب المقام المحمود نسأل الله الكريم رب العرش العظيم أن يشفعه فينا، وأن يحشرنا تحت لوائه، هذا اعتقادنا وهذا الذي مشى عليه السلف الصالح من المهاجرين والأنصار والتابعين وتابع التابعين، والأئمة الأربعة رضي الله عنهم أجمعين، وهم أحب الناس لنبيهم وأعظمهم في اتباعه وشرعه، فإن كانوا يأتون عند قبره يطلبونه الشفاعة فإن اجتماعهم حجة، والقائل: إنه يطلب منه الشفاعة بعد موته يورد علينا الدليل من كتاب الله أو سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم أو إجماع الأمة والحق أحق أن يتبع... انتهى3.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 يعني لم يكفر المسلمين ويقاتلهم.
2 سورة النور من الآية: 16.
3 الدرر السنية 1/46.
9- وأما اتهام الشيخ أنه يكفر بالعموم ويقاتل المسلمين، فقد أجاب الشيخ عنه بقول: وأما التكفير فإنا نكفر من عرف دين الرسول، ثم بعدما عرفه سبه ونهى عنه وعادى من فعله، فهذا هو الذي أكفر، وأكثر الأمة ولله الحمد ليسوا كذلك، وأما القتال فلم نقاتل أحداً إلى اليوم إلا دون النفس والحرمة، وهم الذين أتونا في ديارنا ولا أبقوا ممكناً، ولكن قد نقاتل بعضهم على سبيل المقابلة وجزاء سيئة مثلها، وكذلك من جاهر بسب دين الرسول بعدما عرف، فإنا نبين لكم أن هذا هو الحق الذي لا ريب فيه، وأن الواجب إشاعته في الناس وتعليمه الرجال والنساء1. انتهى.
وقال أيضاً لما بين بطلان الذي يفعله القبوريون، فهذا الذي أوجب الاختلاف بيننا وبين الناس، حتى آل بهم الأمر إلى أن كفرونا وقاتلونا واستحلوا دماءنا وأموالنا حتى نصرنا الله عليهم وظفرنا بهم، وهو الذي ندعو الناس إليه ونقاتلهم عليه بعد ما نقيم عليهم الحجة من كتاب الله وسنة رسوله وإجماع السلف الصالح من الأئمة ممتثلين لقوله سبحانه وتعالى: {وَقَاتِلُوهُمْ حَتَّى لا تَكُونَ فِتْنَةٌ وَيَكُونَ الدِّينُ كُلّهُ لِلَّهِ}2، فمن لم يجب الدعوة بالحجة والبيان قاتلنا بالسيف والسنان، كما قال تعالى:{لَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلَنَا بِالْبَيِّنَاتِ وَأَنْزَلْنَا مَعَهُمُ الْكِتَابَ وَالْمِيزَانَ لِيَقُومَ النَّاسُ بِالْقِسْطِ وَأَنْزَلْنَا الْحَدِيدَ فِيهِ بَأْسٌ شَدِيدٌ وَمَنَافِعُ لِلنَّاسِ وَلِيَعْلَمَ اللَّهُ مَنْ يَنْصُرُهُ وَرُسُلَهُ بِالْغَيْبِ إِنَّ اللَّهَ قَوِيٌّ عَزِيزٌ}3 انتهى4.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 الدرر السنية 1/51.
2 سورة الأنفال من الآية: 39.
3 سورة الحديد الآية: 25.
4 الدرر السنية 1/58.
وقال ابنه الشيخ عبد الله بن محمد، مجملاً هذه الشبة مع الرد عليها: وأما ما يكذب علينا ستراً للحق وتلبيساً على الخلق بأنا نفسر القرآن برأينا ونأخذ من الحديث ما وافق فهمنا من دون مراجعة شرح ولا معول على شيخ، وأنا نضع من رتبة نبينا محمد صلى الله عليه وسلم بقولنا: النبي رمة في قبره وعصا أحدنا أنفع منه، وليس له شفاعة، وأن زيارته غير مندوبة، وأنه كان لا يعرف معنى لا إله إلا الله حتى أنزل الله عليه {فَاعْلَمْ أَنَّهُ لا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ}1.
مع كون الآية مدنية، وأنا لا نعتمد على أقوال العلماء ونتلف مؤلفات أهل المذاهب لكون فيها الحق والباطل، وأنا مجسمة، وأنا نكفر الناس على الإطلاق أهل زماننا ومن بعد الستمائة إلا من هو على ما نحن عليه، ومن فروع ذلك أنا لا نقبل بيعة أحد إلا بعد التقرير عليه بأنه كان مشركاً وان أبويه ماتا على الإشراك بالله وأننا ننهى عن الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم ونحرم زيارة القبور المشروعة مطلقاً، وأن من دان بما نحن عليه سقطت عنه جميع التبعات حتى الديون، وأنا لا نرى حقاً لأهل البيت رضوان الله عليهم، وأنا نجبرهم على تزويج غير الكفء لهم، وأنا نجبر بعض الشيوخ على فراق زوجته الشابة لتنكح شاباً إذا ترافعوا إلينا...
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 سورة محمد من الآية: 19.
فلا وجه لذلك فجميع هذه الخرافات وأشباهها لما استفهمنا عنها من ذكر أولا (يعني علماء مكة) كان جوابنا في كل مسألة من ذلك {سُبْحَانَكَ هَذَا بُهْتَانٌ عَظِيمٌ}1.
فمن روى عنا شيئاً من ذلك أو نسبه إلينا فقد كذب علينا وافترى، ومن شاهد حالنا وحضر مجالسنا وتحقق ما عندنا علم قطعاً أن جميع ذلك افتراه علينا أعداء الدين وإخوان الشياطين تنفيراً للناس عن الإذعان بإخلاص التوحيد لله تعالى بالعبادة وترك أنواع الشرك الذي نص الله عليه بأن الله لا يغفره {وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ}2.
فإنا نعتقد أن من فعل أنواعاً من الكبائر كقتل المسلم بغير حق والزنا وشرب الخمر، وتكرر منه ذلك أنه لا يخرج بفعله ذلك عن دائرة الإسلام، ولا يخلد في دار الانتقام إذا مات موحداً بجميع أنواع العبادة، والذي نعتقده أن ربتة نبينا محمد صلى الله عليه وسلم أعلى مارتب المخلوقين على الإطلاق، وأنه حي في قبره حياة برزخية أبلغ من حياة الشهداء المنصوص عليها في التنزيل، إذ هو أفضل منهم بلا ريب، وأنه يسمع سلام المسلم عليه وتسن زيارته إلا أنه لا يشد الرحل إلا لزيارة المسجد والصلاة فيه وإذا قصد مع ذلك الزيارة فلا بأس، ومن أنفق نفيس أوقاته بالاشتغال بالصلاة عليه، عليه الصلاة والسلام الواردة عنه فقد فاز بسعادة الدارين وكفى همه وغمه كما جاء في الحديث عنه، ولا ننكر كرامات الأولياء ونعترف لهم بالحق، وأنهم على هدى من ربهم
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 سبقت.
2 سورة النساء من الآية: 116.
مهما ساروا على الطريقة الشرعية والقوانين المرعية، إلا أنهم لا يستحقون شيئاً من أنواع العبادات لا حال الحياة ولا بعد الممات، بل يطلب من أحدهم الدعاء في حال حياته بل ومن كل مسلم فقد جاء في الحديث: "دعاء المرء المسلم مستجاب لأخيه"1 الحديث. وأمر صلى الله عليه وسلم عمر وعلياً بسؤال الاستغفار من أويس ففعلا.
ونثبت الشفاعة لنبينا محمد صلى الله عليه وسلم يوم القيامة حسب ما ورد، وكذلك نثبتها لسائر الأنبياء، والملائكة والأولياء، والأطفال حسب ما ورد أيضاً.
ونسألهم من المالك لها والآذن فيها لمن يشاء من الموحدين الذين هم أسعد الناس بها كما ورد بأن يقول أحدنا متضرعاً: اللهم شفع نبينا محمداً فينا يوم القيامة، اللهم شفع فينا عبادك الصالحين، أو ملائكتك، أو نحو ذلك مما يطلب من الله لا منهم، فلا يقال يا رسول الله أو يا ولي الله أسألك الشفاعة أو غيرها كأدركني أو أغثني أو اشفني أو انصرني على عدوي ونحو ذلك مما لا يقدر عليه إلا الله تعالى –فإذا طلب ذلك مما ذكر في أيام البرزخ كان من أقسام الشرك، إذ لم يرد بذلك نص من كتاب أو سنة ولا أثر من السلف الصالح في ذلك، بل ورد في الكتاب والسنة وإجماع السلف أن ذلك شرك أكبر قاتل عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم2 ... انتهى.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 رواه مسلم ولفظه: "دعوة المرئ المسلم لأخيه بظهر الغيب مستجابة" في الذكر باب فضل الدعاء للمسلمين بظهر الغيب/ مسلم بشرح النووي ص 50، المجلد التاسع، ورواه ابن ماجه في المناسك باب فضل دعاء الحاج، تحقيق عبد الباقي ص 967، ج م.
2 الدرر السنية 1/127-129.
هذا وقد انبرى كثير من العلماء بعد وفاة الشيخ رحمه الله للإجابة عن هذه الشبهات وألفوا في ذلك مؤلفات ضخمة أشهرها:
1) مصباح الظلام في الرد على من كذب على الشيخ الإمام، ونسب إليه تكفير أهل الإسلام في مجلد. وهو للشيخ عبد اللطيف بن عبد الرحمن بن حسن من آل الشيخ رحمهم الله.
2) معارج القبول، للشيخ الحسين بن مهدي النعمي من علماء اليمن في مجلد.
3) غاية الأماني في الرد على النبهاني للشيخ محمود شكري الألوسي، من علماء العراق وهو في مجلدين.
4) صيانة الإنسان عن وسوسة الشيخ دحلان للشيخ محمد بن بشير السهسواني الهندي في مجلد.
وهكذا يقيض الله سبحانه للحق أنصاراً في كل زمان تقوم بهم حجة الله على خلقه، فلله الحمد والمنة، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وآله وصحبه أجمعين.
رد أوهام أبي زهرة في حق شيخ الإسلام ابن تيمة وشيخ الإسلام محمد بن عبد الوهاب
رحمهما الله
الحمد لله الذي أرسل رسوله بالهدى ودين الحق ليظهره على الدين كله وكفى بالله شهيداً. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له إقراراً به وتوحيداً، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه وسلم تسليماً مزيداً.
أما بعد... فإنه كان من الواجب علينا احترام علمائنا في حدود المشروع كما قال تعالى: {يَرْفَعِ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجَاتٍ}وقال تعالى: {قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لا يَعْلَمُونَ}. وقال صلى الله عليه وسلم: "وإن العلماء ورثة الأنبياء. وفضل العالم على العابد كفضل القمر على سائر الكواكب"، ولا سيما العلماء المجددون لدين الله والدعاة المخلصون إلى سبيل الله بالحكمة والموعظة الحسنة والجدال بالتي هي أحسن –فكان حقهم علينا الاقتداء بهم واحترامهم والترحم عليهم، والدعاء لهم لقاء ما قاموا به من الواجب وما بينوه من الحق وردوا من الباطل- إلا أننا نجد بدلاً من ذلك من بعض حملة الأقلام والمتطفلين على العلم والتأليف من يكيل التهم في حقهم ويرميهم بما هم بريئون منه ويحاول صرف الناس عن دعوتهم بدافع الحقد أو سوء الاعتقاد –أو الاعتماد على ما يقوله أعداؤهم وخصومهم- ومن ذلك أني قد اطلعت على كتاب بعنوان تاريخ المذاهب الإسلامية في السياسة والعقائد، وتاريخ المذاهب الفقهية، للشيخ محمد أبي زهرة، تعرض فيه لإمامين عظيمين وداعيين إلى الله مخلصين هما: شيخ الإسلام ابن تيمية وشيخ الإسلام محمد بن عبد الوهاب رحمهما الله، ووجه ضدهما نفس التهم التي يروجها ويرددها أعداؤهما المظلون في كل زمان، حيث تروعهما دعوة الإصلاح
وإخراج الناس من الظلمات إلى النور، ويريدون أن يبقى الناس في ظلام ويعيشوا في ضلال حتى يتسنى لخرافاتهم أن تروج، وما كان يليق بباحث يتحرى الحقيقة مثل الشيخ أبي زهرة أن يعتمد في حق هذين الإمامين الجليلين على كلام خصومهما بل كان الواجب عليه وعلى كل باحث منصف أن يرجع إلى من يريد أن يقدم للناس معلومات عنه من كتبه ويوثق ذلك بذكر اسم الكتاب المنقول عنه. مع ذكر الصفحة السطر. حتى تحصل القناعة التامة من صحة ما يقول، لأننا والحمد لله في عصر قد وضعت فيه ضوابط البحث العلمي. وأصبح لا يقبل فيه إطلاق القول على عواهنه من غير تقيد بتلك الضوابط –وفوق هذه الضوابط هناك وقوف بين يدي الله سبحانه وتعالى وسؤال عما يقوله الإنسان ويكتبه في حق غيره من اتهام وكذب. قال تعالى: {وَلا تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُولَئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْؤُولاً}، وقال تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَأٍ فَتَبَيَّنُوا أَنْ تُصِيبُوا قَوْماً بِجَهَالَةٍ فَتُصْبِحُوا عَلَى مَا فَعَلْتُمْ نَادِمِينَ}. إلا أن الشيخ أبا زهرة تجاهل ذلك كله، ونسب إلى الشيخين الإمامين الجليلين –الشيخ تقي الدين ابن تيمية، والشيخ محمد بن عبد الوهاب ما لا يليق بمقامهما وما يتنزهان عنه من التهم الباطلة والتهجم السخيف اعتماداً على ما يقوله عنهما خصومهما وما يروجه المخرفون ضدهما، غير متقيد بضوابط البحث العلمي، ولا خائف من الوعيد الذي توعد الله به من أقدم على مثل هذا العمل، وإليك بيان هذه التهم مع الرد عليها، سائلين الله تعالى أن يرينا الحق حقاً ويرزقنا اتباعه ويرينا الباطل باطلاً ويرزقنا اجتنابه.
أولاً: ما نسبه إلى شيخ الإسلام ابن تيمية:
1- في صفحة 187 قال إنه أضاف إلى مذهب السلف أموراً أخرى قد بعثت إلى التفكير فيها.
أقول هذا من الافتراء على شيخ الإسلام ابن تيمية أنه قد أحدث أموراً من عند نفسه وزادها على مذهب السلف، وهو اتهام خطير قد برأ الله منه شيخ الإسلام فإنه لم يزد شيئاً ولم يخترع شيئاً من عند نفسه، وإنما دعا إلى مذهب السلف وبينه ودافع عنه بأمانة وإخلاص. يشهد لذلك أن ما في كتبه ورسائله يتطابق تمام التطابق مع ما ذكره الأئمة قبله في كتبهم، وهو إنما ينقل كلامهم ويعزوه إلى مصادره المعروفة من غير زيادة ولا نقصان. وأبو زهرة لم يذكر مثالاً واحداً يدل على صدق ما يقول.
2- في صفحة 193 قال: وعلى ذلك يقرر ابن تيمية أن مذهب السلف هو إثبات كل ما جاء في القرآن الكريم من فوقية وتحتية واستواء على العرش ووجه ويد ومحبة وبغض، وما جاء في السنة من ذلك أيضاً من غير تأويل وبالظاهر الحرفي، فهل هذا هو مذهب السلف حقاً، ونقول في الإجابة عن ذلك: والقائل أبو زهرة.
لقد سبقه بهذا الحنابلة في القرن الرابع الهجري كما بينا وادعوا أن ذلك مذهب السلف.
وناقشهم العلماء في ذلك الوقت وأثبتوا أنه يؤدي إلى التشبية والجسمية لا محالة، وكيف لا يؤدي إليها والإشارة الحسية إليه جائزة، لهذا تصدى لهم الإمام الفقيه الحنبلي الخطيب ابن الجوزي ونفى أن يكون ذلك مذهب السلف، ونفى أيضاً أن يكون ذلك رأي الإمام
أحمد... انتهى كلامه وفيه من الخلط والكذب ما لا يخفى وبيان ذلك كما يلي:
(أ) اتهم شيخ الإسلام ابن تيمية واتهم معه الحنابلة بأنهم نسبوا إلى السلف ما لم يقولوه ولم يعتقدوه في صفات الله تعالى، وهذا اتهام ظاهر البطلان، فإن ما قاله الحنابلة وقاله شيخ الإسلام موجود في كلام الأئمة الأربعة وغيرهم وفي كتبهم، وقد نقل ذلك عنهم شيخ الإسلام ابن تيمية وعزاه إلى مصادره من كتبهم التي يوجد غالبها في أيدي الناس اليوم، وانظر على سبيل المثال ما ذكره عنهم في الرسالة الحموية.
(ب) اتهم الشيخ بأنه ينسب إلى السلف وصف الله بالتحتية حيث قال: يقرر ابن تيمية أن مذهب السلف هو إثبات كل ما جاء في القرآن الكريم من فوقية وتحتية، وهذا كذب
التعريف بشيخ الإسلام محمد بن عبد الوهاب رحمه الله:
هو الشيخ محمد بن عبد الوهاب بن سليمان بن علي بن محمد ابن أحمد بن راشد بن بريد بن مشرف النجدي التميمي، ولد سنة 1115هـ، ونشأ في بيت علم. فوالده من علماء البلاد، وتولى القضاء في عدة جهات، وجده الشيخ سليمان كان عالماً جليلاً وإماماً في الفقه وهو المفتي في البلاد في وقته، وقد تخرج على يديه عدد كثير من العلماء وطلبة العلم. وعمه الشيخ إبراهيم بن سليمان، كان من أجلة العلماء، فنشأ الشيخ محمد في هذا الجو العلمي، وكان حاد الذهب متوقد الذكاء سريع الحفظ، حفظ القرآن الكريم قبل سن العاشرة، ودرس على والده كتب الفقه الحنبلي. وكان كثير المطالعة والقراءة للكتب إلى جانب قراءته على والده، فقرأ في كتب التفسير والحديث والأصول، وعني عناية خاصة بكتب شيخ الإسلام ابن تيمية وكتب العلامة ابن القيم، وكان لكتب هذين الإمامين أكبر الأثر في تكوين شخصيته العلمية المتميزة، والأخذ بيده إلى مصادر العلم الصحيحة، فتكون لديه الاتجاه السليم منذ صغره وتركزت في قلبه العقيدة الصحيحة، وتخرج على كتب هذين الإمامين المحققين.
رحلاته:
ولما استوعب ما يدرس في بلدته من علوم الفقه والعربية والحديث والتفسير، تطلع إلى الزيادة وعزم على الرحلة إلى علماء البلاد المجاورة للاستفادة من علومهم فرحل إلى البصرة وإلى الإحساء، وإلى مكة والمدينة والتقى بعلماء تلك البلدان وأخذ عنهم واستحصل على الكتب والمراجع، ولنترك المجال لحفيده الشيخ عبد الرحمن بن حسن ليحدثنا عن تلك الرحلات المباركة.
قال إنه نشأ في طلب العلم وتخرج على أهله في سن الصبا. ثم رحل لطلب العلم إلى البصرة مراراً وللأحساء ثم إلى المدينة، ثم قال في تفصيل ذلك:
فظهر شيخنا بين أبيه وعمه، فحفظ القرآن وهو صغير، وقرأ في فنون العلم وصار له فهم قوي وهمة عالية في طلب العلم. فصار يناظر أباه وعمه في بعض المسائل بالدليل على بعض الروايات عن الإمام أحمد والوجوه عن الأصحاب. فتخرج عليهما في الفقه وناظرهما في مسائل قرأها في الشرح الكبير والمغني والإنصاف لما فيها من مخالف ما في متن المنتهى، والإقناع –وعلت همته إلى طلب التفسير والحديث.
فسافر إلى البصرة غير مرة كل مرة يقيم بين من كان بها من العلماء، فأظهر الله له من أصول الدين ما خفي على غيره. وكذلك ما كان عليه أهل السنة في توحيد الأسماء والصفات والإيمان –إلى أن قال: فصنف في البصرة كتاب التوحيد الذي شهد له بفضله بتصنيفه القريب والبعيد، أخذه من الكتب التي في مدارس البصرة من كتب الحديث –إلى أن قال: ثم إن شيخنا رحمه الله تعالى بعد رحلته إلى البصرة وتحصيل ما حصل بنجد رحل إلى الأحساء وفيها فحول العلماء منهم عبد الله بن فيروز أبو محمد الكفيف، ووجد عنده من كتب شيخ الإسلام ابن تيمية وابن القيم ما سر به، وأثنى على عبد الله هذا بمعرفته بعقيدة الإمام أحمد، وحضر مشائخ الأحساء، ومن أعظمهم عبد الله بن عبد اللطيف القاضي فطلب منه أن يحضر الأول من فتح الباري على البخاري ويبين له ما غلظ فيه الحافظ في مسألة الإيمان وبين أن الأشاعرة خالفوا ما صدر به البخاري كتابه من الأحاديث والآثار، وبحث معهم في مسائل وناظر، وهذا أمر مشهور يعرفه أهل
الأحساء وغيرهم من أهل نجد –إلى أن قال: ثم إن شيخنا رحمه الله تعالى، قد تبين له بما فتح الله تعالى عليه ضلال من ضل باتخاذ الأنداد وعبادتها من دون الله في كل قطر وقرية إلا من شاء الله، فلما قضى الحج وقف في الملتزم وسأل الله تعالى أن يظهر هذا الدين بدعوته وأن يرزقه القبول من الناس، فخرج قاصداً المدينة مع الحاج يريد الشام، فعرض له بعض سراق الحجيج فضربوه وسلبوه وأخذوا ما معه وشجوا رأسه وعاقه ذلك عن سيره مع الحجاج، فقدم المدينة بعد أن خرج الحاج منها فأقام بها وحضر عند العلماء إذ ذاك منهم الشيخ محمد حياة السندي وأخذ عنه كتب الحديث إجازة في جميعها، وقراءة لبعضها، ووجد فيها بعض الحنابلة1 فكتب كتاب الهدى لابن القيم بيده وكتب متن البخاري وحضر في النحو وحفظ ألفية ابن مالك.
حدثني بذلك حماد بن حمد عنه رحمهما الله، ثم رجع إلى نجد وهم على الحالة التي لا يحبها الله –انتهى المقصود2.
فأنت ترى أيها القارئ من هذا السياق قوة الأسباب التي بذلها الشيخ لتحصيل العلم: كثرة الحفظ وكثرة القراءة والاطلاع وكثرة الرحلات في طلب العلم للتلقي عن العلماء مع شدة الذكاء والنية الصالحة –إن هذه الأسباب مع توفيق الله تعالى كفيلة بتوفر التحصيل وهذا ما حصل.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 منهم الشيخ عبد الله بن إبراهيم بن سيف وابنه.
2 الدرر السنية 9/215-216.
حالة المسلمين عند ظهور دعوة الشيخ محمد بن عبد الوهاب:
لقد ذكر المؤرخون كابن غنام وابن بشر، وغيرهما عن حالة أهل نجد خصوصاً –والعالم الإسلامي عموماً- الشيء الكثير من ظهور البدع والخرافات والشركيات والجهل بحقيقة الدين الصحيح. ففي نجد كانت القبور والأشجار والأحجار والمغارات تعبد من دون الله بأنواع من القربات، وفي الحجاز واليمن وغيرها من البلاد في ذلك الشيء الكثير، يقول العلامة محمد بن إسماعيل الصنعاني في قصيدة له يصف المظاهر الشركية في البلاد الإسلامية وهو معاصر للشيخ محمد، وقد وصف ما يفعل ويمارس حول القبور من الشرك الأكبر ويثني على دعوة الشيخ:
وقد جاءت الأخبار عنه بأنه يعيد لنا الشرع الشريف بما يبدي
وينشر جهرا ما طوى كل جاهل ومبتدع منه فوافق ما عندي
ويعمر أركان الشريعة هادما مشاهد ضل الناس فيها عن الرشد
أعادوا بها معنى سواع ومثله يغوث وود بئس ذلك من ود
وقد هتفوا عند الشدائد باسمها كما يهتف المضطر بالصمد الفرد
وكم عقروا في سوحها من عقيرة أهلت لغير الله جهرا على عمد
وكم طائف حول القبور مقبل ومستلم الأركان منهن باليد
ويقول الإمام الشوكاني وهو من المعاصرين لدعوة الشيخ أيضاً –يقول في وصف ما يفعل عند القبور من الشرك: وكم قد سرى عند تشييد أبنية القبور وتحسينها من مفاسد يبكي لها الإسلام. منها اعتقاد الجهلة لها كاعتقاد الكفار للأصنام، وعظم ذلك فظنوا أنها قادرة على جلب النفع ودفع الضرر، فجعلوها مقصداً لطلب قضاء الحوائج وملجأ لنجاح المطالب، وسألوا منها ما يسأله العباد من ربهم وشدوا إليها الرحال وتمسحوا بها واستغاثوا، وبالجملة إنهم لم يدعو شيئاً مما كانت الجاهلية تفعله بالأصنام إلا فعلوه، فإن لله وإنا إليه راجعون، ومع هذا المنكر الشنيع والكفر الفظيع لا نجد من يغضب لله ويغار حمية للدين الحنيف لا عالماً ولا متعلماً ولا أميراً ولا وزيراً ولا ملكاً، وقد توارد إلينا من الأخبار ما لا يشك معه أن كثيراً من هؤلاء القبوريين أو أكثرهم إذا توجهت عليه يمين من جهة خصمه حلف بالله فاجراً –فإذا قيل له بعد ذلك: احلف بشيخك ومعتقدك الولي الفلاني تلعثم وتلكأ وأبى واعترف بالحق، وهذا من أبين الأدلة الدالة على أن شركهم قد بلغ فوق شرك من قال إنه تعالى ثاني اثنين أو ثالث ثلاثة، فيما علماء الدين ويا ملوك المسلمين أي رزء للإسلام أشد من الكفر، وأي بلاء لهذا الدين أضر عليه من عبادة غير الله، وأي مصيبة يصاب بها المسلمون تعدل هذه المصيبة، وأي منكر يجب إنكاره إن لم يكن إنكار هذا الشرك البين واجباً:
لقد أسمعت لو ناديت حياً ولكن لا حياة لمن تنادي
ولو ناراً نفحت بها أضاءت ولكن أنت تنفخ في رماد
انتهى1.
وقد ألف كل من هذين الإمامين2 رسالة في التحذير من هذا الشرك الذي فشا في البلدان في عصرهما فألف الصنعاني رسالة اسمها تطهير الاعتقاد عن أدران الإلحاد، وألف الشوكاني رسالة اسمها شفاء
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 نيل الأوطار 4/90.
2 الصنعاني والشوكاني.
الصدور بتحريم البناء على القبور، والرسالتان مطبوعتان ومتداولتان. وفي هذا الجو المظلم ظهر شيخ الإسلام محمد بن عبد الوهاب بالعقيدة السليمة والدعوة المستقيمة –وقال بعض علماء نجد في وصف الحالة التي كانوا عليها قبل ظهور دعوة الشيخ وهم من المعاصرين له.
(من محمد بن غيهب ومحمد بن عيدان إلى عبد الله المويس، الباعث للكتاب إخبارك عن ديننا قبل أن يجعل هذا الشيخ لهذا القرن1 يدعوهم إلى الله وينصح لهم، ويأمرهم وينهاهم حتى أطلع الله به شموس الوحي وأظهر به الدين، وفرق به أهل الباطل من السادة والكهان والمرتشين فهو غريب في علماء هذا الزمان هو في شأن وهم في شأن آخر، رفع الله له علم الجهاد فشمر إليه فأمر ونهى ودعا إلى الله تعالى ونصح ووفى بالعهد لما نقضوه، وشمر عن ساعد الجد لما تركوه، وتمسك بالكتاب المنزل لما نبذوه فبدعوه وكفروه، فديننا قبل هذا الشيخ المجدد لم يبق منه إلا الدعوى والإسم فوقعنا في الشرك فقد ذبحنا للشياطين ودعونا الصالحين ونأتي الكهان ولا نفرق بين أولياء الرحمن وأولياء الشيطان، ولا بين توحيد الربوبية الذي أقر به مشركو العرب وتوحيد الألوهية الذي دعت إليه الرسل، ولا نفرق بين السنة والبدعة، فنجتمع لليلة النصف من شعبان لصلاتها الباطلة التي لم ينزل بها من سلطان ونضيع الفريضة، ونقدم قبل الصلاة الوسطى –صلاة العصر- من الهذيبان ما يفوتها عن وقت الاختيار إلى وقت الضرورة، هذا وأضعافه من البدع لم ينهنا عنه علماؤنا بل أقرونا عليه وفعلوه معنا
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 كذا في الأصل، ولعل الصواب: "يجيء" بدل " يجعل".
فلا يأمرون بمعروف ولا ينهون عن منكر، ولا ينصحون جاهلاً ولا يهدون ضالاً والكلام من جهتهم طويل عصمنا الله وإياك من الاقتداء بهم واتباع طريقتهم فكن منهم على حذر إلا القليل منهم ويكفيك عن التطويل أن الشرك بالله يخطب به على منابرهم ومن ذلك قول ابن الكهمري: اللهم صل على سيدنا وولينا ملجانا منجانا معاذنا ملاذنا، وكذلك تعطيل الصفات في خطب الطيبي فيشهد أن الله لا جسم ولا عرض ولا قوة.
فقبل هذا الشيخ لا تؤدي أركان الإسلام كالصلاة والزكاة، فلم يكن في بلدنا من يزكي الخارج من الأرض حتى جاء الحق وزهق الباطل إن الباطل كان زهوقاً1.
عقيدة الشيخ محمد بن عبد الوهاب رحمه الله:
قال رحمه الله جواباً لمن سألة عن عقيدته2:
بسم الله الرحمن الرحيم
أشهد الله ومن حضرني من الملائكة وأشهدكم أني أعتقد ما اعتقده الفرقة الناجية أهل السنة والجماعة من الإيمان بالله وملائكته وكتبه ورسله والبعث بعد الموت، والإيمان بالقدر خيره وشره، ومن الإيمان بالله الإيمان بما وصف به نفسه في كتابه وعلى لسان رسوله صلى الله عليه وسلم
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 من كتاب علماء نجد خلال ستة قرون للشيخ عبد الله البسام 2/605-606.
2 انظر الدرر السنية 1/28/30.
من غير تحريف ولا تعطيل، بل أعتقد أن الله سبحانه وتعالى {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ}، فلا أنفي عنه ما وصف به نفسه ولا أحرف الكلم عن مواضعه، ولا ألحد في أسمائه وآياته، ولا أكيف، ولا أمثل صفاته تعالى بصفات خلقه لأنه تعالى لا سمي له ولا كفو له، ولا ند له، ولا يقاس بخلقه فإنه سبحانه أعلم بنفسه وبغيره وأصدق قيلاً وأحسن حديثاً فنزه نفسه عما وصفه به المخالفون من أهل التكييف والتمثيل وعما نفاه عنه النافون من أهل التحريف والتعطيل فقال: {سُبْحَانَ رَبِّكَ رَبِّ الْعِزَّةِ عَمَّا يَصِفُونَ. وَسَلامٌ عَلَى الْمُرْسَلِينَ. وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ}1، والفرقة الناجية وسط في باب أفعاله تعالى بين القدرية والجبرية.
وهم وسط في باب وعيد الله بين المرجئة والوعيدية؛ وهم وسط في باب الإيمان والدين بين الحرورية والمعتزلة، وبين المرجئة والجهمية، وهم وسط في باب أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم بين الرافضة والخوارج. وأعتقد أن القرآن كلام الله منزل غير مخلوق منه بدأ وإليه يعود: وأنه تكلم به حقيقة وأنزله على عبده ورسوله وأمينه على وحيه وسفيره بينه وبين عبده نبينا محمد صلى الله عليه وسلم؛ وأومن بأن الله فعال لما يريد، ولا يكون شيء إلا بإرادته، ولا يخرج عن مشيئته، وليس شيء في العالم يخرج عن تقديره ولا يصدر إلا عن تدبيره ولا محيد لأحد عن القدر المحدود ولا يتجاوز ما خط له في اللوح المسطور، واعتقد الإيمان بكل ما أخبر به صلى الله عليه وسلم مما يكون بعد الموت، فأؤمن بفتنة القبر ونعيمه، وبإعادة الأرواح إلى الأجساد، فيقوم الناس لرب العالمين حفاة عراة غرلا تدنو منهم الشمس،
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 سورة الصافات الآيات: 180-181-182
وتنصب الموازين وتوزن بها أعمال العباد {فَمَنْ ثَقُلَتْ مَوَازِينُهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ. وَمَنْ خَفَّتْ مَوَازِينُهُ فَأُولَئِكَ الَّذِينَ خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ فِي جَهَنَّمَ خَالِدُونَ}1.
وتنشر الدواوين فآخذ كتابه بيمينه وآخذ كتابه بشماله، فأؤمن بحوض نبينا محمد صلى الله عليه وسلم بعرصة القيامة ماؤه أشد بياضاً من اللبن وأحلى من العسل، آنيته عدد نجوم السماء من شرب منه شربة لم يظمأ بعدها أبداً. وأؤمن بأن الصراط منصوب على شفير جهنم يمر به الناس على قدر أعمالهم. وأؤمن بشفاعة النبي صلى الله عليه وسلم وأنه أول شافع وأول مشفع، ولا ينكر شفاعة النبي صلى الله عليه وسلم إلا أهل البدع والضلال، ولكنها لا تكون إلا من بعد الإذن والرضا كما قال الله تعالى: {وَلا يَشْفَعُونَ إِلَّا لِمَنِ ارْتَضَى}2، وقال: {مَنْ ذَا الَّذِي يَشْفَعُ عِنْدَهُ إِلَّا بِإِذْنِه}3، وقال تعالى: {وَكَمْ مِنْ مَلَكٍ فِي السَّمَاوَاتِ لا تُغْنِي شَفَاعَتُهُمْ شَيْئاً إِلَّا مِنْ بَعْدِ أَنْ يَأْذَنَ اللَّهُ لِمَنْ يَشَاءُ وَيَرْضَى}4، وهو لا يرضى إلا التوحيد ولا يأذن إلا لأهله. وأما المشركون فليس لهم من الشفاعة نصيب، كما قال تعالى: {فَمَا تَنْفَعُهُمْ شَفَاعَةُ الشَّافِعِينَ}5.
وأؤمن بأن الجنة والنار مخلوقتان، وأنهما اليوم موجودتان، وأنهما لا يفنيان ؛ وأن المؤمنين يرون ربهم بأبصارهم يوم القيامة كما يرون
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 سورة المؤمنون الآيتان: 102-103.
2 سورة الأنبياء من الآية: 28.
3 سورة البقرة من الآية: 255.
4 سورة النجم الآية: 26.
5 سورة المدثر الآية: 48.
القمر ليلة البدر لا يضامون في رؤيته، وأؤمن بأن نبينا محمداً صلى الله عليه وسلم خاتم النبيين والمرسلين، ولا يصح إيمان عبد حتى يؤمن برسالته ويشهد بنبوته وأن أفضل أمته أبو بكر الصديق، ثم عمر الفاروق، ثم عثمان ذو النورين، ثم علي المرتضي، ثم بقية العشرة، ثم أهل بدر، ثم أهل الشجرة أهل بيعة الرضوان، ثم سائر الصحابة رضي الله عنهم. وأتولى أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم وأذكر محاسنهم وأترضى عنهم وأستغفر لهم وأكف عن مساويهم وأسكت عما شجر بينهم، وأعتقد فضلهم عملا بقوله تعالى : {وَالَّذِينَ جَاءُوا مِنْ بَعْدِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلِإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالْأِيمَانِ وَلا تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنَا غِلّاً لِلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنَا إِنَّكَ رَؤُوفٌ رَحِيمٌ}1.
وأترضى عن أمهات المؤمنين المطهرات من كل سوء، وأقر بكرامات الأولياء وما لهم من المكاشفات إلا أنهم لا يستحقون من حق الله تعالى شيئاً، ولا يطلب منهم ما لا يقدر عليه إلا الله. ولا أشهد لأحد من المسلمين بجنة ولا نار إلا من شهد له رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولكني أرجو للمحسن وأخاف على المسيء، ولا أكفر أحداً من المسلمين بذنب2، ولا أخرجه من دائرة الإسلام، وأرى الجهاد ماضياً مع كل إمام براً كان أو فاجراً وصلاة الجماعة خلفهم جائزة، والجهاد ماض منذ بعث محمداً صلى الله عليه وسلم إلى أن يقاتل آخر هذه الأمة الدجال لا يبطله جور جائر ولا عدل عادل، وأرى وجوب السمع والطاعة لأئمة المسلمين برهم وفاجرهم ما لم يأمروا بمعصية الله، ومن ولي الخلافة واجتمع عليه الناس ورضوا به وغلبهم بسيفه حتى صار خليفة وجبت
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 سورة الحشر الآية: 10.
2 يعني الذنب الذي ليس هو من نواقض الإسلام.
طاعته؛ وحرم الخروج عليه، وأرى هجر أهل البدع ومباينتهم حتى يتوبوا، وأحكم عليهم بالظاهر وأكل أسرارهم إلى الله، وأعتقد أن كل محدثة في الدين بدعة، وأعتقد أن الإيمان قول باللسان وعمل بالأركان واعتقاد بالجنان يزيد بالطاعة وينقص بالمعصية وهو بضع وسبعون شعبة أعلاها شهادة أن لا إله إلا الله وأدناها إماطة الأذى عن الطريق.
وأرى وجوب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر على ما توجبه الشريعة المحمدية الطاهرة، فهذه عقيدة وجيزة حررتها وأنا مشتغل البال لتطلعوا على ما عندي والله على ما نقول وكيل ... انتهى.
وبهذا يعلم أن عقيدته رحمه الله هي عقيدة السلف الصالح، وأنه بريء مما نسبه إليه أعداء الدين من أنه على مذهب الخوارج.
بدئ دعوة الشيخ محمد رحمه الله:
في وسط هذا الجو المظلم الذي سبق وصفه سطعت دعوة الشيخ محمد بن عبد الوهاب، ورفع صوته منكراً هذا الشرك داعياً الناس إلى التوحيد الذي بعث به رسوله محمداً صلى الله عليه وسلم فلقي من الناس ما يلقاله أمثاله من الدعاة إلى الله من الأذى، وأطاعه من وفقه الله لقبول الحق.
يقول حفيده الشيخ عبد الرحمن بن حسن رحمه الله: ثم رجع إلى نجد وهم على الحالة التي لا يحبها الله ولا يرضاها من الشرك بعبادة الأموات والأشجار والأحجار والجن. فقام فيهم يدعوهم إلى التوحيد
وأن يخلصوا العبادة بجميع أنواعها لله، وأن يتركوا ما كانوا يعبدونه من قبر أو طاغوت أو شجر أو حجر والناس يتبعه الواحد منهم والإثنان، فصاح به الأكثرون وحذروا منه الملوك وأغروهم بعداوته. انتهى1.
وهذا لا يعني أنه لا يوجد في هذا العصر علماء، بل يوجد منهم الكثير، ولكن هم ما بين مستحسن لهذا الوضع السيء أو غير مستحسن له، لكنه لا يملك الشجاعة لمقاومته.
أصول دعوة الشيخ رحمه الله:
لقد أوضح أصول دعوته في رسائله حيث قال2:
1- أما ما نحن عليه من الدين فعلى دين الإسلام الذي قال الله فيه: {وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الْأِسْلامِ دِيناً فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي الْآخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ}3.
2- وأما ما ادعونا الناس إليه فندعوهم إلى التوحيد الذي قال الله فيه خطاباً لنبيه صلى الله عليه وسلم: {قُلْ هَذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللَّهِ عَلَى بَصِيرَةٍ أَنَا وَمَنِ اتَّبَعَنِي وَسُبْحَانَ اللَّهِ وَمَا أَنَا مِنَ الْمُشْرِكِينَ}4، وقوله تعالى: {وَأَنَّ الْمَسَاجِدَ لِلَّهِ فَلا تَدْعُو مَعَ اللَّهِ أَحَداً}5.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 الدرر السنية 9/216.
2 الدرر السنية 1/62-64.
3 سورة آل عمران الآية: 85.
4 سورة يوسف الآية: 108.
5 سورة الجن الآية: 18.
3- وأما ما نهينا الناس عنه فنهيناهم عن الشرك الذي قال الله فيه: {إِنَّهُ مَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدْ حَرَّمَ اللَّهُ عَلَيْهِ الْجَنَّةَ وَمَأْوَاهُ النَّارُ}1، وقوله تعالى لنبيه صلى الله عليه وسلم على سبيل التغليظ، وإلا فهو منزه هو وإخوانه عن الشرك {وَلَقَدْ أُوحِيَ إِلَيْكَ وَإِلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكَ لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ وَلَتَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ}2، وغير ذلك من الآيات.
4- ونقاتلهم عليه كما قال الله تعالى: {وَقَاتِلُوهُمْ حَتَّى لا تَكُونَ فِتْنَةٌ}3 أي شرك، ثم ساق الأدلة على ذلك إلى أن قال:
5- وأما ما ذكرتم من حقيقة الاجتهاد فنحن مقلدون للكتاب والسنة وصالح الأمة وما عليه الاعتماد من أقوال الأئمة الأربعة أبي حنفية النعمان بن ثابت ومالك بن أنس ومحمد بن إدريس الشافعي وأحمد بن حنبل رحمهم الله.
6- وما جئنا بشيء يخالف النقل ولا ينكره العقل... نقاتل عباد الأوثان4 كما قاتلهم صلى الله عليه وسلم ونقاتلهم على ترك الصلاة، وعلى منع الزكاة، كما قاتل مانعها صديق هذه الأمة أبو بكر الصديق رضي الله عنه. انتهى.
وقال في رسالة أخرى من رسائله5:
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 سورة المائدة من الآية: 72.
2 سورة الزمر الآيتان: 65-66.
3 سورة البقرة من الآية: 193.
4 وقال في بعض أجوبته: نقاتلهم بعد ما نقيم الحجة عليهم من كتاب الله وسنة رسوله وإجماع السلف الصالح من الأئمة متمثلين قوله تعالى: {وَقَاتِلُوهُمْ حَتَّى لا تَكُونَ فِتْنَةٌ وَيَكُونَ الدِّينُ كُلُّهُ لِلَّهِ} آية: 39 من الأنفال، انتهى الدرر السنية 1/58.
5 الدرر السنية 1/56.
7- وأما التكفير فأنا أكفر من عرف دين الرسول ثم بعدما عرفه سبه ونهى الناس عنه وعادى كم فعله، فهذا الذي أكفره، وأكثر الأمة ولله الحمد ليسوا كذلك1.
8- وأما القتال فلم نقاتل أحداً إلا دون النفس والحرمة، فإنا نقاتل على سبيل المقابلة {وَجَزَاءُ سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِثْلُهَا}2.
وكذلك من جاهر بسب دين الرسول بعد ما عرفه. وقال أيضاً3
9- وأيضاً ألزمت من تحت يدي بإقام الصلاة وإيتاء الزكاة وغير ذلك من فرائض الله ونهيتهم عن الربا وشرب المسكر وأنواع المنكرات.
المراحل التي مرت بها دعوة الشيخ محمد رحمه الله:
بدأ الشيخ دعوته في بلدة حريملاء لوجود والده فيها، ولكن لما كانت الظروف غير مواتية ترك هذه البلدة بحثاً عن غيرها، فاتجه إلى العيينة واتصل بأميرها عثمان بن معمر فساعده في أول الأمر واجتمع حوله طلبة، وبدأ بتنفيذ الأحكام الشرعية، فهدم بعض القباب الشركية ورجم في الزنا.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 وقال: فإن قال قائلهم: إنهم يكفرون بالعموم، فنقول سبحانك هذا بهتان عظيم، الذي نكفر الذي يشهد أن التوحيد دين الله ودين رسوله، وأن دعوة غير الله باطلة، ثم بعد هذا يكفر أهل التوحيد ويسميهم بالخوارج.
2 سورة الشورى من الآية: 40.
3 الدرر السنية 1/54.
ثم إن ابن معمر تخلى عنه خوفاً من تهديد بعض الرؤساء، فترك الشيخ العيينة وبحث عن غيرها فاتجه إلى الدرعية واتصل بأميرها محمد بن سعود وعرض عليه دعوته فقبلها وبايعه على مناصرته، وصدق في ذلك. وهناك استقر الشيخ رحمه الله وانعقدت حوله حلق الدروس ووفد إليه الطلاب من مختلف الجهات. وتكونت في هذه البلدة ولاية إسلامية أميرها الإمام محمد بن سعود، وموجهها الشيخ محمد بن عبد الوهاب، وامتدت الدعوة إلى البلاد المجاورة، ونشأ الجهاد في سبيل الله لإعلاء كلمة التوحيد وقمع الشرك. وما هي إلا فترة وجيزة حتى انتشرت الدعوة وتوحدت جميع البلدان النجدية تحت رايتها. وامتدت فيما بعد ذلك إلى الحجاز وعسير وشمال الجزيرة. وكان ذلك بفضل الله وحده ثم مؤازة آل سعود لهذه الدعوة المباركة، وصدق الله وعده {إِنْ تَنْصُرُوا اللَّهَ يَنْصُرْكُمْ وَيُثَبِّتْ أَقْدَامَكُمْ}1، {وَإِنَّ جُنْدَنَا لَهُمُ الْغَالِبُونَ}2، {وَلَيَنْصُرَنَّ اللَّهُ مَنْ يَنْصُره}3.
المراجع التي يعتمد عليها الشيخ رحمه وعلماء الدعوة بعده والمنهج الذي يسيرون عليه في الفتوى وأخذ المسائل:
المراجع التي يعتمد عليها علماء الدعوة هي:
1-القرآن الكريم وتفاسيره المعتمدة.
2-السنة النبوية وشروحها.
3-كتب شيخ الإسلام ابن تيمية وتلميذه وابن القيم وغيرها من كتب السلف في سائر الفنون.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 سورة محمد من الآية: 7.
2 سورة الصافات الآية: 173.
3 سورة الحج من الآية: 40.
4-كتب المذاهب الأربعة وبالأخص كتب المذهب الحنبلي وما ترجح بالدليل من غيره1.
يقول الشيخ عبد الله بن الشيخ محمد بن عبد الوهاب2:
مذهبنا في أصول الدين مذهب أهل السنة والجماعة وطريقتنا طريقة السلف وهي أنا نقر آيات الصفات وأحاديثها على ظاهرها.
ونحن أيضاً في الفروع على مذهب الإمام أحمد بن حنبل ولا ننكر على من قلد أحد الأئمة الأربعة.
ولا نستحق مرتبة الاجتهاد المطلق ولا أحد لدينا يدعيها. إلا أننا في بعض المسائل إذا صح لنا نص جلي من كتاب أو سنة غير منسوخ ولا مخصص ولا معارض بأقوى منه، وقال به أحد الأئمة الأربعة أخذنا به وتركنا المذهب كإرث الجد والإخوة، فإنا نقدم الجد بالإرث وإن خالف مذهب الحنابلة.
ولا مانع من الاجتهاد في بعض المسائل دون بعض، فلا مناقضة لعدم دعوى الاجتهاد، وقد سبق جمع من أئمة المذاهب الأربعة إلى اختيارات لهم في بعض المسائل مخالفين للمذهب الملتزمين تقليد صاحبه.
ثم إنا نستعين على فهم كتاب الله بالتفاسير المتداولة المعتبرة، ومن أجلها لدينا تفسير ابن جرير ومختصره لابن كثير الشافعي، وكذا البغوي والبيضاوي، والخازن والحداد والجلالين وغيرهم.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 قال الشيخ محمد رحمه الله: (وأما المتأخرون رحمهم الله فكتبهم عندنا فنعمل بما وافق النص منها وما لا يوافق النص لا نعمل به) انتهى من الدرر السنية 1/65.
2 الدرر السنية 1/126.
وعلى فهم الحديث بشروح الأئمة المبرزين كالعسقلاني والقسطلاني على البخاري، والنووي على مسلم والمناوي على الجامع الصغير، ونحرص على كتب الحديث. خصوصاً الأمهات الست وشروحها ونعتني بسائر الكتب في سائر الفنون أصولاً وفروعاً وقواعد وسيراً ونحواً وصرفاً وجميع علوم الأمة.
هذا وعندنا أن الإمام ابن القيم وشيخه إماماً حق من أهل السنة، وكتبهم عندنا من أعز الكتب إلا أنا غير مقلدين لهما في كل مسألة، فإن كل أحد يؤخذ من قوله يترك إلا نبينا محمداً صلى الله عليه وسلم ومعلوم مخالفتنا لهما في عدة مسائل، منها طلاق الثلاث بلفظ واحد في مجلس فإنا نقول به تبعاً للأئمة الأربعة.
ثمرات دعوة الشيخ محمد بن عبد الوهاب رحمه الله وآثارها:
إن كل دعوة من الدعوات وكل عمل من الأعمال إنما تعرف قيمته من ثمراته المترتبة عليه ومن أثره الذي يتركه. وإن دعوة الشيخ ولله الحمد لما كانت دعوة خالصة لله مترسمة منهج رسول الله صلى الله عليه وسلم معتمدة عليه ومستمدة من الكتاب والسنة صار لها أطيب الآثر واستمر نفعها، وبقي أثرها وأنتجت للأمة خيرات كثيرة منها:
1- قيام دولة إسلامية وهي دولة آل سعود الذين آزروا هذه الدعوة وجاهدوا في سبيلها، ولا تزال هذه الدولة ولله الحمد تحكم بشريعة الله وتخدم الحرمين الشريفين وتشد أزر المسلمين في كل مكان من بقاع العالم بعمارة المساجد والمراكز الإسلامية والتعليمية وتنشر دعوة الإسلام.
2- تصحيح العقيدة الإسلامية مما علق بها من الشركيات والبدع والخرافات إلى منبعها الصافي من كتاب الله وسنة رسوله، وقد طهر الله كل البلاد التي صار لهذه الدعوة المباركة فيها نفوذ وسلطة من جميع مظاهر الشرك والبدع والخرافات.
3- امتداد أثر هذه الدعوة المباركة خارج بلادها حتى انتفع بها من هدفه الحق في مختلف بلدان العالم الإسلامي في الشام ومصر والمغرب العربي، وإفريقيا والسودان واليمن والعراق والهند والباكستان وأندونيسيا وغيرها.
4- وجود حركة علمية واهية متحررة من التقليد الأعمى، فانتشر التعليم في المساجد في مختلف مناطق البلاد حتى تخرج منها علماء أفذاذ في حياة الشيخ وبعدها
قاموا بنشر هذه الدعوة ورعايتها إلى يومنا هذا، ثم أسست لهذا التعليم جامعات إسلامية تخرج الأفواج تلو الأفواج من مختلف العالم الإسلامي مسلحين بالعقيدة الصحيحة والفكر السليم ينتشرون في العالم الإسلامي وغيره للدعوة إلى الله.
5- نشاط حركة التأليف والنشر، فقد قدم علماء هذه الدعوة للأمة الإسلامية رصيداً من الكتب النافعة في الأصول والفروع ومن ذلك:
1) مؤلفات الشيخ محمد بن عبد الوهاب إمام الدعوة ويتكون مجموعها من اثني عشر مجلداً في الفقه والعقائد والتفسير والحديث والسيرة.
2) مجموع الفتاوى والرسائل لعلماء الدعوة ويتكون من أحد عشر مجلداً.
3) كتب ألفها أئمة الدعوة في مختلف العصور للرد على خصوم الدعوة، وتبلغ العديد من المجلدات وهي مطبوعة ومتداولة.
4) نشر كتب السلف وتوزيعها على المسلمين في موسم الحج وغيره.
5) نشر كل مفيد من المؤلفات العصرية وتوزيعها مجاناً.
الشبه التي أثيرت حول دعوة الشيخ والرد عليها:
تعرضت دعوة الشيخ كغيرها من دعوات المصلحين للنقد من قبل خصومها وأثيرت حولها شبهات ربما تروج على من لم يعرف حقيقتها، وقد أثير كثير من هذه الشبهات في حياة الشيخ ورد عليها بنفسه، وأثير البعض الآخر –أو بالأصح- أعيدت إثارة تلك الشبه بعد وفاته، فرد عليها تلامذته وغيرهم من محققي علماء المسلمين الذين لا يروج عليهم البهرج والكذب، ولا تأخذهم في الله لومة لائم.
ومن هذه الشبه:
1- قالوا: إنه يبطل كتب المذاهب الأربعة ويقول إن الناس من ستمائة سنة ليسوا على شيء.
2- وأنه يدعي الاجتهاد وأنه خارج عن التقليد وأنه يقول اختلاف العلماء نقمة.
3- قالوا: إنه يحرم زيارة قبر الرسول صلى الله عليه وسلم وزيارة قبر الوالدين وغيرهما.
4- وأنه يكفر من حلف بغير الله.
وقد أجاب الشيخ عن هذه بقوله:
جوابي عن هذه المسائل أني أقول: سبحانك هذا بهتان عظيم، وقبله من بهت النبي صلى الله عليه وسلم أنه يسب عيسى بن مريم ويسب الصالحين فتشابهت قولبهم بافتراء الكذب والزور قال تعالى: {إِنَّمَا يَفْتَرِي الْكَذِبَ الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ}1 بهتوه صلى الله عليه وسلم بأنه يقول إن الملائكة وعيسى وعزيراً في النار، فأنزل الله في ذلك: {إِنَّ الَّذِينَ سَبَقَتْ لَهُمْ مِنَّا الْحُسْنَى أُولَئِكَ عَنْهَا مُبْعَدُونَ}2 انتهى3.
5- قالوا: إنه ينهى عن الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم وأنه يقول لو أن لي أمراً هدمت قبة النبي صلى الله عليه وسلم وأنه يتكلم في الصالحين وينهى عن محبتهم.
وقد أجاب الشيخ عن ذلك بقول: هذا كذب وبهتان افتراه علي الشياطين الذين يريدون أن يأكلوا أموال الناس بالباطل4.
6- قالوا: إنه يكفر جميع الناس إلا من اتبعه وأن أنكحتهم غير صحيحة.
وقد أجاب الشيخ عن ذلك بقوله: يا عجباً كيف يدخل هذا في عقل عاقل وهل يقول هذا مسلم، إني أبرأ إلى الله من هذا القول الذي ما يصدر إلا من مختل العقل فاقد الإدراك، فقاتل الله أهل الأغراض الباطلة5.
7- قالوا: إنه يكفر بالعموم ويوجب الهجرة إليه على من قدر على إظهار دينه.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 سورة النحل من الآية: 105.
2 سورة الأنبياء الآية: 101.
3 الدرر السنية 1/30-31.
4 الدرر السنية 1/52.
5 الدرر السنية 1/55
وقد أجاب الشيخ عن ذلك بقوله: كل هذا من الكذب والبهتان الذي يصدون بها الناس عن دين الله ورسوله، وإذا كنا لا نكفر من عبد الصنم الذي على عبد القادر، والصنم الذي على قبر أحمد البدوي وأمثالها لأجل جهلهم وعدم من ينبههم، فكيف نكفر من لم يشرك بالله إذا لم يهاجر إلينا أو لم يكفر ويقاتل1 {سُبْحَانَكَ هَذَا بُهْتَانٌ عَظِيمٌ}2 انظر الدرر (1/66).
8- قالوا: إنه ينكر الشفاعة، فرد الشيخ على ذلك بقوله: ثم بعد هذا يذكر لنا أن عدوان الإسلام الذين ينفرون الناس عنه يزعمون أننا ننكر شفاعة الرسول صلى الله عليه وسلم، فنقول:{سُبْحَانَكَ هَذَا بُهْتَانٌ عَظِيمٌ}. بل نشهد أن رسول الله صلى الله عليه وسلم الشافع المشفع صاحب المقام المحمود نسأل الله الكريم رب العرش العظيم أن يشفعه فينا، وأن يحشرنا تحت لوائه، هذا اعتقادنا وهذا الذي مشى عليه السلف الصالح من المهاجرين والأنصار والتابعين وتابع التابعين، والأئمة الأربعة رضي الله عنهم أجمعين، وهم أحب الناس لنبيهم وأعظمهم في اتباعه وشرعه، فإن كانوا يأتون عند قبره يطلبونه الشفاعة فإن اجتماعهم حجة، والقائل: إنه يطلب منه الشفاعة بعد موته يورد علينا الدليل من كتاب الله أو سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم أو إجماع الأمة والحق أحق أن يتبع... انتهى3.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 يعني لم يكفر المسلمين ويقاتلهم.
2 سورة النور من الآية: 16.
3 الدرر السنية 1/46.
9- وأما اتهام الشيخ أنه يكفر بالعموم ويقاتل المسلمين، فقد أجاب الشيخ عنه بقول: وأما التكفير فإنا نكفر من عرف دين الرسول، ثم بعدما عرفه سبه ونهى عنه وعادى من فعله، فهذا هو الذي أكفر، وأكثر الأمة ولله الحمد ليسوا كذلك، وأما القتال فلم نقاتل أحداً إلى اليوم إلا دون النفس والحرمة، وهم الذين أتونا في ديارنا ولا أبقوا ممكناً، ولكن قد نقاتل بعضهم على سبيل المقابلة وجزاء سيئة مثلها، وكذلك من جاهر بسب دين الرسول بعدما عرف، فإنا نبين لكم أن هذا هو الحق الذي لا ريب فيه، وأن الواجب إشاعته في الناس وتعليمه الرجال والنساء1. انتهى.
وقال أيضاً لما بين بطلان الذي يفعله القبوريون، فهذا الذي أوجب الاختلاف بيننا وبين الناس، حتى آل بهم الأمر إلى أن كفرونا وقاتلونا واستحلوا دماءنا وأموالنا حتى نصرنا الله عليهم وظفرنا بهم، وهو الذي ندعو الناس إليه ونقاتلهم عليه بعد ما نقيم عليهم الحجة من كتاب الله وسنة رسوله وإجماع السلف الصالح من الأئمة ممتثلين لقوله سبحانه وتعالى: {وَقَاتِلُوهُمْ حَتَّى لا تَكُونَ فِتْنَةٌ وَيَكُونَ الدِّينُ كُلّهُ لِلَّهِ}2، فمن لم يجب الدعوة بالحجة والبيان قاتلنا بالسيف والسنان، كما قال تعالى:{لَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلَنَا بِالْبَيِّنَاتِ وَأَنْزَلْنَا مَعَهُمُ الْكِتَابَ وَالْمِيزَانَ لِيَقُومَ النَّاسُ بِالْقِسْطِ وَأَنْزَلْنَا الْحَدِيدَ فِيهِ بَأْسٌ شَدِيدٌ وَمَنَافِعُ لِلنَّاسِ وَلِيَعْلَمَ اللَّهُ مَنْ يَنْصُرُهُ وَرُسُلَهُ بِالْغَيْبِ إِنَّ اللَّهَ قَوِيٌّ عَزِيزٌ}3 انتهى4.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 الدرر السنية 1/51.
2 سورة الأنفال من الآية: 39.
3 سورة الحديد الآية: 25.
4 الدرر السنية 1/58.
وقال ابنه الشيخ عبد الله بن محمد، مجملاً هذه الشبة مع الرد عليها: وأما ما يكذب علينا ستراً للحق وتلبيساً على الخلق بأنا نفسر القرآن برأينا ونأخذ من الحديث ما وافق فهمنا من دون مراجعة شرح ولا معول على شيخ، وأنا نضع من رتبة نبينا محمد صلى الله عليه وسلم بقولنا: النبي رمة في قبره وعصا أحدنا أنفع منه، وليس له شفاعة، وأن زيارته غير مندوبة، وأنه كان لا يعرف معنى لا إله إلا الله حتى أنزل الله عليه {فَاعْلَمْ أَنَّهُ لا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ}1.
مع كون الآية مدنية، وأنا لا نعتمد على أقوال العلماء ونتلف مؤلفات أهل المذاهب لكون فيها الحق والباطل، وأنا مجسمة، وأنا نكفر الناس على الإطلاق أهل زماننا ومن بعد الستمائة إلا من هو على ما نحن عليه، ومن فروع ذلك أنا لا نقبل بيعة أحد إلا بعد التقرير عليه بأنه كان مشركاً وان أبويه ماتا على الإشراك بالله وأننا ننهى عن الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم ونحرم زيارة القبور المشروعة مطلقاً، وأن من دان بما نحن عليه سقطت عنه جميع التبعات حتى الديون، وأنا لا نرى حقاً لأهل البيت رضوان الله عليهم، وأنا نجبرهم على تزويج غير الكفء لهم، وأنا نجبر بعض الشيوخ على فراق زوجته الشابة لتنكح شاباً إذا ترافعوا إلينا...
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 سورة محمد من الآية: 19.
فلا وجه لذلك فجميع هذه الخرافات وأشباهها لما استفهمنا عنها من ذكر أولا (يعني علماء مكة) كان جوابنا في كل مسألة من ذلك {سُبْحَانَكَ هَذَا بُهْتَانٌ عَظِيمٌ}1.
فمن روى عنا شيئاً من ذلك أو نسبه إلينا فقد كذب علينا وافترى، ومن شاهد حالنا وحضر مجالسنا وتحقق ما عندنا علم قطعاً أن جميع ذلك افتراه علينا أعداء الدين وإخوان الشياطين تنفيراً للناس عن الإذعان بإخلاص التوحيد لله تعالى بالعبادة وترك أنواع الشرك الذي نص الله عليه بأن الله لا يغفره {وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ}2.
فإنا نعتقد أن من فعل أنواعاً من الكبائر كقتل المسلم بغير حق والزنا وشرب الخمر، وتكرر منه ذلك أنه لا يخرج بفعله ذلك عن دائرة الإسلام، ولا يخلد في دار الانتقام إذا مات موحداً بجميع أنواع العبادة، والذي نعتقده أن ربتة نبينا محمد صلى الله عليه وسلم أعلى مارتب المخلوقين على الإطلاق، وأنه حي في قبره حياة برزخية أبلغ من حياة الشهداء المنصوص عليها في التنزيل، إذ هو أفضل منهم بلا ريب، وأنه يسمع سلام المسلم عليه وتسن زيارته إلا أنه لا يشد الرحل إلا لزيارة المسجد والصلاة فيه وإذا قصد مع ذلك الزيارة فلا بأس، ومن أنفق نفيس أوقاته بالاشتغال بالصلاة عليه، عليه الصلاة والسلام الواردة عنه فقد فاز بسعادة الدارين وكفى همه وغمه كما جاء في الحديث عنه، ولا ننكر كرامات الأولياء ونعترف لهم بالحق، وأنهم على هدى من ربهم
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 سبقت.
2 سورة النساء من الآية: 116.
مهما ساروا على الطريقة الشرعية والقوانين المرعية، إلا أنهم لا يستحقون شيئاً من أنواع العبادات لا حال الحياة ولا بعد الممات، بل يطلب من أحدهم الدعاء في حال حياته بل ومن كل مسلم فقد جاء في الحديث: "دعاء المرء المسلم مستجاب لأخيه"1 الحديث. وأمر صلى الله عليه وسلم عمر وعلياً بسؤال الاستغفار من أويس ففعلا.
ونثبت الشفاعة لنبينا محمد صلى الله عليه وسلم يوم القيامة حسب ما ورد، وكذلك نثبتها لسائر الأنبياء، والملائكة والأولياء، والأطفال حسب ما ورد أيضاً.
ونسألهم من المالك لها والآذن فيها لمن يشاء من الموحدين الذين هم أسعد الناس بها كما ورد بأن يقول أحدنا متضرعاً: اللهم شفع نبينا محمداً فينا يوم القيامة، اللهم شفع فينا عبادك الصالحين، أو ملائكتك، أو نحو ذلك مما يطلب من الله لا منهم، فلا يقال يا رسول الله أو يا ولي الله أسألك الشفاعة أو غيرها كأدركني أو أغثني أو اشفني أو انصرني على عدوي ونحو ذلك مما لا يقدر عليه إلا الله تعالى –فإذا طلب ذلك مما ذكر في أيام البرزخ كان من أقسام الشرك، إذ لم يرد بذلك نص من كتاب أو سنة ولا أثر من السلف الصالح في ذلك، بل ورد في الكتاب والسنة وإجماع السلف أن ذلك شرك أكبر قاتل عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم2 ... انتهى.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 رواه مسلم ولفظه: "دعوة المرئ المسلم لأخيه بظهر الغيب مستجابة" في الذكر باب فضل الدعاء للمسلمين بظهر الغيب/ مسلم بشرح النووي ص 50، المجلد التاسع، ورواه ابن ماجه في المناسك باب فضل دعاء الحاج، تحقيق عبد الباقي ص 967، ج م.
2 الدرر السنية 1/127-129.
هذا وقد انبرى كثير من العلماء بعد وفاة الشيخ رحمه الله للإجابة عن هذه الشبهات وألفوا في ذلك مؤلفات ضخمة أشهرها:
1) مصباح الظلام في الرد على من كذب على الشيخ الإمام، ونسب إليه تكفير أهل الإسلام في مجلد. وهو للشيخ عبد اللطيف بن عبد الرحمن بن حسن من آل الشيخ رحمهم الله.
2) معارج القبول، للشيخ الحسين بن مهدي النعمي من علماء اليمن في مجلد.
3) غاية الأماني في الرد على النبهاني للشيخ محمود شكري الألوسي، من علماء العراق وهو في مجلدين.
4) صيانة الإنسان عن وسوسة الشيخ دحلان للشيخ محمد بن بشير السهسواني الهندي في مجلد.
وهكذا يقيض الله سبحانه للحق أنصاراً في كل زمان تقوم بهم حجة الله على خلقه، فلله الحمد والمنة، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وآله وصحبه أجمعين.
رد أوهام أبي زهرة في حق شيخ الإسلام ابن تيمة وشيخ الإسلام محمد بن عبد الوهاب
رحمهما الله
الحمد لله الذي أرسل رسوله بالهدى ودين الحق ليظهره على الدين كله وكفى بالله شهيداً. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له إقراراً به وتوحيداً، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه وسلم تسليماً مزيداً.
أما بعد... فإنه كان من الواجب علينا احترام علمائنا في حدود المشروع كما قال تعالى: {يَرْفَعِ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجَاتٍ}وقال تعالى: {قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لا يَعْلَمُونَ}. وقال صلى الله عليه وسلم: "وإن العلماء ورثة الأنبياء. وفضل العالم على العابد كفضل القمر على سائر الكواكب"، ولا سيما العلماء المجددون لدين الله والدعاة المخلصون إلى سبيل الله بالحكمة والموعظة الحسنة والجدال بالتي هي أحسن –فكان حقهم علينا الاقتداء بهم واحترامهم والترحم عليهم، والدعاء لهم لقاء ما قاموا به من الواجب وما بينوه من الحق وردوا من الباطل- إلا أننا نجد بدلاً من ذلك من بعض حملة الأقلام والمتطفلين على العلم والتأليف من يكيل التهم في حقهم ويرميهم بما هم بريئون منه ويحاول صرف الناس عن دعوتهم بدافع الحقد أو سوء الاعتقاد –أو الاعتماد على ما يقوله أعداؤهم وخصومهم- ومن ذلك أني قد اطلعت على كتاب بعنوان تاريخ المذاهب الإسلامية في السياسة والعقائد، وتاريخ المذاهب الفقهية، للشيخ محمد أبي زهرة، تعرض فيه لإمامين عظيمين وداعيين إلى الله مخلصين هما: شيخ الإسلام ابن تيمية وشيخ الإسلام محمد بن عبد الوهاب رحمهما الله، ووجه ضدهما نفس التهم التي يروجها ويرددها أعداؤهما المظلون في كل زمان، حيث تروعهما دعوة الإصلاح
وإخراج الناس من الظلمات إلى النور، ويريدون أن يبقى الناس في ظلام ويعيشوا في ضلال حتى يتسنى لخرافاتهم أن تروج، وما كان يليق بباحث يتحرى الحقيقة مثل الشيخ أبي زهرة أن يعتمد في حق هذين الإمامين الجليلين على كلام خصومهما بل كان الواجب عليه وعلى كل باحث منصف أن يرجع إلى من يريد أن يقدم للناس معلومات عنه من كتبه ويوثق ذلك بذكر اسم الكتاب المنقول عنه. مع ذكر الصفحة السطر. حتى تحصل القناعة التامة من صحة ما يقول، لأننا والحمد لله في عصر قد وضعت فيه ضوابط البحث العلمي. وأصبح لا يقبل فيه إطلاق القول على عواهنه من غير تقيد بتلك الضوابط –وفوق هذه الضوابط هناك وقوف بين يدي الله سبحانه وتعالى وسؤال عما يقوله الإنسان ويكتبه في حق غيره من اتهام وكذب. قال تعالى: {وَلا تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُولَئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْؤُولاً}، وقال تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَأٍ فَتَبَيَّنُوا أَنْ تُصِيبُوا قَوْماً بِجَهَالَةٍ فَتُصْبِحُوا عَلَى مَا فَعَلْتُمْ نَادِمِينَ}. إلا أن الشيخ أبا زهرة تجاهل ذلك كله، ونسب إلى الشيخين الإمامين الجليلين –الشيخ تقي الدين ابن تيمية، والشيخ محمد بن عبد الوهاب ما لا يليق بمقامهما وما يتنزهان عنه من التهم الباطلة والتهجم السخيف اعتماداً على ما يقوله عنهما خصومهما وما يروجه المخرفون ضدهما، غير متقيد بضوابط البحث العلمي، ولا خائف من الوعيد الذي توعد الله به من أقدم على مثل هذا العمل، وإليك بيان هذه التهم مع الرد عليها، سائلين الله تعالى أن يرينا الحق حقاً ويرزقنا اتباعه ويرينا الباطل باطلاً ويرزقنا اجتنابه.
أولاً: ما نسبه إلى شيخ الإسلام ابن تيمية:
1- في صفحة 187 قال إنه أضاف إلى مذهب السلف أموراً أخرى قد بعثت إلى التفكير فيها.
أقول هذا من الافتراء على شيخ الإسلام ابن تيمية أنه قد أحدث أموراً من عند نفسه وزادها على مذهب السلف، وهو اتهام خطير قد برأ الله منه شيخ الإسلام فإنه لم يزد شيئاً ولم يخترع شيئاً من عند نفسه، وإنما دعا إلى مذهب السلف وبينه ودافع عنه بأمانة وإخلاص. يشهد لذلك أن ما في كتبه ورسائله يتطابق تمام التطابق مع ما ذكره الأئمة قبله في كتبهم، وهو إنما ينقل كلامهم ويعزوه إلى مصادره المعروفة من غير زيادة ولا نقصان. وأبو زهرة لم يذكر مثالاً واحداً يدل على صدق ما يقول.
2- في صفحة 193 قال: وعلى ذلك يقرر ابن تيمية أن مذهب السلف هو إثبات كل ما جاء في القرآن الكريم من فوقية وتحتية واستواء على العرش ووجه ويد ومحبة وبغض، وما جاء في السنة من ذلك أيضاً من غير تأويل وبالظاهر الحرفي، فهل هذا هو مذهب السلف حقاً، ونقول في الإجابة عن ذلك: والقائل أبو زهرة.
لقد سبقه بهذا الحنابلة في القرن الرابع الهجري كما بينا وادعوا أن ذلك مذهب السلف.
وناقشهم العلماء في ذلك الوقت وأثبتوا أنه يؤدي إلى التشبية والجسمية لا محالة، وكيف لا يؤدي إليها والإشارة الحسية إليه جائزة، لهذا تصدى لهم الإمام الفقيه الحنبلي الخطيب ابن الجوزي ونفى أن يكون ذلك مذهب السلف، ونفى أيضاً أن يكون ذلك رأي الإمام
أحمد... انتهى كلامه وفيه من الخلط والكذب ما لا يخفى وبيان ذلك كما يلي:
(أ) اتهم شيخ الإسلام ابن تيمية واتهم معه الحنابلة بأنهم نسبوا إلى السلف ما لم يقولوه ولم يعتقدوه في صفات الله تعالى، وهذا اتهام ظاهر البطلان، فإن ما قاله الحنابلة وقاله شيخ الإسلام موجود في كلام الأئمة الأربعة وغيرهم وفي كتبهم، وقد نقل ذلك عنهم شيخ الإسلام ابن تيمية وعزاه إلى مصادره من كتبهم التي يوجد غالبها في أيدي الناس اليوم، وانظر على سبيل المثال ما ذكره عنهم في الرسالة الحموية.
(ب) اتهم الشيخ بأنه ينسب إلى السلف وصف الله بالتحتية حيث قال: يقرر ابن تيمية أن مذهب السلف هو إثبات كل ما جاء في القرآن الكريم من فوقية وتحتية، وهذا كذب
مواضيع مماثلة
» الجزء الثانى :من أعلام المجددين الإمام أحمد بن حنبل و شيخ الإسلام بن تيمية و شيخ الإسلام محمد بن عبد الوهاب تأليف العلامة صالح الفوزان نقلا عن شبكة البيضاء
» الجزء الرابع : من أعلام المجددين الإمام أحمد بن حنبل و شيخ الإسلام بن تيمية و شيخ الإسلام محمد بن عبد الوهاب تأليف العلامة صالح الفوزان نقلا عن شبكة البيضاء
» من أعلام المجددين الإمام أحمد بن حنبل و شيخ الإسلام بن تيمية و شيخ الإسلام محمد بن عبد الوهاب تأليف العلامة صالح الفوزان نقلا عن شبكة البيضاء
» الجزء الثالث :(دحر إفتراءات أهل الزيغ و الإرتياب عن دعوة الإمام محمد بن عبد الوهاب : تأليف المحدث ربيع المدخلى
» الجزء الثالث: عقيدة الشيخ محمد بن عبد الوهاب السلفية وأثرها في العالم الإسلامي تأليف د. صالح بن عبدالله بن عبد الرحمن العبود
» الجزء الرابع : من أعلام المجددين الإمام أحمد بن حنبل و شيخ الإسلام بن تيمية و شيخ الإسلام محمد بن عبد الوهاب تأليف العلامة صالح الفوزان نقلا عن شبكة البيضاء
» من أعلام المجددين الإمام أحمد بن حنبل و شيخ الإسلام بن تيمية و شيخ الإسلام محمد بن عبد الوهاب تأليف العلامة صالح الفوزان نقلا عن شبكة البيضاء
» الجزء الثالث :(دحر إفتراءات أهل الزيغ و الإرتياب عن دعوة الإمام محمد بن عبد الوهاب : تأليف المحدث ربيع المدخلى
» الجزء الثالث: عقيدة الشيخ محمد بن عبد الوهاب السلفية وأثرها في العالم الإسلامي تأليف د. صالح بن عبدالله بن عبد الرحمن العبود
صفحة 1 من اصل 1
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى