الجزء الثالث :(دحر إفتراءات أهل الزيغ و الإرتياب عن دعوة الإمام محمد بن عبد الوهاب : تأليف المحدث ربيع المدخلى
صفحة 1 من اصل 1
الجزء الثالث :(دحر إفتراءات أهل الزيغ و الإرتياب عن دعوة الإمام محمد بن عبد الوهاب : تأليف المحدث ربيع المدخلى
طعون المالكي الشنيعة في دعوة الشيخ محمد
وعدّ ذلك من حيوية دعوته وقوتها
قال المالكي في (ص7) بعد اتهامات جريئة بالتكفير وإلصاق التكفيريين ظلماً بالإمام محمد ودعوته: " وردي ليس على هذا التيار فقط وإنما يستهدف الرد
-بالدرجة الأولى- أولئك الذين يحاولون أن يركبوا الجملين جميعاً! فيردون على أهل التكفير ويغلون في الدفاع عن أخطاء أئمة الدعوة!.
أو بلغة أخرى نقول: يردون على هؤلاء الشباب الذين كفروا العلماء والحكام بأدلة العلماء الذين كانوا يردون على الشيخ محمد بن عبد الوهاب! فكأنهم يردون على الشيخ محمد بهذه الطريقة التي تجمع بين الذكاء والغباء".
ونحن نقول لهم:" إن الله حرم التلون وهو الظهور بوجهين وذم النبي –صلى الله عليه وسلّم- ذا الوجهين: فإن كنتم رادين على هؤلاء الشباب فعليكم أن تردوا على بعض الأخطاء في التكفير التي وقع فيها الشيخ محمد وبعض علماء الدعوة.
وإن كنتم تدافعون عن الشيخ محمد وعلماء الدعوة فيجب أن تدافعوا عن هؤلاء لأنهم مقلدون له ولبعض علماء الدعوة وستأتي النماذج.
وأنا بحمد الله – وإن أساء بي البعض الظنون – لكن لي وجهاً واحداً وأرد على شبهات التكفير سواء قالها خصم أو صديق طالب علم أو عالم أو عامي.
وردي على هذه الشبهات أراه واجباً دينياً مع الاحتفاظ بحق الإسلام للجميع وحق خاص للشيخ محمد بن عبد الوهاب باعتباره كان سبباً في إيجاد هذا الكيان الكبير الذي التقى فيه أبناء هذا الوطن من أقصى الشمال لأقصى الجنوب ومن أقصى الشرق لأقصى الغرب، فكان الشيخ سبباً -بعد توفيق الله- في القضاء على التشرذم والتنازع مع بث العلم والدعوة للإسلام الخالص النقي من البدع والخرافات كل هذا شيء نعترف به ونقدره ونحب الشيخ لأجله في الله وندعو له لكن أن تكون هذه المحاسن مانعة من الملحوظات العلمية عليه فلا.
لسبب بسيط وهو أنه بشر يخطيء ويصيب وعندما يقوم بعض الباحثين بتعقب الشيخ في مسائل أخطأ فيها ليس نهاية الإسلام ولا يعني القضاء على منجزاتنا العلمية والدعوية بالفشل وإنما من حيوية دعوة الشيخ وقوتها أنها تنتج من أبنائها من يتعقب بعض أقواله التي اجتهد فيها فأخطأ، وهذه ميزة العلماء الربانيين أنهم يعطون منهجاً ولا يلزمون أتباعهم باجتهاداتهم، وهذه الدراسة لو يسمح لها بالنشر لكانت من أكبر الأدلة في الرد على مزاعم الكثير من المسلمين في العالم الذين يتهموننا بالتعصب للشيخ لا للكتاب والسنة".
التعليــــق
أسلوب عجيب يجمع بين الطعن الشنيع لعلماء هذه الدعوة والاتهام الفظيع ثم مدح نفسه ومدح الإمام محمد والإصرار على حربه والافتراء عليه مع ادعاء محبته، ويرى أن نقده الظالم دليل على حيوية هذه الدعوة فما هي هذه الحيوية إذا كان أهلها كلهم خونة ومنافقين ذوي وجهين ويركبون الجملين ولا ينتقدون الأخطاء الفظيعة التي دمرت الأمة أي حيوية هذه التي هذا حالها وحال أهلها.
أيا مالكي يقال لك: "رمتني بدائها وانسلت " فلا تفتر على دعوة هذا الإمام التي هي التوحيد الخالص والدين النقي ولا تلصق بها مذهب الخوارج الذي يحاربه هذا الإمام وأسلافه وأنصاره بحق وعلم لا تخلط بين منهجين متضادين كتضاد الظلمات والنور والظل والحرور، ولا تدع أنك من أبناء هذه الدعوة وأنت من ألد أعدائها.
يقول المالكي:" إن الله حرم التلون وهو الظهور بوجهين الخ" (ص.
أقول: لا ترم غيرك بدائك فأنت ذو الألوان والوجوه.
فأنت تارة مع الروافض في الطعن في أصحاب محمد وأهل السنة، وتارة مع الخرافيين والمرجئة والغلاة تدافع عن خرافاتهم وبدعهم الشركية ومع ذلك تظهر للسلفيين أنك منهم وتطعن في الإمام محمد أشد الطعون التي لا تصدر من أشد الأعداء حقداً وبغضاً.
وتدعي أنك تحبه وتحترمه وتدعي أنك ستحتفظ بحق الإسلام العام للجميع وبحق خاص للشيخ محمد.
وما عرفت حق الإسلام لأنصاره ومن على منهجه وأهدرت حق الإمام محمد أيما إهدار وتجنيت عليه بأشد أساليب الأعداء.
فإذا لم تكن هذه الأفاعيل الشنيعة تلوناً فليس في الدنيا تلون.
وبعد هذه الأفاعيل الشنيعة.
يقول: " وأقول – أيضاً – هذه والله نصيحة محب للشيخ مقدر لجهوده وعلمه ولا يجوز أن تسمعوا لمن يشكك في النيات ويفسر نقدي هذا تفسيراً خلاف ما دونته هنا.
ومن كان عنده شك أنني أكتب لغير مصلحة الإسلام والعلم ولأهداف غير مشروعة ونحو هذا فأنا مستعد لمباهلته لنجعل لعنة الله على الكاذبين".
أقول: إنني أقطع بأنك على باطل وأنك من أهل الأهواء وأقطع بأنك ظلمت الإمام محمداً وهوشت عليه بالباطل، وأكاد أجزم بخبث طويتك وفساد معتقدك.
ومستعد لمباهلتك فنجعل لعنة الله على الكاذبين الذين يؤذون أصحاب محمد ويؤذون خيار المسلمين والعلماء الصادقين المخلصين، ويسعون في الأرض فساداً بعد إصلاحها والله لا يحب المفسدين.
وجئني بأمثالك لتكون المباهلة شاملة حتى يريح الله المسلمين من شر المفسدين.
سفاهة المالكي على الإمام محمد ومخالفته للمفسرين سلفاً وخلفاً
قال المالكي (ص 13): "الملحوظة الخامسة: قوله (ص9): في وصف محاسن كفار قريش وغيرهم (كانوا يدعون الله سبحانه ليلاً ونهاراً ! ثم منهم من يدعو الملائكة لأجل صلاحهم وقربهم إلى الله ليستغفروا له أو يدعو رجلاً صالحاً مثل اللات أو نبياً مثل عيسى وعرفت أن رسول الله –صلى الله عليه وسلّم- قاتلهم على هذا الشرك ودعاهم إلى إخلاص العبادة....
فقاتلهم رسول الله ليكون الدعاء كله لله والنذر كله لله والذبح كله لله والاستغاثة كلها بالله وجميع العبادات لله...الخ). أهـ.
قال المالكي:" أقول الكفار لم يكونوا يدعون الله ليلاً ونهارا وإنما يذكرون هبل واللات ومناة ولو كانوا يدعون الله ليلاً ونهارا لما نهى نبيه عن عبادة الذين يدعون كما في قوله تعالى: قل إني نهيت أن أعبد الذين تدعون من دون الله.
وقال تعالى واصفاً حال الكفار ساعة الموت حتى إذا جاءتهم رسلنا يتوفونهم قالوا أين ما كنتم تدعون من دون الله، وقال: إن الذين تدعون من دون الله عباد أمثالكم. وقال عن الكفار وقالوا ربنا هؤلاء شركاؤنا الذين كنا ندعوا من دونك.
وغير ذلك كثير من الآيات التي لم أشأ تتبعها وهي تخبر عنهم بخلاف ما أخبر الشيخ ولم يكونوا يدعون الله بإخلاص إلا في حال الشدائد ولو كانوا يدعون الله ليلاً ونهاراً كما وصفهم الشيخ لغبطهم عليه زهاد الصحابة فهذه الصورة من الصور الكثيرة الجميلة التي يمدح فيها الشيخ كفار قريش ليس حباً(1) فيهم ولكن ليقارن بينهم وبين مسلمي عصره ثم يبني على ذلك تفضيلهم على المسلمين.
ثم البناء على هذا كله تكفير المسلمين وقتالهم والذي يجب أن يصحح هنا أن النبي –صلى الله عليه وسلّم- قاتل الكفار لأمور كثيرة أهمها الشرك الأكبر بالله وإخراج المسلمين من ديارهم وإنكار النبوة وارتكابهم المظالم....الخ".أهـ.
التعليــــق:
1- أولاً:إن الشيخ يقصد أن مجموع الكفار يذكرون الله ليلاً ونهاراً فإذا نظرت إلى مجموع الكفار في الجزيرة العربية وخارجها فلا تمر لحظة إلا وفيها من يذكر الله فما يمر لحظة أو يوم إلا ومنهم ذاكرون.
ولا يقصد الشيخ أنهم ليس لهم كلهم - أفراداً وجماعات- إلا ذكر الله كما يفهم من تهويل المالكي واستغلاله لهذه العبارة ليشنع بها على هذا الإمام.
فلو قلنا إنهم لا يذكرون الله إلا في حال الشدة فقط لاحتاج هذا الادعاء إلى دليل ولا دليل على ذلك.
وثانياً: هم في مجموعهم وعلى كثرتهم لا يخلو وقت من الأوقات من حاجة أو شدة تمر بكثير منهم تدفعه هذه الحاجة أو الشدة إلى ذكر الله ودعائه.
فهذا في البحر قد يواجه الأخطار وهذا في الـبر ينهكه العطش وذاك في الجبل يرهقه الصعود والهبوط وهذا يشتد به الجوع وهذا يشتد به المرض وهناك نساء يواجهن مشاكل الحمل والولادة ومرض أطفالهن إلى أحوال كثيرة تطرأ على مجموع هؤلاء الكفار فيتجهون إلى الله الذي يعتقدون في قرارة أنفسهم أنه لا يكشف الضر سواه.
هذا إن جارينا المالكي على أنهم لا يدعون الله إلا في حال الشدة، ولا دليل له على هذه الدعوى.
فهناك من يحج وهناك من يطوف بالبيت ويذهب في أيام الحج إلى منى وعرفات والمزدلفة وهناك معتمرون منهم من آفاق الجزيرة على امتداد العام.
2- وهم يؤمنون بأن الله الخالق الرازق يملك السمع والأبصار وينـزل الأمطار ويحي الأرض بعد موتها ويدير أمر الكون، ولئن سألتهم من خلق السموات والأرض ليقولن الله، أمن يملك السمع والأبصار ومن يخرج الحي من الميت ومن يخرج الميت من الحي.
هذا ما أخبرنا الله به فهل يكون الله قد أثنى عليهم أو أن الله يذكر حالهم هذا ليلزمهم بتوحيد الألوهية وإفراده بالعبادة وإخلاص الدين له وحده.
فإن قلت إن هذا ثناء قلنا الإمام محمد اتبع كلام الله.
وإن قلت يذكر هذا لبيان حالهم وأن هذا التوحيد لم يدخلهم في الإسلام ولم يحقن دماءهم وهذا هو الواقع قلنا فأي لوم على الإمام محمد أن يأخذ من حالهم ما يحتج به على من حالهم كحال المشركين من دعاء غير الله والذبح لغير الله والنذر لهم واللجوء إليهم في الشدائد ويتجهون إلى الله كما تواترت الأخبار عن القبوريين في الحالة التي ينسى المشركون فيها آلهتهم.
قال تعالى: قل أرأيتكم إن أتاكم عذاب الله أو أتتكم الساعة أغير الله تدعون إن كنتم صادقين بل إياه تدعون فيكشف ما تدعون إليه إن شاء وتنسون ما تشركون الأنعام (40-41).
3- إنَّ لفظ الشرك يدل على أن عبادتهم منقسمة بين الله وبين معبوداتهم.
كما قال الله تعالى مخبراً عن المشركين أجعل الآلهة إلهاً واحداً إن هذا لشيء عجاب ، وهذا دليل على اعترافهم بألوهية الله لكنهم يرفضون تخصيصه بالعبادة ويصرون على اتخاذ شركاء له.
4- قال تعالى ذاكراً حالهم: والذين اتخذوا من دونه أولياء ما نعبدهم إلا ليقربونا إلى الله زلفى فهم يجعلون من عباداتهم لآلتهم وسيلة تقربهم إلى الله زلفى. فلا بد أن يكونوا إذا تقربوا إليهم بعبادة أن يكون الله حاضراً في أذهانهم معتقدين أن ما يطلبونه بيده هو وإنما يتخذون معبوداتهم وعباداتهم وسائل فهم ذاكرون الله كلما توسلوا بآلهتهم، فيصح ما قاله الإمام محمد - رحمه الله-.
والإمام مجتهد ناصح يريد لهؤلاء الخير ويريد تخليصهم من حبائل الشرك وخصومه من دعاة الضلال يريدون لهم الشر والبوار لأجل مصالحهم وحماية مناصبهم فإن استجابتهم لدعوة الله الحق تسقط منازلهم إذا فهم هذا كله.
فقول المالكي:" الملحوظة الخامسة: قوله (ص9) في وصف محاسن كفار قريش وغيرهم....الخ.
وتهويله على الإمام محمد في قوله يدعون الله ليلاً ونهاراً ".
وقوله: "الكفار لم يكونوا يدعون الله ليلاً ونهاراً! وإنما كانوا يذكرون هبل واللات ومناة"، كل هذا من الظلم والإفك والمكابرة ؟.
الشيخ يقول هذا لا لغرض دنيوي وإنما لبيان حال المشركين لا لمدحهم ولكي ينبه حواس ومشاعر وعقول من يخاطبهم إلى الخطر العظيم الذي وقعوا فيه وليدركوا أن تعلقهم بتوحيد الربوبية مع ضلالهم في توحيد الألوهية لا يغني عنهم شيئا كما لم يغن شيئاً عن من خاصم الرسول –صلى الله عليه وسلّم- في توحيد الألوهية.
رحم الله هذا الإمام المخلص الناصح الذي ما ترك حجة تنبه وتوقظ هؤلاء المنحرفين ولا وسيلة يستطيعها إلا قدمها لهم.
والله أسأل أن ينتقم من أعداء التوحيد وأعداء هذا الإمام المخلص الذين كالوا له التهم أولئك الضالون الحاقدون وتابعهم وقلدهم هذا المالكي الظلوم.
الإمام محمد يلزم خصومه على الطريقة الشرعية والعقلية
والمالكي يرفض هذه الإلزامات ويهول عليه بالترهات
قال المالكي: الملحوظة الرابعة والعشرون: قوله ص4: ـ وكرر نحو هذا ص57 ـ (هؤلاء أصحاب رسول الله –صلى الله عليه وسلّم- قاتلوا بني حنيفة وقد أسلموا مع النبي –صلى الله عليه وسلّم- وهم يشهدون أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله –صلى الله عليه وسلّم- ويصلون ويؤذنون فإن قالوا: إنهم يقولون إن مسيلمة نبي قلنا: هذا هو المطلوب إذا كان من رفع رجلاً إلى رتبة النبي –صلى الله عليه وسلّم- كفر وحل ماله ودمه ولم تنفعه الشهادتان ولا الصلاة فكيف بمن رفع شمسان أو يوسف أو صحابياً أو نبياً في مرتبة جبار السموات والأرض...) !! أهـ
ثم قال: "أقول: هذا الكلام فيه عدة أوهام عجيبة:
الأول: بنو حنيفة ارتدوا مطلقاً وآمنوا برجل زعموا أنه نبي وتركوا أوامر النبي –صلى الله عليه وسلّم- لأوامره عامدين.
وهؤلاء يختلفون عن أناس لا يحبون الصالحين إلا لمحبة هؤلاء الصالحين للنبي –صلى الله عليه وسلّم- أو هكذا يظنون، ولا يرفعون أحداً من الصالحين فوق رتبة النبي –صلى الله عليه وسلّم- ولا يوصلونه لهذا فضلاً عن جعل أحد الصالحين في رتبة الله عز وجل، فهذا لم يقل به هؤلاء الناس مطلقاً(1)ولم يقل به مسلم عاقل [32] على مر التاريخ. والشيخ يلزم بأشياء لا تلزم، وعلى منهجه يمكن تكفير من بحث عن رزقه عند فلان(2)، أو حلف بالنبي صلى الله عليه وسلم، أو حلف بالكعبة، أو غلا في أحد من الصالحين أو غيرهم وهذا خطأ بلا شك.
بل يمكن على هذا المنهج أن نكفر المغالين في الشيخ الذين لا يخطئونه ولا يقبلون نقده، الذين يحتجون بأنه أعلم بالشرع وقد يردون حديثاً صحيحاً أو آية كريمة..
وعلى هذا نأتي ونقول: هؤلاء رفعوا مقام الشيخ محمد إلى مقام النبوة أو الربوبية وعلى هذا فهم كفار مشركون... الخ.
فهذا منهج خاطيء والمسائل العلمية لا تؤخذ بهذا التخاصم، بل لها طرق معروفة عند المنصفين من عقلاء المسلمين والكفار"(3).
التعليـــق:
1- أقول: إن قَصْد الشيخ برفعهم شمسان أو يوسف أو أحد الصحابة أو أحد الأنبياء إلى مرتبة جبار السماوات والأرض ما يرتكبونه من الشرك في عبادة الله كالمحبة والخوف والاستغاثة والاستعانة ونحوها فمن فعل هذه الأشياء بالصالحين أو الأنبياء فقد سواهم برب العالمين ورفعهم إلى رتبته تعالى وتنـزه بنص القرآن، قال تعالى: ومن الناس من يتخذ من دون الله أنداداً يحبونهم كحب الله والذين آمنوا أشد حباً لله فلما أحب المشركون اللات والعزى والملائكة كحب الله وأحب النصارى عيسى كحب الله كفرهم الله واعتبر محبتهم هذه عين المساواة بالله ورفع هؤلاء المحبوبين إلى مرتبة جبار السماوات والأرض.
فكيف بمن أضاف إلى هذه المحبة الشركية أصنافاً من الشرك أشد منها كالدعاء والاستغاثة والخوف والرغبة والرهبة وزاد أشد منها وهو اعتقاد أن الأولياء يعلمون الغيب ويتصرفون في الكون.
وقال تعالى عن الكفار وهم يختصمون في الجحيم: قالوا وهم فيها يختصمون تالله إن كنا لفي ضلال مبين إذ نسويكم برب العالمين وما أضلنا إلا المجرمون فمالنا من شافعين ولا صديق حميم فلو أن لنا كرة فنكون من المؤمنين [سورة الشعراء:96-102].
قال ابن جرير – رحمه الله – في تفسيره (19/88): "وقوله (إذ نسويكم برب العالمين) يقول الغاوون للذين يعبدونهم من دون الله: تالله إن كنا لفي ذهاب عن الحق حين نعدلكم برب العالمين فنعبدكم من دونه وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل". وساق إسناده إلى ابن زيد.
وقال ابن عطية في تفسيره (11/128) في تفسير هذه الآيات: "ثم وصف تعالى أن أهل النار يختصمون فيها ويتلاومون ويأخذون في شأنهم بجدال، ومن جهلهم قولهم لأصنامهم على جهة الإقرار وقول الحق قسماً بالله إن كنا لفي ضلال مبين في أن نعبدكم ونجعلكم سواء مع الله تعالى الذي هو رب العالمين وخالقهم ومالكهم ثم عطفوا يردون الملامة على غيرهم أي: ما أضلنا إلا كبراؤنا وأهل الحزم والجرأة والمكانة...الخ.
فهذه التسوية إنما هي في اتخاذهم أنداداً مع الله في العبادة وليست اعتقاد أنهم يخلقون ويرزقون ويدبرون أمر الكون كما يعتقده الخرافيون.
فمن فَعَل فِعل هؤلاء في صرف الدعاء والاستغاثة والمحبة والخوف والرجاء وغيرها من أنواع العبادة أو بعضها فقد اتخذ مع الله أنداداً وسوى هؤلاء الأنداد برب العالمين وناقض شهادة أن لا إله إلا الله وهذا أمر معروف من حال القبوريين وكتب أهل الضلال من أئمتهم مشحونة بذلك شاهدة عليهم به، ومع كل هذا الضلال لا يكفر الإمام محمد هذه الأصناف إلا بعد إقامة الحجة، وكذلك أنصاره كما بينا ذلك سابقاً مرات وكرات.
2- قوله: "أقول هذا الكلام فيه عدة أوهام عجيبة:
الأول: بنو حنيفة ارتدوا مطلقاً وآمنوا برجل زعموا أنه نبي وتركوا أوامر النبي –صلى الله عليه وسلّم- لأوامره.
وهؤلاء يختلفون عن أناس لا يحبون الصالحين إلا لمحبة هؤلاء الصالحين للنبي أو هكذا يظنون ولا يرفعون أحداً من الصالحين فوق رتبة النبي –صلى الله عليه وسلّم- ولا يوصلونه لهذا فضلاً عن جعل أحد الصالحين في رتبة الله عز وجل فهذا لم يقل به هؤلاء الناس مطلقاً ولم يقل به مسلم عاقل على مر التأريخ".
أقول:
(1) يفهم من كلام المالكي أنه لا يكون الإنسان مرتداً إلا إذا كان على غرار قوم مسيلمة يؤمنون بنبوة إنسان ويخالفون أوامر النبي من أجله وهذا جهل مطبق بأنواع الردة وأسبابها.
فلو أن رجلاً ادعى في إنسان أنه يعلم الغيب ويتصرف في الكون لوقع في الكفر الأكبر، وإذا أقيمت عليه الحجة فأبى أن يرجع عن قوله فهو مرتد ولو سب الله أو رسوله مع إيمانه بالله ورسوله لكفر وخرج عن دائرة الإسلام، ولو استهزأ بالله أو برسوله أو أحد الأنبياء أو بالقرآن أو آية منه لكفر بالله تعالى ولو دعا غير الله أو استغاث به أو ذبح له أو نذر له لكان مرتكباً كفراً وشركاً بالله عز وجل وينبغي للجاهل أن يقرأ أبواب الردة في كتب الفقه الإسلامي قبل أن يخوض في هذا الميدان ضد فحول أهل العلم ومنهم الإمام محمد – رحمه الله -.
(2) وقوله:"وهؤلاء يختلفون عن أناس لا يحبون الصالحين إلا لمحبة هؤلاء للنبي –صلى الله عليه وسلّم- أو هكذا يظنون"، يدل على جهل مفرط في البدهيات الإسلامية، فلو قال النصارى: لماذا تكفروننا معشر المسلمين ونحن ما عبدنا عيسى إلا لأنه يحب الله؟ ولو قال المشركون: لماذا تكفروننا ونحن نعبد الملائكة لأنهم يحبون الله؟ ثم ماذا يقول المالكي في الروافض الذين قالوا: إن من ضروريات مذهبنا أن الأئمة بلغوا منـزلة عند الله لا يبلغها ملك مقرب ولا نبي مرسل ثم يدعونهم ويستغيثون بهم في الشدائد ويعتقدون فيهم أنهم يعلمون الغيوب كلها ماضيها وحاضرها ومستقبلها، بل تجاوزوا بهم هذه المرتبة إلى مرتبة الربوبية فقالوا: "إن للإمام سلطة تكوينية على كل ذرة من ذرات الكون"، فماذا أبقوا لله رب العالمين؟! وما هو موقفك منهم؟ إنه التأويل الذي لا يخطر ببالهم. أما الإمام محمد فليس له من المالكي ولا لأتباعه إلا الحرب والطعون الظالمة والتهاويل، ثم هل هؤلاء الذين تدافع عنهم بعد وقوعهم في هذه الفواقر مسلمون عقلاء؟ أو هم ضلال لا يعقلون وأغبياء؟.
3- ما قاله الإمام حق من أن قوم مسيلمة أسلموا وكانوا يشهدون ألا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله ويصلون ويؤذنون، ثم آمنوا بما ادعاه مسيلمة من النبوة وأن النبي أشركه فيها فصاروا من شر أهل الردة ثم بعد هذا بقوا يصلون ويؤذنون بناء على إيمانهم بمحمد رسول الله ومع ذلك فقد اعتبرهم الصحابة والمسلمون كفاراً مرتدين، والشيخ يرد على قوم معاندين مكابرين يقولون: من قال لا إله إلا الله لا يكفر ولا يقاتل ولو اعتقد في الأولياء أنهم يعلمون الغيب ويتصرفون في الكون ولو نسوا الله عند الشدائد والكروب ولجأوا إلى الأولياء يستغيثون بهم ويتضرعون إليهم ويتذللون لهم لينقذوهم من هذه الشدائد والكروب.
فهؤلاء الذين يفعلون هذه الأفاعيل وغيرها من الشركيات والضلالات لا يجوز في نظر هؤلاء المعاندين أن يطلق عليهم لفظ الشرك ولو أقيمت عليهم الحجج والبراهين بأن ما هم عليه شرك في الألوهية وشرك في الربوبية وعندهم لا يجوز قتالهم مهما بالغ الإمام محمد وأهل الحق والتوحيد في بيان ضلالهم وإقامة الحجج والبراهين عليهم.
نعم ذكرت كتب التاريخ أخبار المرتدين ومنهم مسيلمة وذكروا من أخباره أنه كان له من يؤذن للصلاة وهو عبد الله بن النواحة وآخر يقيم الصلاة وهو حجير ابن عمير، وذكر صاحب الفتوح أن اسم مؤذنه حجير(1)، فإما أن تقبل ما قالوه في ردته وما جرى فيها من قتال وغيره بما فيها الأذان والصلاة وإما أن ترد الجميع، أما أن تأخذ ما تشاء لتهول به على الإمام محمد وترد ما تشاء للغرض نفسه فهذا يدل على أنك قد بلغت غاية لا تلحق فيها من اللدد والفجور في الخصومة.
4- قال: "والشيخ يلزم بأشياء لا تلزم وعلى منهجه يمكن تكفير من بحث عن رزقه عند فلان أو حلف بالنبي (ص) أو حلف بالكعبة أو غلا في أحد الصالحين أو غيرهم وهذا خطأ بلا شك بل يمكن على هذا المنهج أن نكفر المغالين في الشيخ الذين لا يخطئونه ولا يقبلون نقده الذين يحتجون بأنه أعلم بالشرع وقد يردون حديثاً صحيحاً أو آية كريمة....
وعلى هذا نأتي ونقول لهؤلاء رفعوا مقام الشيخ محمد إلى مقام النبوة أو الربوبية وعلى هذا فهم كفار مشركون...الخ
فهذا منهج خاطئ والمسائل العلمية لا تؤخذ بهذا التخاصم، بل لها طرق معروفة عند المنصفين من عقلاء المسلمين والكفار ".
أ- أقول: إن الشيخ لا يلزم خصومه إلا على طريقة القرآن الكريم وعلماء المسلمين وإلزاماته قوية جداً وفي موقعها وقد سلك القرآن هذا المسلك.
ب- الحلف بغير الله كفر أصغر عند العلماء في ضوء القواعد الشرعية لكن إذا غلا الحالف في المحلوف به وعظمه كتعظيم الله فإنه حينئذ يقع في الكفر الأكبر.
ج- والغلو في أحد الصالحين إذا كان على نحو ما يعرف عند الروافض والقبوريين من اعتقاد أنهم يعلمون الغيب ويتصرفون في الكون أو اتجهوا إليهم بشيء من العبادات التي اختص الله بها كالدعاء والاستغاثة والذبح والنذر والخوف والرجاء والمحبة والأمور التي لا تنبغي إلا لله فلا شك أن هذه الأعمال من الكفر الأكبر إن تاب مرتكبها بعد إقامة الحجة عليه وإلا فهو كافر عدو لله ولرسوله وللمؤمنين، وقد تكرر تقرير هذا.
د- أين هم هؤلاء المغالون في الشيخ الذين رفعوه إلى مرتبة النبي أو رفعوه إلى مرتبة الربوبية ؟
أين يوجد هذا الغلو؟ هل يوجد في كتبهم أو أشرطتهم أو في صحفهم ومجلاتهم أين هذا؟.
ومتى وأين ردوا حديثاً صحيحاً أو آية كريمة تعصباً وغلواً في الشيخ أو في غيره؟.
لم تضرب لنا مثالاً واحداً لهذا الغلو الشديد الذي ترمي به أتباع الشيخ من أول كتابك هذا إلى آخره.
وهذا من أكبر الأدلة على أنك كاذب مفتر من أشد الناس جرأة على بهت الأبرياء.
وهذا وغيره من أقوى الأدلة والبراهين على بعد هؤلاء وبراءتهم، وأن بهتك هذا من جنس بهت اليهود لعيسى عليه الصلاة والسلام وأمه الصديقة.
فهنيئاً لك أيها المسكين، ولقد كتب فيك أناس وبينوا جهالاتك وضلالاتك فأبيت أن تكف عن هذه الجهالات والضلالات.
لقد أسمعت لو ناديت حيـاً ولكـن لا حيـاة لمـن تنادي
ومن البلية عذل من لايرعوي عن جهله وخطاب من لايفهم
زعم المالكي أن الشيخ محمداً ارتكب قاصمة في حق خصومه لأنه
قال عنهم: "إنهم لا يعلمون معنى لا إله إلا الله" ودحض ذلك
قال المالكي (ص 15): "الملحوظة العاشرة: ثم يقول (ص13): " والحاذق منهم – يعني ممن يدعي الإسلام من علماء المسلمين! – يظن أن معناها لا يخلق ولا يرزق إلا الله) ! ثم يتبع هذا بقاصمة وهي (فلا خير في رجل جهال الكفار(1) أعلم منه بمعنى لا إله إلا الله) ؟!".
أقول: سبق الجواب بأن علماء المسلمين في زمانه لا يفسرون الشهادتين كما ذكر هنا- فيما أعلم- نعم لهم تأويل بأن التبرك والتوسل لا يناقضها وهذا شيء آخر.
لكن أن يأتي عالم ويزعم أن (لا إله إلا الله) ليس معناها إلا (لا خالق إلا الله ولا رازق إلا الله) مع جواز صرف العبادة لغيره فلا أظن عالماً عاقلاً يقول هذا، ومن زعم هذا فعليه الدليل والبرهان.
الملحوظة الحادية عشرة: ذكر (ص16،15): أن أعداء التوحيد قد يكون عندهم علم(2)وحجج وفصاحة... وهذا إقرار منه بأنه يتحدث عن معارضيه من علماء عصره في نجد والحجاز والشام [ 23 ].. معهم علم وفصاحة وقبل هذا ينفي أنهم لا يعرفون معنى لا إله إلا الله(3) !!
التعليـــق:
أولاً- إن كلام الإمام حق فهم أجهل الناس بمعنى لا إله إلا الله، ولذا فسروها بغير معناها فقالوا معناها أنه الخالق الرازق والقادر على الاختراع أو غير ذلك من التفسيرات البعيدة عن معنى لا إله إلا الله فضلوا بهذا التفسير وأضلوا عوام المسلمين وأوقعوهم في أعمال شركية خطيرة تنافي معنى لا إله إلا الله من الدعاء والاستغاثة بغير الله والذبح لغير الله والطواف والتعظيم والذل والخضوع لغير الله، بل جرهم هذا الضلال إلى الوقوع في الشرك في الربوبية فقالوا عن بعض الأولياء إنهم أقطاب يعلمون الغيب ويتصرفون في الكون وفوقهم الغوث وهو أعظم منهم علماً وتصرفاً...الخ
ثانياً- ولعل من أسباب هذا الانحراف زلة بعض العلماء القدامى من الأشاعرة.
1- قال الأستاذ أبو منصور البغدادي في كتابه أصول الدين (ص123)
" واختلف أصحابنا في معنى الإله فمنهم من قال إنه مشتق من الإلهية وهي قدرته على اختراع الأعيان وهو اختيار أبي الحسن الأشعري وعلى هذا يكون الإله مشتقاً من صفة".
فكان هذا التفسير من هؤلاء مصدراً لبلاء عظيم وانحراف خطير هو ما واجهه أئمة الإسلام ومنهم الإمام محمد بن عبد الوهاب- رحمه الله-.
2- قال أبو القاسم القشيري في "شرح أسماء الله الحسنى" باب في معنى لا إله إلا الله فلم يفسرها التفسير الصحيح الذي دل عليه القرآن واللغة وكلام العلماء
ثم قال:" وأما أقاويل المشايخ في هذه الكلمة فقد قال بعضهم إنه نفي ما يستحيل كونه وإثبات ما يستحيل فقده، ومعنى هذا أن يكون الشريك له سبحانه محالاً وتقدير العدم لوجوده مستحيلاً.
وقال بعض المشايخ مجيبا لمن قال له لم تقول الله الله ولا تقول لا إله إلا الله؟ فقال:" نفي العيب حيث يستحيل العيب عيب"(1)، وكان الدقاق -رحمه الله تعالى- يقول:" إنما قول لا إله إلا الله لاستصفاء الأسرار عن الكدورات لأنه إذا قال العبد لا إله إلا الله صفا قلبه وحضر سره ليكون ورود قوله: "الله" على قلب منقى وسر مصفى"(2)، وقال رجل للشبلي: "يا أبا بكر لم تقول الله الله ولا تقول لا إله إلا الله" فقال: لا أنفي له ضداً فصاح وقال:" أريد أعلى من ذلك"، فقال:" أخشى أن أوخذ في وحشة الجحد"(3)، فقال الرجل:" أريد أعلى من ذلك"، فقال: قال الله تعالى: قل الله ثم ذرهم في خوضهم يلعبون فزعق الرجل وخرجت روحه، فتعلق أولياء الرجل بالشبلي وادعوا عليه دمه وحملوه إلى الخليفة فخرجت الرسالة إلى الشبلي من عند الخليفة فسألوه عن دعواهم فقال الشبلي:"روح صفت فرنت فدعيت فأجابت فما ذنبي"، فصاح الخليفة من وراء الحجاب خلوه فلا ذنب له.
وقيل فمعنى قوله"لا إله إلا الله" مفتاح الجنة: أن العبد إذا كان مطيعاً كان داره في الجنة أشد عمارة وأكثر زينة وإذا عصى كان لا يعمر داره ولا يزول ملكه ولا يسلب مفتاح الدار ممن لا يعمرها فكذلك ما دام العبد مخلصاً في قول لا إله إلا الله كان من أهل الجنة"(4).
أقول: فهذا هو معنى لا إله إلا الله عند مشايخ القشيري الصوفي الأشعري وعلمائه.
وهل هذا هو المعنى الذي بعث الله به جميع الأنبياء وجاهدوا الأمم لتحقيقه؟ وجاهد رسول الله –صلى الله عليه وسلّم- من أجله وربى عليه أصحابه، وكيف يعرف الناس من هذه التفسيرات العبادة بتفاصيلها التي تضمنتها هذه الكلمة وتستلزمها لينهضوا بها ومعاني الشرك التي نفتها هذه الكلمة العظيمة ليحذروا الوقوع فيها أو في شيء منها.
وبسبب التفسيرات البعيدة عن معنى لا إله إلا الله جُهل المعنى الحقيقي للا إله إلا الله عند من يتبع هذه المدارس الفلسفية الكلامية الصوفية ووقع كثير من أتباعها في الشرك والضلال، وسلم الله من سلم ممن سلك نهج السلف الصالح في معرفة المعنى الصحيح لهذه الكلمة والعمل بمضامينها وحقوقها ومستلزماتها وأخذ الحذر مما يناقضها والابتعاد عنه ودعوة من لا يفهم معنى هذه الكلمة إلى فهمه والقيام به ليسعد في الدنيا والآخرة ويجابههم أمثال -المالكي- في كل زمان ومكان والله يحكم بين عباده فيما كانوا فيه يختصمون.
3- وذكر الرازي هذا التفسير أي "تفسير الأشعري" ضمن عدد من الأقوال في أصل اشتقاق كلمة الإله حيث قال في شرح أسماء الله الحسنى (ص124): " القول السابع: الإله من له الإلهية، وهي القدرة على الاختراع، والدليل عليه أن فرعون لما قالوما رب العالمين): قال موسى في الجواب: (رب السموات والأرض) فذكر في الجواب عن السؤال الطالب لماهية الإله: القدرة على الاختراع، ولولا أن حقيقة الإلهية هي القدرة على الاختراع لم يكن هذا الجواب مطابقاً لذلك السؤال ". منهج أهل السنة والجماعة ومنهج الأشاعرة (1/154).
4- وقال أبو الجناب نجم الدين البكري بعد أن ذكر عدداً من أصوله وهي التوبة والزهد والتوكل والقناعة والعزلة ثم فسرها تفسيراً غريباً.
ثم قال: " الأصل السادس: ملازمة الذكر، وهو الخروج عن ذكر ما سوى الله بالنسيان، قال تعالى (واذكر ربك إذا نسيت) أي غير الله كما هو بالموت، فأما نسبة مسهلية الذكر وهو كلمة لا إله إلا الله فإنه معجون مركب من النفي والإثبات فالنفي يزيل المواد التي يتولد منها مرض القلب، وقيد الروح وتقوية النفس، وتربية صفاتها، وهي الأخلاق الذميمة النفسانية، والأوصاف الشهوانية الحيوانية وبإثبات إلا الله تحصل صحة القلب وسلامته عن الرذائل من الأخلاق، وانحراف مزاجه الأصلي، واستواء مزاجه وحياته بنور الله تعالى، فتتحلى الروح بشواهد الحق، وتجلي ذاته وصفاته، (وأشرقت الأرض بنور ربها) وزالت عنها ظلمات صفاتها، تجلى (يوم تبدل الأرض غير الأرض والسموات وبرزوا لله الواحد القهار) الذي أهلك بتجلى جلاله كل الموجودات، وبرزوا لله الواحد القهار، فقد نبهتك على أمر عظيم إن كنت من أهل القلب السليم الفهيم فعلى قضية (فاذكروني أذكركم)، الذاكرية بالمذكورية، والمذكورية بالذاكرية فيفنى الذاكر في الذكر، ويبقى المذكور خليفة للذاكر، فإذا طلبت الذاكر وجدت المذكور، وإذا طلبت المذكور وجدت الذاكر،
فإذا أبصرتني أبصرتـه وإذا أبصرته أبصرتـني
ولا تكن ممن قيد الحق بالخلق فإنه إلحاد، وهذا مني لك إرشاد.
الرسائل الميرغنية في آداب الطريقة الختمية (ص123-124).
انظر لهذا التفسير البعيد كل البعد عن معنى لا إله إلا الله بل هو تفسير أهل وحدة الوجود.
5- قال الرباطابي التجاني في شرح معنى "لا إله إلا الله": "(الذي لا إله إلا هو) الذي نعت ثاني لله تعالى والجملة بعده صلته وإعراب هذه الكلمة لا إله إلا هو لا نافية للجنس تعمل عمل إن تنصب الاسم وترفع الخبر وإله اسمها والخبر محذوف تقديره موجود و(إلا) أداة استثناء و (هو) بدل من الضمير المستتر في الخبر المقدر وهذا هو المشهور الجاري على ألسنة المعربين وقد عقد الشيخ السنوسي -رضي الله عنه- في شرحه على عقيدته أم البراهين فصلاً ذكر فيه ما قيل من وجوه إعراب لا إله إلا الله. (الخلاصة الوافية الظريفة في شرح الأوراد اللازمة والوظيفة للطريقة التيجانية الشريفة (ص80-81).
أقول: هذا التفسير مع أنه لم يعرج على معنى لا إله إلا الله فإن تقريره لخبر "لا" المحذوف بأنه موجود" باطل، فإن البشر قد اتخذوا مع الله آلهة وأنداداً يعبدونهم من دون الله فتقدير موجود تقدير باطل وإنما المقدر "حق أو بحق" إلا الله فأصل الكلام لا معبود بحق أو حق إلا الله وهذا التقدير هو الصحيح المتعين.
انظر لهذا التفسير البعيد كل البعد عن معنى لا إله إلا الله بل هو تفسير أهل وحدة الوجود.
معنى الإله في لغة العرب
قال أبو منصور الأزهري في تهذيب اللغة(6/421-424):" قال الليث بلغنا أن اسم الله الأكبر هو الله لا إله إلا هو وحده...والتأله التعبد.
وقال أبو الهيثم:" فالله أصله إلاه قال الله عز وجل ما اتخذ الله من ولد وما كان معه من إله إذن لذهب كل إله بما خلق ، قال ولا يكون إلهاً حتى يكون معبوداً وحتى يكون لعابده خالقاً ورازقاً ومدبراً وعليه مقتدراً، فمن لم يكن كذلك فليس بإله وإن عبد ظلما بل هو مخلوق ومتعبد...، وكانت العرب في جاهليتها يدعون معبوداتهم من الأصنام والأوثان آلهة قال الله عز وجل ويذرك وآلهتك، وهي أصنام عبدها قوم فرعون معه".
فالإله عند العرب هو المعبود فإن كان معبوداً بحق فهو الله ولا تصح العبادة إلا لله وحده؛ لأنه لا يستحق العبادة إلا هو؛ لأنه الخالق الرازق المدبر المقتدر كما قال أبو الهيثم.
والتأله التعبد كما قال الليث، وليس اعتقاد أنه الخالق الرازق وإن كانت الخالقية والرازقية من صفاته، لكن تفسير "الإله" بالخالق الرازق المدبر باطل يوقع في الضلال وينسي الناس المعنى الحقيقي لكلمة التوحيد لا إله إلا الله.
وقال الزنجاني في تهذيب الصحاح (3/897) في مادة أله:" أله بالفتح إلاهة أي عبد عبادة، وقولنا الله أصل هذا الاسم "إله" على فعال بمعنى مفعول لأنه مألوه أي معبود فلما أدخل عليه الألف واللام حذفت الهمزة تخفيفاً لكثرته في الكلام"، والتأله التعبد".
وإذن فالله مألوه بمعنى معبود يتجه إليه المخلوق بالعبادة فالعبادة من فعل المخلوق يعبد بها خالقه من خضوع وخشوع وتذلل وصلاة وصيام ودعاء وإخلاص ورجاء وحب وخوف وتوكل وذبح ونذر ونحو ذلك مما يعبد به الإنسان إلهه على الوجه الذي شرعه الله، فهذه العبادات كلها من أفعال المخلوقين يتقربون بها إلى معبودهم الحق وهو الله وليست أفعال الله، تعالى وتقدس وتنـزه.
فتفسير الإله بأنه الخالق الرازق المدبر تفسير باطل صادر عن جهل بالعبادة والمعبود المألوه.
ومن هنا جاء البلاء والوقوع في الشرك في العبادة من دعاء وذبح ونذر وخوف ورجاء وخضوع.
وقال أبو الحسين بن فارس في معجم مقاييس اللغة (1/127):" أله الهمزة واللام والهاء أصل واحد وهو التعبد فالإله "الله" تعالى وسمي بذلك لأنه معبود ويقال تأله الرجل إذا تعبد قال رؤبة:
لله در الغـانيـات المـدَّه سبحن واسترجعن من تألهـي.
فقد ظهر لك جلياً معنى الإله وأنه المعبود المتقرب إليه بالعبادة التي أسلفنا أنواعاً منها التي يقوم بها عابدوه وليس معنى الإله الخالق الرازق المدبر المحي المميت، فهذه تدل على أفعاله هو سبحانه اللائقة بجلاله وكماله وربوبيته لهذا الكون.
وظهر لك جليا بطلان تفسير "لا إله إلا الله" بأنه لا حكم ولا سيطرة ولا هيمنة إلا لله فإن هذه من صفات الخالق لا من صفات المخلوقين وأفعالهم التي يتقربون بها إلى معبودهم بحق وهو الله الموصوف بصفات الكمال، ومنها استحقاقه للعبادة وحده.
قال شيخ الإسلام بن تيمية -رحمه الله-:" التوحيد الذي جاءت به الرسل إنما يتضمن إثبات الإلهية لله وحده بأن يشهد أن لا إله إلا الله: لا يعبد إلا إياه، ولا يتوكل إلا عليه، ولا يوالي إلا له، ولا يعادي إلا فيه، ولا يعمل إلا لأجله. وذلك يتضمن إثبات ما أثبته لنفسه من الأسماء والصفات. قال تعالى (163:2) وإلهكم إله واحد لا إله إلا هو الرحمن الرحيم) وقال تعالى (51:16) (وقال الله لا تتخذوا إلهين إنما هو إله واحد فإياي فارهبون)".
ثم ساق آيات في هذا الصدد ثم قال: (وليس المراد بالتوحيد: مجرد توحيد الربوبية وهو اعتقاد أن الله وحده خلق العالم، كما يظن ذلك من يظنه من أهل الكلام والتصوف.
ويظن هؤلاء أنهم إذا اثبتوا ذلك بالدليل فقد أثبتوا غاية التوحيد. وأنه إذا شهدوا هذا وفنوا فيه فقد فنوا في غاية التوحيد فإن الرجل لو أقر بما يستحقه الرب تعالى من الصفات ونّزهه عن كل ما ينـزَّه عنه. وأقّر بأنه وحده خالق كل شيء. لم يكن موحداً حتى يشهد أن لا إله إلا الله وحده. فيقرّ بأن الله وحده هو الإله المستحق للعبادة.
ويلتزم بعبادة الله وحده لا شريك له. و"الإله" هو المألوه المعبود الذي يستحق العبادة.
وليس هو الإله بمعنى القادر على الاختراع. فإذا فسّر المفسر"الإله " بمعنى القادر على الاختراع واعتقد أن هذا المعنى هو أخص وصف الإله(1) وجعل إثبات هذا هو الغاية في التوحيد- كما يفعل ذلك من يفعله من متكلمة الصفاتية، وهو الذي يقولونه عن أبي الحسن وأتباعه لم يعرفوا حقيقة التوحيد الذي بعث الله به رسوله –صلى الله عليه وسلّم- فإن مشركي العرب كانوا مقرّين بأن الله وحده خالق كل شيء وكانوا مع هذا مشركين قال تعالى:(106:12)(وما يؤمن أكثرهم بالله إلا وهم مشركون) قالت طائفة من السلف:
"تسألهم: من خلق السموات والأرض ؟ فيقولون: الله وهم مع هذا يعبدون غيره
قال تعالى (84:23)(قل لمن الأرض ومن فيها إن كنتم تعلمون ؟(85)سيقولون لله. قل أفلا تتذكرون (86) قل من رب السموات السبع ورب العرش العظيم ؟ (87) سيقولون لله. قل أفلا تتقون ؟ (88) قل من بيده ملكوت كل شيء وهو يجير ولا يجار عليه إن كنتم تعلمون ؟(89) سيقولون لله. قل فأنّى تسحرون ؟) فليس كل من أقرّ بأن الله تعالى رب كل شيء وخالقه يكون عابداً له دون ما سواه داعياً له دون ما سواه راجياً له خائفاً منه دون ما سواه يوالي فيه ويعادي فيه ويطيع رسله ويأمر بما أمر به وينهى عما نهى عنه وعامّة المشركين أقرّوا بأن الله خالق كل شيء وأثبتوا الشفعاء الذين يشركونهم به وجعلوا له أنداداً قال تعالى (43:39) أم اتخذوا من دون الله شفعاء ؟ قل أولو كانوا لا يملكون شيئاً ولا يعقلون 44 قل لله الشفاعة جميعاً له ملك السموات والأرض).
ثم ساق آيات في هذا الصدد ثم قال: ولهذا كان من أتباع هؤلاء من يسجد للشمس والقمر والكواكب ويدعوها، ويصوم وينسك لها ويتقرب إليها... ثم يقول: إن هذا ليس بشرك إنما الشرك إذا اعتقدت أنها المدبرة لي. فإذا جعلتها سبباً وواسطة لم أكن مشركاً. ومن المعلوم بالاضطرار من دين الإسلام أن هذا شرك(1).
ومن هذا العرض يتجلى لك المعنى الحقيقي لكلمة لا إله إلا الله ويتجلى لك جهل المتكلمين والخرافيين بمعنى هذه الكلمة العظيمة التي بعث بها جميع الرسل وأنزل من أجلها الكتب وشرع من أجلها الجهاد وخلق من أجلها الجنة والنار.
نفي فتنة التكفير القائمة في هذا العصر عن منبعها وإلصاقها
بالإمام محمد–رحمه الله-
ولا أدري ما سر نفي المالكي التكفير عن سيد قطب وذبه عنه واتهام من ينتقده، وإلصاق التكفير بالإمام محمد هل لأنه يوافقه في عقيدته ومنهجه ولاسيما طعنه في الصحابة، أو لأسباب أخرى منها حقده على الإمام محمد ودعوته وأنصاره.
إنَّ كل منصف يعلم تمام العلم أن فتنة التكفير والتفجير والدمار إنما هي نتيجة لمنهج وفكر سيد قطب ومدرسته وكتبه وكتب من سار على نهجه وعلى رأس هذه الكتب كتاب (في ظلال القرآن) وكتاب (معالم في الطريق)، وكتابات محمد قطب وأبي بصير وأبي قتادة وأمثالهم الذين ألهبوا عواطف الشباب في العالم وزجوا بهم في هوة التكفير والتفجير وقد يتمسح بعضهم بالقرآن والسنة وكتب أئمة الدعوة لترويج منهجهم الأصيل الذي تربوا عليه من كتاب "الظلال" و"المعالم" وما يتبعهما، يعرف هذا كل منصف.
وحتى كُتّاب الإخوان المسلمين يردون هذه الفتنة إلى كتب سيد قطب ومحمد قطب وإلى كتابات المودودي، ومن هؤلاء القرضاوي وأبو الحسن الندوي.
فضلاً عن غيرهم من علماء الأمة المنصفين الذين يعلمون علم اليقين منشأ التكفير الخارجي السياسي والتفجير والتدمير الهمجي، ويعلمون براءة دعوة الإمام محمد- رحمه الله - من هذه الضلالات لأن دعوته قامت على العلم المستمد من الكتاب والسنة وقامت على هدى السلف الصالح من الصحابة الكرام والأئمة العظام أعلام الهدى ومصابيح الدجى.
وكتب الإمام محمد وكتب تلاميذه وأحفاده ناطقة بذلك زاخرة بالعقائد الصحيحة والمناهج السديدة والأصول المحكمة.
وقائمة في توضيح قضايا التوحيد والشرك والإيمان والكفر والتكفير بتفاصيلها على الكتاب والسنة ونهج السلف الصالح.
بخلاف ما عليه التكفيريون الجاهلون الذين يلصقهم هذا الظالم (المالكي) بدعوة الإمام محمد فما أبعدهم عن دعوة الإمام محمد وأسلافه بل هم حرب عليها وعلى أهلها، وأشد خصومهم هم أتباع هذا الإمام ومنهجه الإسلامي الحق.
لأنهم ترسموا خطى سيد قطب ومنهجه الضال ومنه التكفير والتفجير والتدمير، الأمور التي زلزلت المسلمين في مشارق الأرض ومغاربها.
وهذا الظلوم يحاول جاهداً أن يبريء ساحة سيد قطب من هذه الدواهي لأمر ما ويحاول جاهداً أن يلصقها بالإمام محمد ودعوته وهيهات هيهات ودون ذلك خرط القتاد لما بين الدعوتين من ترامي الأبعاد.
هذا الرجل تدور حربه أو معظمها على الإمام محمد ودعوته حول محورين:
الأول: أنه يكفر المسلمين.
والثاني: أنه يستجيز قتالهم ويوهم الناس أن الإمام محمداً انفرد بهذين الأمرين، ويوهم الناس خلال هذه الدعاوى أن واقع الناس بخلاف ما يقول الإمام محمد فالشرك نادر وإنما هي البدع من جنس التبرك وتقبيل اليد، ويوهم أن دعوة هذا الإمام شاذة وليست على منهج الأنبياء.
وسوف يرى القارىء بطلان هذه المجازفات التي اقتحمها هذا الظالم الجهول وسيرى أن الإمام محمداً وأتباعه سائرون في ركب الأنبياء وركب أعلام الهدى ومصابيح الدجى من أئمة الإسلام الذين أدركوا بما عندهم من علم واع بمنهج الأنبياء من دعوة الأمم إلى التوحيد ومحاربة الشرك ومظاهره ووسائله سواء منهم من عاصره أو سبقه أو تلاه.
وسوف أناقشه في أهم افتراءاته مبيناً واقع الإمام الحقيقي ومنهجه وهل هو الوحيد في دعوته أو هو أسد من أسد الله مع أسود وأشاوس من هذه الأمة، ومبيناً فساد منهج هذا المالكي وعقله وأخلاقه وتوليه لأهل الضلال ودفاعه عنهم بالباطل.
دحض نسبة المالكي التكفير إلى الإمام محمد وكتبه وبيان
من هم أهل التكفير الذين يخفي تكفيرهم
ادعى المالكي أن الإمام محمد بن عبد الوهاب يكفر المسلمين وقد شحن كتابه بهذه الدعاوى ويوهم الناس أن الإمام محمد بن عبد الوهاب هو الوحيد الذي يدعي بأن الشرك قد انتشر في المجتمعات الإسلامية ويدعي هذا المالكي بأن ذلك نادر في هذه المجتمعات.
وهذا بهت شديد، فالإمام محمد يحب المسلمين ويذود عن حياضهم ويحارب من يكفرهم ويوالي ويعادي من أجلهم ولا يكفر إلا من قامت عليه الحجة، وكتبه تشهد بذلك.
أما تكفير المسلمين بل سادة المسلمين وهم أصحاب محمد -صلى الله عليه وآله وسلم- ومن تبعهم بإحسان وبغضهم ومعاداتهم وتكفيرهم ظلماً وبغيا فإنما هو وصف الروافض الذين يتولاهم المالكي ويهون من شأن خبثهم وضلالهم.
وإنما هو وصف الخوارج الذين يصانعهم ويغض الطرف عن ضلالهم فهم يكفرون أصحاب محمد إلا القليل ويكفرون بالكبائر فلا يسلم أحد من تكفيرهم.
وإنما يكفر المسلمين المعتزلة والزيدية الذين سلكوا مسلكهم والذين ينتمي إليهم المالكي على أحسن أحواله.
فهم يخرجون المؤمنين من الإيمان إذا وقعوا في الكبائر ويحكمون عليهم بالخلود في النار وينكرون شفاعة الشافعين فيهم.
هؤلاء هم المكفرون الحقيقيون المذمومون عند الله وعند الإمام محمد وأتباعه وعند أهل السنة والجماعة من فجر تاريخهم إلى اليوم.
وأما أنه انفرد بمحاربة الشرك وأن الشرك لم يقع إلا على ندرة في المجتمعات الإسلامية ولا يدعي فشوه إلا الشيخ محمد - رحمه الله - فهذا مكابرة من هذا الرجل فهناك أئمة من قرون سبقوا الإمام محمداً إلى إدراك فشو هذا الداء وانتشاره في بلدان المسلمين.
وأئمة عاصروه وأدركوا هذا الاتساع والانتشار وجهروا بذلك.
وأئمة لحقوا وأدركوا هذا التفشي والاتساع وحاربوه.
منهم:
1- العلامة أبو بكر محمد بن الوليد الطرطوشي المالكي المتوفى سنة 520 هـ صاحب كتاب الحوادث والبدع.
حارب في كتابه المذكور البدع والضلالات ومن ضمنها البدع الشركية.
حيث قال معلقاً على حديث أبي واقد الليثي - رضي الله عنه - الذي فيه قول بعض حديثي العهد بالكفر.
" اجعل لنا ذات أنواط فأنكر عليهم النبي –صلى الله عليه وسلّم- قولهم هذا وقال الله أكبر إنها السنن قلتم والذي نفسي بيده كما قالت بنو إسرائيل، "اجعل لنا إلهاً كما لهم آلهة قال: إنكم قوم تجهلون لتركبن سنن من كان قبلكم".
قال الطرطوشي عقبه:" فانظروا - رحمكم الله - أينما وجدتم سدرة أو شجرة يقصدها الناس ويعظمون من شأنها ويرجون البرء والشفاء من قبلها وينوطون بها المسامير والخرق فهي ذات أنواط فاقطعوها"
كتاب الحوادث والبدع" (ص104-105).
2- ومنهم العلامة شهاب الدين عبد الرحمن بن إسماعيل المعروف بأبي شامه الشافعي المتوفى سنة 665 هـ صاحب كتاب "الباعث على إنكار البدع والحوادث"، وسيأتي كلامه.
3- ومنهم شيخ الإسلام ابن تيمية - رحمه الله - المتوفى سنة 728 هـ وكتبه مليئة ببيان التوحيد بأنواعه وبيان الشرك وأنواعه ومن مؤلفاته "الجواب الباهر"، و"التوسل والوسيلة"، و"الواسطة بين الحق والخلق"، و"الاستغاثة في الرد على البكري"، و"اقتضاء الصراط المستقيم".
4- ومنهم الإمام ابن القيم المتوفى سنة 751 هـ وكتبه مشحونة ببيان التوحيد بأنواعه والشرك بأنواعه ومنها "إغاثة اللهفان".
5- ومنهم الإمام محمد بن عبد الهادي المقدسي المتوفي سنة (744هـ) وله كتاب "الصارم المنكي في الرد على السبكي".
6- ومنهم الإمام محمد بن إسماعيل الصنعاني المتوفى سنة (1182 هـ) في كتابه الشهير المسمى "بتطهير الاعتقاد".
7- ومنهم العلامة الشيخ حسين بن مهدي النعمي المتوفى سنة(1178 هـ) صاحب كتاب "
وعدّ ذلك من حيوية دعوته وقوتها
قال المالكي في (ص7) بعد اتهامات جريئة بالتكفير وإلصاق التكفيريين ظلماً بالإمام محمد ودعوته: " وردي ليس على هذا التيار فقط وإنما يستهدف الرد
-بالدرجة الأولى- أولئك الذين يحاولون أن يركبوا الجملين جميعاً! فيردون على أهل التكفير ويغلون في الدفاع عن أخطاء أئمة الدعوة!.
أو بلغة أخرى نقول: يردون على هؤلاء الشباب الذين كفروا العلماء والحكام بأدلة العلماء الذين كانوا يردون على الشيخ محمد بن عبد الوهاب! فكأنهم يردون على الشيخ محمد بهذه الطريقة التي تجمع بين الذكاء والغباء".
ونحن نقول لهم:" إن الله حرم التلون وهو الظهور بوجهين وذم النبي –صلى الله عليه وسلّم- ذا الوجهين: فإن كنتم رادين على هؤلاء الشباب فعليكم أن تردوا على بعض الأخطاء في التكفير التي وقع فيها الشيخ محمد وبعض علماء الدعوة.
وإن كنتم تدافعون عن الشيخ محمد وعلماء الدعوة فيجب أن تدافعوا عن هؤلاء لأنهم مقلدون له ولبعض علماء الدعوة وستأتي النماذج.
وأنا بحمد الله – وإن أساء بي البعض الظنون – لكن لي وجهاً واحداً وأرد على شبهات التكفير سواء قالها خصم أو صديق طالب علم أو عالم أو عامي.
وردي على هذه الشبهات أراه واجباً دينياً مع الاحتفاظ بحق الإسلام للجميع وحق خاص للشيخ محمد بن عبد الوهاب باعتباره كان سبباً في إيجاد هذا الكيان الكبير الذي التقى فيه أبناء هذا الوطن من أقصى الشمال لأقصى الجنوب ومن أقصى الشرق لأقصى الغرب، فكان الشيخ سبباً -بعد توفيق الله- في القضاء على التشرذم والتنازع مع بث العلم والدعوة للإسلام الخالص النقي من البدع والخرافات كل هذا شيء نعترف به ونقدره ونحب الشيخ لأجله في الله وندعو له لكن أن تكون هذه المحاسن مانعة من الملحوظات العلمية عليه فلا.
لسبب بسيط وهو أنه بشر يخطيء ويصيب وعندما يقوم بعض الباحثين بتعقب الشيخ في مسائل أخطأ فيها ليس نهاية الإسلام ولا يعني القضاء على منجزاتنا العلمية والدعوية بالفشل وإنما من حيوية دعوة الشيخ وقوتها أنها تنتج من أبنائها من يتعقب بعض أقواله التي اجتهد فيها فأخطأ، وهذه ميزة العلماء الربانيين أنهم يعطون منهجاً ولا يلزمون أتباعهم باجتهاداتهم، وهذه الدراسة لو يسمح لها بالنشر لكانت من أكبر الأدلة في الرد على مزاعم الكثير من المسلمين في العالم الذين يتهموننا بالتعصب للشيخ لا للكتاب والسنة".
التعليــــق
أسلوب عجيب يجمع بين الطعن الشنيع لعلماء هذه الدعوة والاتهام الفظيع ثم مدح نفسه ومدح الإمام محمد والإصرار على حربه والافتراء عليه مع ادعاء محبته، ويرى أن نقده الظالم دليل على حيوية هذه الدعوة فما هي هذه الحيوية إذا كان أهلها كلهم خونة ومنافقين ذوي وجهين ويركبون الجملين ولا ينتقدون الأخطاء الفظيعة التي دمرت الأمة أي حيوية هذه التي هذا حالها وحال أهلها.
أيا مالكي يقال لك: "رمتني بدائها وانسلت " فلا تفتر على دعوة هذا الإمام التي هي التوحيد الخالص والدين النقي ولا تلصق بها مذهب الخوارج الذي يحاربه هذا الإمام وأسلافه وأنصاره بحق وعلم لا تخلط بين منهجين متضادين كتضاد الظلمات والنور والظل والحرور، ولا تدع أنك من أبناء هذه الدعوة وأنت من ألد أعدائها.
يقول المالكي:" إن الله حرم التلون وهو الظهور بوجهين الخ" (ص.
أقول: لا ترم غيرك بدائك فأنت ذو الألوان والوجوه.
فأنت تارة مع الروافض في الطعن في أصحاب محمد وأهل السنة، وتارة مع الخرافيين والمرجئة والغلاة تدافع عن خرافاتهم وبدعهم الشركية ومع ذلك تظهر للسلفيين أنك منهم وتطعن في الإمام محمد أشد الطعون التي لا تصدر من أشد الأعداء حقداً وبغضاً.
وتدعي أنك تحبه وتحترمه وتدعي أنك ستحتفظ بحق الإسلام العام للجميع وبحق خاص للشيخ محمد.
وما عرفت حق الإسلام لأنصاره ومن على منهجه وأهدرت حق الإمام محمد أيما إهدار وتجنيت عليه بأشد أساليب الأعداء.
فإذا لم تكن هذه الأفاعيل الشنيعة تلوناً فليس في الدنيا تلون.
وبعد هذه الأفاعيل الشنيعة.
يقول: " وأقول – أيضاً – هذه والله نصيحة محب للشيخ مقدر لجهوده وعلمه ولا يجوز أن تسمعوا لمن يشكك في النيات ويفسر نقدي هذا تفسيراً خلاف ما دونته هنا.
ومن كان عنده شك أنني أكتب لغير مصلحة الإسلام والعلم ولأهداف غير مشروعة ونحو هذا فأنا مستعد لمباهلته لنجعل لعنة الله على الكاذبين".
أقول: إنني أقطع بأنك على باطل وأنك من أهل الأهواء وأقطع بأنك ظلمت الإمام محمداً وهوشت عليه بالباطل، وأكاد أجزم بخبث طويتك وفساد معتقدك.
ومستعد لمباهلتك فنجعل لعنة الله على الكاذبين الذين يؤذون أصحاب محمد ويؤذون خيار المسلمين والعلماء الصادقين المخلصين، ويسعون في الأرض فساداً بعد إصلاحها والله لا يحب المفسدين.
وجئني بأمثالك لتكون المباهلة شاملة حتى يريح الله المسلمين من شر المفسدين.
سفاهة المالكي على الإمام محمد ومخالفته للمفسرين سلفاً وخلفاً
قال المالكي (ص 13): "الملحوظة الخامسة: قوله (ص9): في وصف محاسن كفار قريش وغيرهم (كانوا يدعون الله سبحانه ليلاً ونهاراً ! ثم منهم من يدعو الملائكة لأجل صلاحهم وقربهم إلى الله ليستغفروا له أو يدعو رجلاً صالحاً مثل اللات أو نبياً مثل عيسى وعرفت أن رسول الله –صلى الله عليه وسلّم- قاتلهم على هذا الشرك ودعاهم إلى إخلاص العبادة....
فقاتلهم رسول الله ليكون الدعاء كله لله والنذر كله لله والذبح كله لله والاستغاثة كلها بالله وجميع العبادات لله...الخ). أهـ.
قال المالكي:" أقول الكفار لم يكونوا يدعون الله ليلاً ونهارا وإنما يذكرون هبل واللات ومناة ولو كانوا يدعون الله ليلاً ونهارا لما نهى نبيه عن عبادة الذين يدعون كما في قوله تعالى: قل إني نهيت أن أعبد الذين تدعون من دون الله.
وقال تعالى واصفاً حال الكفار ساعة الموت حتى إذا جاءتهم رسلنا يتوفونهم قالوا أين ما كنتم تدعون من دون الله، وقال: إن الذين تدعون من دون الله عباد أمثالكم. وقال عن الكفار وقالوا ربنا هؤلاء شركاؤنا الذين كنا ندعوا من دونك.
وغير ذلك كثير من الآيات التي لم أشأ تتبعها وهي تخبر عنهم بخلاف ما أخبر الشيخ ولم يكونوا يدعون الله بإخلاص إلا في حال الشدائد ولو كانوا يدعون الله ليلاً ونهاراً كما وصفهم الشيخ لغبطهم عليه زهاد الصحابة فهذه الصورة من الصور الكثيرة الجميلة التي يمدح فيها الشيخ كفار قريش ليس حباً(1) فيهم ولكن ليقارن بينهم وبين مسلمي عصره ثم يبني على ذلك تفضيلهم على المسلمين.
ثم البناء على هذا كله تكفير المسلمين وقتالهم والذي يجب أن يصحح هنا أن النبي –صلى الله عليه وسلّم- قاتل الكفار لأمور كثيرة أهمها الشرك الأكبر بالله وإخراج المسلمين من ديارهم وإنكار النبوة وارتكابهم المظالم....الخ".أهـ.
التعليــــق:
1- أولاً:إن الشيخ يقصد أن مجموع الكفار يذكرون الله ليلاً ونهاراً فإذا نظرت إلى مجموع الكفار في الجزيرة العربية وخارجها فلا تمر لحظة إلا وفيها من يذكر الله فما يمر لحظة أو يوم إلا ومنهم ذاكرون.
ولا يقصد الشيخ أنهم ليس لهم كلهم - أفراداً وجماعات- إلا ذكر الله كما يفهم من تهويل المالكي واستغلاله لهذه العبارة ليشنع بها على هذا الإمام.
فلو قلنا إنهم لا يذكرون الله إلا في حال الشدة فقط لاحتاج هذا الادعاء إلى دليل ولا دليل على ذلك.
وثانياً: هم في مجموعهم وعلى كثرتهم لا يخلو وقت من الأوقات من حاجة أو شدة تمر بكثير منهم تدفعه هذه الحاجة أو الشدة إلى ذكر الله ودعائه.
فهذا في البحر قد يواجه الأخطار وهذا في الـبر ينهكه العطش وذاك في الجبل يرهقه الصعود والهبوط وهذا يشتد به الجوع وهذا يشتد به المرض وهناك نساء يواجهن مشاكل الحمل والولادة ومرض أطفالهن إلى أحوال كثيرة تطرأ على مجموع هؤلاء الكفار فيتجهون إلى الله الذي يعتقدون في قرارة أنفسهم أنه لا يكشف الضر سواه.
هذا إن جارينا المالكي على أنهم لا يدعون الله إلا في حال الشدة، ولا دليل له على هذه الدعوى.
فهناك من يحج وهناك من يطوف بالبيت ويذهب في أيام الحج إلى منى وعرفات والمزدلفة وهناك معتمرون منهم من آفاق الجزيرة على امتداد العام.
2- وهم يؤمنون بأن الله الخالق الرازق يملك السمع والأبصار وينـزل الأمطار ويحي الأرض بعد موتها ويدير أمر الكون، ولئن سألتهم من خلق السموات والأرض ليقولن الله، أمن يملك السمع والأبصار ومن يخرج الحي من الميت ومن يخرج الميت من الحي.
هذا ما أخبرنا الله به فهل يكون الله قد أثنى عليهم أو أن الله يذكر حالهم هذا ليلزمهم بتوحيد الألوهية وإفراده بالعبادة وإخلاص الدين له وحده.
فإن قلت إن هذا ثناء قلنا الإمام محمد اتبع كلام الله.
وإن قلت يذكر هذا لبيان حالهم وأن هذا التوحيد لم يدخلهم في الإسلام ولم يحقن دماءهم وهذا هو الواقع قلنا فأي لوم على الإمام محمد أن يأخذ من حالهم ما يحتج به على من حالهم كحال المشركين من دعاء غير الله والذبح لغير الله والنذر لهم واللجوء إليهم في الشدائد ويتجهون إلى الله كما تواترت الأخبار عن القبوريين في الحالة التي ينسى المشركون فيها آلهتهم.
قال تعالى: قل أرأيتكم إن أتاكم عذاب الله أو أتتكم الساعة أغير الله تدعون إن كنتم صادقين بل إياه تدعون فيكشف ما تدعون إليه إن شاء وتنسون ما تشركون الأنعام (40-41).
3- إنَّ لفظ الشرك يدل على أن عبادتهم منقسمة بين الله وبين معبوداتهم.
كما قال الله تعالى مخبراً عن المشركين أجعل الآلهة إلهاً واحداً إن هذا لشيء عجاب ، وهذا دليل على اعترافهم بألوهية الله لكنهم يرفضون تخصيصه بالعبادة ويصرون على اتخاذ شركاء له.
4- قال تعالى ذاكراً حالهم: والذين اتخذوا من دونه أولياء ما نعبدهم إلا ليقربونا إلى الله زلفى فهم يجعلون من عباداتهم لآلتهم وسيلة تقربهم إلى الله زلفى. فلا بد أن يكونوا إذا تقربوا إليهم بعبادة أن يكون الله حاضراً في أذهانهم معتقدين أن ما يطلبونه بيده هو وإنما يتخذون معبوداتهم وعباداتهم وسائل فهم ذاكرون الله كلما توسلوا بآلهتهم، فيصح ما قاله الإمام محمد - رحمه الله-.
والإمام مجتهد ناصح يريد لهؤلاء الخير ويريد تخليصهم من حبائل الشرك وخصومه من دعاة الضلال يريدون لهم الشر والبوار لأجل مصالحهم وحماية مناصبهم فإن استجابتهم لدعوة الله الحق تسقط منازلهم إذا فهم هذا كله.
فقول المالكي:" الملحوظة الخامسة: قوله (ص9) في وصف محاسن كفار قريش وغيرهم....الخ.
وتهويله على الإمام محمد في قوله يدعون الله ليلاً ونهاراً ".
وقوله: "الكفار لم يكونوا يدعون الله ليلاً ونهاراً! وإنما كانوا يذكرون هبل واللات ومناة"، كل هذا من الظلم والإفك والمكابرة ؟.
الشيخ يقول هذا لا لغرض دنيوي وإنما لبيان حال المشركين لا لمدحهم ولكي ينبه حواس ومشاعر وعقول من يخاطبهم إلى الخطر العظيم الذي وقعوا فيه وليدركوا أن تعلقهم بتوحيد الربوبية مع ضلالهم في توحيد الألوهية لا يغني عنهم شيئا كما لم يغن شيئاً عن من خاصم الرسول –صلى الله عليه وسلّم- في توحيد الألوهية.
رحم الله هذا الإمام المخلص الناصح الذي ما ترك حجة تنبه وتوقظ هؤلاء المنحرفين ولا وسيلة يستطيعها إلا قدمها لهم.
والله أسأل أن ينتقم من أعداء التوحيد وأعداء هذا الإمام المخلص الذين كالوا له التهم أولئك الضالون الحاقدون وتابعهم وقلدهم هذا المالكي الظلوم.
الإمام محمد يلزم خصومه على الطريقة الشرعية والعقلية
والمالكي يرفض هذه الإلزامات ويهول عليه بالترهات
قال المالكي: الملحوظة الرابعة والعشرون: قوله ص4: ـ وكرر نحو هذا ص57 ـ (هؤلاء أصحاب رسول الله –صلى الله عليه وسلّم- قاتلوا بني حنيفة وقد أسلموا مع النبي –صلى الله عليه وسلّم- وهم يشهدون أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله –صلى الله عليه وسلّم- ويصلون ويؤذنون فإن قالوا: إنهم يقولون إن مسيلمة نبي قلنا: هذا هو المطلوب إذا كان من رفع رجلاً إلى رتبة النبي –صلى الله عليه وسلّم- كفر وحل ماله ودمه ولم تنفعه الشهادتان ولا الصلاة فكيف بمن رفع شمسان أو يوسف أو صحابياً أو نبياً في مرتبة جبار السموات والأرض...) !! أهـ
ثم قال: "أقول: هذا الكلام فيه عدة أوهام عجيبة:
الأول: بنو حنيفة ارتدوا مطلقاً وآمنوا برجل زعموا أنه نبي وتركوا أوامر النبي –صلى الله عليه وسلّم- لأوامره عامدين.
وهؤلاء يختلفون عن أناس لا يحبون الصالحين إلا لمحبة هؤلاء الصالحين للنبي –صلى الله عليه وسلّم- أو هكذا يظنون، ولا يرفعون أحداً من الصالحين فوق رتبة النبي –صلى الله عليه وسلّم- ولا يوصلونه لهذا فضلاً عن جعل أحد الصالحين في رتبة الله عز وجل، فهذا لم يقل به هؤلاء الناس مطلقاً(1)ولم يقل به مسلم عاقل [32] على مر التاريخ. والشيخ يلزم بأشياء لا تلزم، وعلى منهجه يمكن تكفير من بحث عن رزقه عند فلان(2)، أو حلف بالنبي صلى الله عليه وسلم، أو حلف بالكعبة، أو غلا في أحد من الصالحين أو غيرهم وهذا خطأ بلا شك.
بل يمكن على هذا المنهج أن نكفر المغالين في الشيخ الذين لا يخطئونه ولا يقبلون نقده، الذين يحتجون بأنه أعلم بالشرع وقد يردون حديثاً صحيحاً أو آية كريمة..
وعلى هذا نأتي ونقول: هؤلاء رفعوا مقام الشيخ محمد إلى مقام النبوة أو الربوبية وعلى هذا فهم كفار مشركون... الخ.
فهذا منهج خاطيء والمسائل العلمية لا تؤخذ بهذا التخاصم، بل لها طرق معروفة عند المنصفين من عقلاء المسلمين والكفار"(3).
التعليـــق:
1- أقول: إن قَصْد الشيخ برفعهم شمسان أو يوسف أو أحد الصحابة أو أحد الأنبياء إلى مرتبة جبار السماوات والأرض ما يرتكبونه من الشرك في عبادة الله كالمحبة والخوف والاستغاثة والاستعانة ونحوها فمن فعل هذه الأشياء بالصالحين أو الأنبياء فقد سواهم برب العالمين ورفعهم إلى رتبته تعالى وتنـزه بنص القرآن، قال تعالى: ومن الناس من يتخذ من دون الله أنداداً يحبونهم كحب الله والذين آمنوا أشد حباً لله فلما أحب المشركون اللات والعزى والملائكة كحب الله وأحب النصارى عيسى كحب الله كفرهم الله واعتبر محبتهم هذه عين المساواة بالله ورفع هؤلاء المحبوبين إلى مرتبة جبار السماوات والأرض.
فكيف بمن أضاف إلى هذه المحبة الشركية أصنافاً من الشرك أشد منها كالدعاء والاستغاثة والخوف والرغبة والرهبة وزاد أشد منها وهو اعتقاد أن الأولياء يعلمون الغيب ويتصرفون في الكون.
وقال تعالى عن الكفار وهم يختصمون في الجحيم: قالوا وهم فيها يختصمون تالله إن كنا لفي ضلال مبين إذ نسويكم برب العالمين وما أضلنا إلا المجرمون فمالنا من شافعين ولا صديق حميم فلو أن لنا كرة فنكون من المؤمنين [سورة الشعراء:96-102].
قال ابن جرير – رحمه الله – في تفسيره (19/88): "وقوله (إذ نسويكم برب العالمين) يقول الغاوون للذين يعبدونهم من دون الله: تالله إن كنا لفي ذهاب عن الحق حين نعدلكم برب العالمين فنعبدكم من دونه وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل". وساق إسناده إلى ابن زيد.
وقال ابن عطية في تفسيره (11/128) في تفسير هذه الآيات: "ثم وصف تعالى أن أهل النار يختصمون فيها ويتلاومون ويأخذون في شأنهم بجدال، ومن جهلهم قولهم لأصنامهم على جهة الإقرار وقول الحق قسماً بالله إن كنا لفي ضلال مبين في أن نعبدكم ونجعلكم سواء مع الله تعالى الذي هو رب العالمين وخالقهم ومالكهم ثم عطفوا يردون الملامة على غيرهم أي: ما أضلنا إلا كبراؤنا وأهل الحزم والجرأة والمكانة...الخ.
فهذه التسوية إنما هي في اتخاذهم أنداداً مع الله في العبادة وليست اعتقاد أنهم يخلقون ويرزقون ويدبرون أمر الكون كما يعتقده الخرافيون.
فمن فَعَل فِعل هؤلاء في صرف الدعاء والاستغاثة والمحبة والخوف والرجاء وغيرها من أنواع العبادة أو بعضها فقد اتخذ مع الله أنداداً وسوى هؤلاء الأنداد برب العالمين وناقض شهادة أن لا إله إلا الله وهذا أمر معروف من حال القبوريين وكتب أهل الضلال من أئمتهم مشحونة بذلك شاهدة عليهم به، ومع كل هذا الضلال لا يكفر الإمام محمد هذه الأصناف إلا بعد إقامة الحجة، وكذلك أنصاره كما بينا ذلك سابقاً مرات وكرات.
2- قوله: "أقول هذا الكلام فيه عدة أوهام عجيبة:
الأول: بنو حنيفة ارتدوا مطلقاً وآمنوا برجل زعموا أنه نبي وتركوا أوامر النبي –صلى الله عليه وسلّم- لأوامره.
وهؤلاء يختلفون عن أناس لا يحبون الصالحين إلا لمحبة هؤلاء الصالحين للنبي أو هكذا يظنون ولا يرفعون أحداً من الصالحين فوق رتبة النبي –صلى الله عليه وسلّم- ولا يوصلونه لهذا فضلاً عن جعل أحد الصالحين في رتبة الله عز وجل فهذا لم يقل به هؤلاء الناس مطلقاً ولم يقل به مسلم عاقل على مر التأريخ".
أقول:
(1) يفهم من كلام المالكي أنه لا يكون الإنسان مرتداً إلا إذا كان على غرار قوم مسيلمة يؤمنون بنبوة إنسان ويخالفون أوامر النبي من أجله وهذا جهل مطبق بأنواع الردة وأسبابها.
فلو أن رجلاً ادعى في إنسان أنه يعلم الغيب ويتصرف في الكون لوقع في الكفر الأكبر، وإذا أقيمت عليه الحجة فأبى أن يرجع عن قوله فهو مرتد ولو سب الله أو رسوله مع إيمانه بالله ورسوله لكفر وخرج عن دائرة الإسلام، ولو استهزأ بالله أو برسوله أو أحد الأنبياء أو بالقرآن أو آية منه لكفر بالله تعالى ولو دعا غير الله أو استغاث به أو ذبح له أو نذر له لكان مرتكباً كفراً وشركاً بالله عز وجل وينبغي للجاهل أن يقرأ أبواب الردة في كتب الفقه الإسلامي قبل أن يخوض في هذا الميدان ضد فحول أهل العلم ومنهم الإمام محمد – رحمه الله -.
(2) وقوله:"وهؤلاء يختلفون عن أناس لا يحبون الصالحين إلا لمحبة هؤلاء للنبي –صلى الله عليه وسلّم- أو هكذا يظنون"، يدل على جهل مفرط في البدهيات الإسلامية، فلو قال النصارى: لماذا تكفروننا معشر المسلمين ونحن ما عبدنا عيسى إلا لأنه يحب الله؟ ولو قال المشركون: لماذا تكفروننا ونحن نعبد الملائكة لأنهم يحبون الله؟ ثم ماذا يقول المالكي في الروافض الذين قالوا: إن من ضروريات مذهبنا أن الأئمة بلغوا منـزلة عند الله لا يبلغها ملك مقرب ولا نبي مرسل ثم يدعونهم ويستغيثون بهم في الشدائد ويعتقدون فيهم أنهم يعلمون الغيوب كلها ماضيها وحاضرها ومستقبلها، بل تجاوزوا بهم هذه المرتبة إلى مرتبة الربوبية فقالوا: "إن للإمام سلطة تكوينية على كل ذرة من ذرات الكون"، فماذا أبقوا لله رب العالمين؟! وما هو موقفك منهم؟ إنه التأويل الذي لا يخطر ببالهم. أما الإمام محمد فليس له من المالكي ولا لأتباعه إلا الحرب والطعون الظالمة والتهاويل، ثم هل هؤلاء الذين تدافع عنهم بعد وقوعهم في هذه الفواقر مسلمون عقلاء؟ أو هم ضلال لا يعقلون وأغبياء؟.
3- ما قاله الإمام حق من أن قوم مسيلمة أسلموا وكانوا يشهدون ألا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله ويصلون ويؤذنون، ثم آمنوا بما ادعاه مسيلمة من النبوة وأن النبي أشركه فيها فصاروا من شر أهل الردة ثم بعد هذا بقوا يصلون ويؤذنون بناء على إيمانهم بمحمد رسول الله ومع ذلك فقد اعتبرهم الصحابة والمسلمون كفاراً مرتدين، والشيخ يرد على قوم معاندين مكابرين يقولون: من قال لا إله إلا الله لا يكفر ولا يقاتل ولو اعتقد في الأولياء أنهم يعلمون الغيب ويتصرفون في الكون ولو نسوا الله عند الشدائد والكروب ولجأوا إلى الأولياء يستغيثون بهم ويتضرعون إليهم ويتذللون لهم لينقذوهم من هذه الشدائد والكروب.
فهؤلاء الذين يفعلون هذه الأفاعيل وغيرها من الشركيات والضلالات لا يجوز في نظر هؤلاء المعاندين أن يطلق عليهم لفظ الشرك ولو أقيمت عليهم الحجج والبراهين بأن ما هم عليه شرك في الألوهية وشرك في الربوبية وعندهم لا يجوز قتالهم مهما بالغ الإمام محمد وأهل الحق والتوحيد في بيان ضلالهم وإقامة الحجج والبراهين عليهم.
نعم ذكرت كتب التاريخ أخبار المرتدين ومنهم مسيلمة وذكروا من أخباره أنه كان له من يؤذن للصلاة وهو عبد الله بن النواحة وآخر يقيم الصلاة وهو حجير ابن عمير، وذكر صاحب الفتوح أن اسم مؤذنه حجير(1)، فإما أن تقبل ما قالوه في ردته وما جرى فيها من قتال وغيره بما فيها الأذان والصلاة وإما أن ترد الجميع، أما أن تأخذ ما تشاء لتهول به على الإمام محمد وترد ما تشاء للغرض نفسه فهذا يدل على أنك قد بلغت غاية لا تلحق فيها من اللدد والفجور في الخصومة.
4- قال: "والشيخ يلزم بأشياء لا تلزم وعلى منهجه يمكن تكفير من بحث عن رزقه عند فلان أو حلف بالنبي (ص) أو حلف بالكعبة أو غلا في أحد الصالحين أو غيرهم وهذا خطأ بلا شك بل يمكن على هذا المنهج أن نكفر المغالين في الشيخ الذين لا يخطئونه ولا يقبلون نقده الذين يحتجون بأنه أعلم بالشرع وقد يردون حديثاً صحيحاً أو آية كريمة....
وعلى هذا نأتي ونقول لهؤلاء رفعوا مقام الشيخ محمد إلى مقام النبوة أو الربوبية وعلى هذا فهم كفار مشركون...الخ
فهذا منهج خاطئ والمسائل العلمية لا تؤخذ بهذا التخاصم، بل لها طرق معروفة عند المنصفين من عقلاء المسلمين والكفار ".
أ- أقول: إن الشيخ لا يلزم خصومه إلا على طريقة القرآن الكريم وعلماء المسلمين وإلزاماته قوية جداً وفي موقعها وقد سلك القرآن هذا المسلك.
ب- الحلف بغير الله كفر أصغر عند العلماء في ضوء القواعد الشرعية لكن إذا غلا الحالف في المحلوف به وعظمه كتعظيم الله فإنه حينئذ يقع في الكفر الأكبر.
ج- والغلو في أحد الصالحين إذا كان على نحو ما يعرف عند الروافض والقبوريين من اعتقاد أنهم يعلمون الغيب ويتصرفون في الكون أو اتجهوا إليهم بشيء من العبادات التي اختص الله بها كالدعاء والاستغاثة والذبح والنذر والخوف والرجاء والمحبة والأمور التي لا تنبغي إلا لله فلا شك أن هذه الأعمال من الكفر الأكبر إن تاب مرتكبها بعد إقامة الحجة عليه وإلا فهو كافر عدو لله ولرسوله وللمؤمنين، وقد تكرر تقرير هذا.
د- أين هم هؤلاء المغالون في الشيخ الذين رفعوه إلى مرتبة النبي أو رفعوه إلى مرتبة الربوبية ؟
أين يوجد هذا الغلو؟ هل يوجد في كتبهم أو أشرطتهم أو في صحفهم ومجلاتهم أين هذا؟.
ومتى وأين ردوا حديثاً صحيحاً أو آية كريمة تعصباً وغلواً في الشيخ أو في غيره؟.
لم تضرب لنا مثالاً واحداً لهذا الغلو الشديد الذي ترمي به أتباع الشيخ من أول كتابك هذا إلى آخره.
وهذا من أكبر الأدلة على أنك كاذب مفتر من أشد الناس جرأة على بهت الأبرياء.
وهذا وغيره من أقوى الأدلة والبراهين على بعد هؤلاء وبراءتهم، وأن بهتك هذا من جنس بهت اليهود لعيسى عليه الصلاة والسلام وأمه الصديقة.
فهنيئاً لك أيها المسكين، ولقد كتب فيك أناس وبينوا جهالاتك وضلالاتك فأبيت أن تكف عن هذه الجهالات والضلالات.
لقد أسمعت لو ناديت حيـاً ولكـن لا حيـاة لمـن تنادي
ومن البلية عذل من لايرعوي عن جهله وخطاب من لايفهم
زعم المالكي أن الشيخ محمداً ارتكب قاصمة في حق خصومه لأنه
قال عنهم: "إنهم لا يعلمون معنى لا إله إلا الله" ودحض ذلك
قال المالكي (ص 15): "الملحوظة العاشرة: ثم يقول (ص13): " والحاذق منهم – يعني ممن يدعي الإسلام من علماء المسلمين! – يظن أن معناها لا يخلق ولا يرزق إلا الله) ! ثم يتبع هذا بقاصمة وهي (فلا خير في رجل جهال الكفار(1) أعلم منه بمعنى لا إله إلا الله) ؟!".
أقول: سبق الجواب بأن علماء المسلمين في زمانه لا يفسرون الشهادتين كما ذكر هنا- فيما أعلم- نعم لهم تأويل بأن التبرك والتوسل لا يناقضها وهذا شيء آخر.
لكن أن يأتي عالم ويزعم أن (لا إله إلا الله) ليس معناها إلا (لا خالق إلا الله ولا رازق إلا الله) مع جواز صرف العبادة لغيره فلا أظن عالماً عاقلاً يقول هذا، ومن زعم هذا فعليه الدليل والبرهان.
الملحوظة الحادية عشرة: ذكر (ص16،15): أن أعداء التوحيد قد يكون عندهم علم(2)وحجج وفصاحة... وهذا إقرار منه بأنه يتحدث عن معارضيه من علماء عصره في نجد والحجاز والشام [ 23 ].. معهم علم وفصاحة وقبل هذا ينفي أنهم لا يعرفون معنى لا إله إلا الله(3) !!
التعليـــق:
أولاً- إن كلام الإمام حق فهم أجهل الناس بمعنى لا إله إلا الله، ولذا فسروها بغير معناها فقالوا معناها أنه الخالق الرازق والقادر على الاختراع أو غير ذلك من التفسيرات البعيدة عن معنى لا إله إلا الله فضلوا بهذا التفسير وأضلوا عوام المسلمين وأوقعوهم في أعمال شركية خطيرة تنافي معنى لا إله إلا الله من الدعاء والاستغاثة بغير الله والذبح لغير الله والطواف والتعظيم والذل والخضوع لغير الله، بل جرهم هذا الضلال إلى الوقوع في الشرك في الربوبية فقالوا عن بعض الأولياء إنهم أقطاب يعلمون الغيب ويتصرفون في الكون وفوقهم الغوث وهو أعظم منهم علماً وتصرفاً...الخ
ثانياً- ولعل من أسباب هذا الانحراف زلة بعض العلماء القدامى من الأشاعرة.
1- قال الأستاذ أبو منصور البغدادي في كتابه أصول الدين (ص123)
" واختلف أصحابنا في معنى الإله فمنهم من قال إنه مشتق من الإلهية وهي قدرته على اختراع الأعيان وهو اختيار أبي الحسن الأشعري وعلى هذا يكون الإله مشتقاً من صفة".
فكان هذا التفسير من هؤلاء مصدراً لبلاء عظيم وانحراف خطير هو ما واجهه أئمة الإسلام ومنهم الإمام محمد بن عبد الوهاب- رحمه الله-.
2- قال أبو القاسم القشيري في "شرح أسماء الله الحسنى" باب في معنى لا إله إلا الله فلم يفسرها التفسير الصحيح الذي دل عليه القرآن واللغة وكلام العلماء
ثم قال:" وأما أقاويل المشايخ في هذه الكلمة فقد قال بعضهم إنه نفي ما يستحيل كونه وإثبات ما يستحيل فقده، ومعنى هذا أن يكون الشريك له سبحانه محالاً وتقدير العدم لوجوده مستحيلاً.
وقال بعض المشايخ مجيبا لمن قال له لم تقول الله الله ولا تقول لا إله إلا الله؟ فقال:" نفي العيب حيث يستحيل العيب عيب"(1)، وكان الدقاق -رحمه الله تعالى- يقول:" إنما قول لا إله إلا الله لاستصفاء الأسرار عن الكدورات لأنه إذا قال العبد لا إله إلا الله صفا قلبه وحضر سره ليكون ورود قوله: "الله" على قلب منقى وسر مصفى"(2)، وقال رجل للشبلي: "يا أبا بكر لم تقول الله الله ولا تقول لا إله إلا الله" فقال: لا أنفي له ضداً فصاح وقال:" أريد أعلى من ذلك"، فقال:" أخشى أن أوخذ في وحشة الجحد"(3)، فقال الرجل:" أريد أعلى من ذلك"، فقال: قال الله تعالى: قل الله ثم ذرهم في خوضهم يلعبون فزعق الرجل وخرجت روحه، فتعلق أولياء الرجل بالشبلي وادعوا عليه دمه وحملوه إلى الخليفة فخرجت الرسالة إلى الشبلي من عند الخليفة فسألوه عن دعواهم فقال الشبلي:"روح صفت فرنت فدعيت فأجابت فما ذنبي"، فصاح الخليفة من وراء الحجاب خلوه فلا ذنب له.
وقيل فمعنى قوله"لا إله إلا الله" مفتاح الجنة: أن العبد إذا كان مطيعاً كان داره في الجنة أشد عمارة وأكثر زينة وإذا عصى كان لا يعمر داره ولا يزول ملكه ولا يسلب مفتاح الدار ممن لا يعمرها فكذلك ما دام العبد مخلصاً في قول لا إله إلا الله كان من أهل الجنة"(4).
أقول: فهذا هو معنى لا إله إلا الله عند مشايخ القشيري الصوفي الأشعري وعلمائه.
وهل هذا هو المعنى الذي بعث الله به جميع الأنبياء وجاهدوا الأمم لتحقيقه؟ وجاهد رسول الله –صلى الله عليه وسلّم- من أجله وربى عليه أصحابه، وكيف يعرف الناس من هذه التفسيرات العبادة بتفاصيلها التي تضمنتها هذه الكلمة وتستلزمها لينهضوا بها ومعاني الشرك التي نفتها هذه الكلمة العظيمة ليحذروا الوقوع فيها أو في شيء منها.
وبسبب التفسيرات البعيدة عن معنى لا إله إلا الله جُهل المعنى الحقيقي للا إله إلا الله عند من يتبع هذه المدارس الفلسفية الكلامية الصوفية ووقع كثير من أتباعها في الشرك والضلال، وسلم الله من سلم ممن سلك نهج السلف الصالح في معرفة المعنى الصحيح لهذه الكلمة والعمل بمضامينها وحقوقها ومستلزماتها وأخذ الحذر مما يناقضها والابتعاد عنه ودعوة من لا يفهم معنى هذه الكلمة إلى فهمه والقيام به ليسعد في الدنيا والآخرة ويجابههم أمثال -المالكي- في كل زمان ومكان والله يحكم بين عباده فيما كانوا فيه يختصمون.
3- وذكر الرازي هذا التفسير أي "تفسير الأشعري" ضمن عدد من الأقوال في أصل اشتقاق كلمة الإله حيث قال في شرح أسماء الله الحسنى (ص124): " القول السابع: الإله من له الإلهية، وهي القدرة على الاختراع، والدليل عليه أن فرعون لما قالوما رب العالمين): قال موسى في الجواب: (رب السموات والأرض) فذكر في الجواب عن السؤال الطالب لماهية الإله: القدرة على الاختراع، ولولا أن حقيقة الإلهية هي القدرة على الاختراع لم يكن هذا الجواب مطابقاً لذلك السؤال ". منهج أهل السنة والجماعة ومنهج الأشاعرة (1/154).
4- وقال أبو الجناب نجم الدين البكري بعد أن ذكر عدداً من أصوله وهي التوبة والزهد والتوكل والقناعة والعزلة ثم فسرها تفسيراً غريباً.
ثم قال: " الأصل السادس: ملازمة الذكر، وهو الخروج عن ذكر ما سوى الله بالنسيان، قال تعالى (واذكر ربك إذا نسيت) أي غير الله كما هو بالموت، فأما نسبة مسهلية الذكر وهو كلمة لا إله إلا الله فإنه معجون مركب من النفي والإثبات فالنفي يزيل المواد التي يتولد منها مرض القلب، وقيد الروح وتقوية النفس، وتربية صفاتها، وهي الأخلاق الذميمة النفسانية، والأوصاف الشهوانية الحيوانية وبإثبات إلا الله تحصل صحة القلب وسلامته عن الرذائل من الأخلاق، وانحراف مزاجه الأصلي، واستواء مزاجه وحياته بنور الله تعالى، فتتحلى الروح بشواهد الحق، وتجلي ذاته وصفاته، (وأشرقت الأرض بنور ربها) وزالت عنها ظلمات صفاتها، تجلى (يوم تبدل الأرض غير الأرض والسموات وبرزوا لله الواحد القهار) الذي أهلك بتجلى جلاله كل الموجودات، وبرزوا لله الواحد القهار، فقد نبهتك على أمر عظيم إن كنت من أهل القلب السليم الفهيم فعلى قضية (فاذكروني أذكركم)، الذاكرية بالمذكورية، والمذكورية بالذاكرية فيفنى الذاكر في الذكر، ويبقى المذكور خليفة للذاكر، فإذا طلبت الذاكر وجدت المذكور، وإذا طلبت المذكور وجدت الذاكر،
فإذا أبصرتني أبصرتـه وإذا أبصرته أبصرتـني
ولا تكن ممن قيد الحق بالخلق فإنه إلحاد، وهذا مني لك إرشاد.
الرسائل الميرغنية في آداب الطريقة الختمية (ص123-124).
انظر لهذا التفسير البعيد كل البعد عن معنى لا إله إلا الله بل هو تفسير أهل وحدة الوجود.
5- قال الرباطابي التجاني في شرح معنى "لا إله إلا الله": "(الذي لا إله إلا هو) الذي نعت ثاني لله تعالى والجملة بعده صلته وإعراب هذه الكلمة لا إله إلا هو لا نافية للجنس تعمل عمل إن تنصب الاسم وترفع الخبر وإله اسمها والخبر محذوف تقديره موجود و(إلا) أداة استثناء و (هو) بدل من الضمير المستتر في الخبر المقدر وهذا هو المشهور الجاري على ألسنة المعربين وقد عقد الشيخ السنوسي -رضي الله عنه- في شرحه على عقيدته أم البراهين فصلاً ذكر فيه ما قيل من وجوه إعراب لا إله إلا الله. (الخلاصة الوافية الظريفة في شرح الأوراد اللازمة والوظيفة للطريقة التيجانية الشريفة (ص80-81).
أقول: هذا التفسير مع أنه لم يعرج على معنى لا إله إلا الله فإن تقريره لخبر "لا" المحذوف بأنه موجود" باطل، فإن البشر قد اتخذوا مع الله آلهة وأنداداً يعبدونهم من دون الله فتقدير موجود تقدير باطل وإنما المقدر "حق أو بحق" إلا الله فأصل الكلام لا معبود بحق أو حق إلا الله وهذا التقدير هو الصحيح المتعين.
انظر لهذا التفسير البعيد كل البعد عن معنى لا إله إلا الله بل هو تفسير أهل وحدة الوجود.
معنى الإله في لغة العرب
قال أبو منصور الأزهري في تهذيب اللغة(6/421-424):" قال الليث بلغنا أن اسم الله الأكبر هو الله لا إله إلا هو وحده...والتأله التعبد.
وقال أبو الهيثم:" فالله أصله إلاه قال الله عز وجل ما اتخذ الله من ولد وما كان معه من إله إذن لذهب كل إله بما خلق ، قال ولا يكون إلهاً حتى يكون معبوداً وحتى يكون لعابده خالقاً ورازقاً ومدبراً وعليه مقتدراً، فمن لم يكن كذلك فليس بإله وإن عبد ظلما بل هو مخلوق ومتعبد...، وكانت العرب في جاهليتها يدعون معبوداتهم من الأصنام والأوثان آلهة قال الله عز وجل ويذرك وآلهتك، وهي أصنام عبدها قوم فرعون معه".
فالإله عند العرب هو المعبود فإن كان معبوداً بحق فهو الله ولا تصح العبادة إلا لله وحده؛ لأنه لا يستحق العبادة إلا هو؛ لأنه الخالق الرازق المدبر المقتدر كما قال أبو الهيثم.
والتأله التعبد كما قال الليث، وليس اعتقاد أنه الخالق الرازق وإن كانت الخالقية والرازقية من صفاته، لكن تفسير "الإله" بالخالق الرازق المدبر باطل يوقع في الضلال وينسي الناس المعنى الحقيقي لكلمة التوحيد لا إله إلا الله.
وقال الزنجاني في تهذيب الصحاح (3/897) في مادة أله:" أله بالفتح إلاهة أي عبد عبادة، وقولنا الله أصل هذا الاسم "إله" على فعال بمعنى مفعول لأنه مألوه أي معبود فلما أدخل عليه الألف واللام حذفت الهمزة تخفيفاً لكثرته في الكلام"، والتأله التعبد".
وإذن فالله مألوه بمعنى معبود يتجه إليه المخلوق بالعبادة فالعبادة من فعل المخلوق يعبد بها خالقه من خضوع وخشوع وتذلل وصلاة وصيام ودعاء وإخلاص ورجاء وحب وخوف وتوكل وذبح ونذر ونحو ذلك مما يعبد به الإنسان إلهه على الوجه الذي شرعه الله، فهذه العبادات كلها من أفعال المخلوقين يتقربون بها إلى معبودهم الحق وهو الله وليست أفعال الله، تعالى وتقدس وتنـزه.
فتفسير الإله بأنه الخالق الرازق المدبر تفسير باطل صادر عن جهل بالعبادة والمعبود المألوه.
ومن هنا جاء البلاء والوقوع في الشرك في العبادة من دعاء وذبح ونذر وخوف ورجاء وخضوع.
وقال أبو الحسين بن فارس في معجم مقاييس اللغة (1/127):" أله الهمزة واللام والهاء أصل واحد وهو التعبد فالإله "الله" تعالى وسمي بذلك لأنه معبود ويقال تأله الرجل إذا تعبد قال رؤبة:
لله در الغـانيـات المـدَّه سبحن واسترجعن من تألهـي.
فقد ظهر لك جلياً معنى الإله وأنه المعبود المتقرب إليه بالعبادة التي أسلفنا أنواعاً منها التي يقوم بها عابدوه وليس معنى الإله الخالق الرازق المدبر المحي المميت، فهذه تدل على أفعاله هو سبحانه اللائقة بجلاله وكماله وربوبيته لهذا الكون.
وظهر لك جليا بطلان تفسير "لا إله إلا الله" بأنه لا حكم ولا سيطرة ولا هيمنة إلا لله فإن هذه من صفات الخالق لا من صفات المخلوقين وأفعالهم التي يتقربون بها إلى معبودهم بحق وهو الله الموصوف بصفات الكمال، ومنها استحقاقه للعبادة وحده.
قال شيخ الإسلام بن تيمية -رحمه الله-:" التوحيد الذي جاءت به الرسل إنما يتضمن إثبات الإلهية لله وحده بأن يشهد أن لا إله إلا الله: لا يعبد إلا إياه، ولا يتوكل إلا عليه، ولا يوالي إلا له، ولا يعادي إلا فيه، ولا يعمل إلا لأجله. وذلك يتضمن إثبات ما أثبته لنفسه من الأسماء والصفات. قال تعالى (163:2) وإلهكم إله واحد لا إله إلا هو الرحمن الرحيم) وقال تعالى (51:16) (وقال الله لا تتخذوا إلهين إنما هو إله واحد فإياي فارهبون)".
ثم ساق آيات في هذا الصدد ثم قال: (وليس المراد بالتوحيد: مجرد توحيد الربوبية وهو اعتقاد أن الله وحده خلق العالم، كما يظن ذلك من يظنه من أهل الكلام والتصوف.
ويظن هؤلاء أنهم إذا اثبتوا ذلك بالدليل فقد أثبتوا غاية التوحيد. وأنه إذا شهدوا هذا وفنوا فيه فقد فنوا في غاية التوحيد فإن الرجل لو أقر بما يستحقه الرب تعالى من الصفات ونّزهه عن كل ما ينـزَّه عنه. وأقّر بأنه وحده خالق كل شيء. لم يكن موحداً حتى يشهد أن لا إله إلا الله وحده. فيقرّ بأن الله وحده هو الإله المستحق للعبادة.
ويلتزم بعبادة الله وحده لا شريك له. و"الإله" هو المألوه المعبود الذي يستحق العبادة.
وليس هو الإله بمعنى القادر على الاختراع. فإذا فسّر المفسر"الإله " بمعنى القادر على الاختراع واعتقد أن هذا المعنى هو أخص وصف الإله(1) وجعل إثبات هذا هو الغاية في التوحيد- كما يفعل ذلك من يفعله من متكلمة الصفاتية، وهو الذي يقولونه عن أبي الحسن وأتباعه لم يعرفوا حقيقة التوحيد الذي بعث الله به رسوله –صلى الله عليه وسلّم- فإن مشركي العرب كانوا مقرّين بأن الله وحده خالق كل شيء وكانوا مع هذا مشركين قال تعالى:(106:12)(وما يؤمن أكثرهم بالله إلا وهم مشركون) قالت طائفة من السلف:
"تسألهم: من خلق السموات والأرض ؟ فيقولون: الله وهم مع هذا يعبدون غيره
قال تعالى (84:23)(قل لمن الأرض ومن فيها إن كنتم تعلمون ؟(85)سيقولون لله. قل أفلا تتذكرون (86) قل من رب السموات السبع ورب العرش العظيم ؟ (87) سيقولون لله. قل أفلا تتقون ؟ (88) قل من بيده ملكوت كل شيء وهو يجير ولا يجار عليه إن كنتم تعلمون ؟(89) سيقولون لله. قل فأنّى تسحرون ؟) فليس كل من أقرّ بأن الله تعالى رب كل شيء وخالقه يكون عابداً له دون ما سواه داعياً له دون ما سواه راجياً له خائفاً منه دون ما سواه يوالي فيه ويعادي فيه ويطيع رسله ويأمر بما أمر به وينهى عما نهى عنه وعامّة المشركين أقرّوا بأن الله خالق كل شيء وأثبتوا الشفعاء الذين يشركونهم به وجعلوا له أنداداً قال تعالى (43:39) أم اتخذوا من دون الله شفعاء ؟ قل أولو كانوا لا يملكون شيئاً ولا يعقلون 44 قل لله الشفاعة جميعاً له ملك السموات والأرض).
ثم ساق آيات في هذا الصدد ثم قال: ولهذا كان من أتباع هؤلاء من يسجد للشمس والقمر والكواكب ويدعوها، ويصوم وينسك لها ويتقرب إليها... ثم يقول: إن هذا ليس بشرك إنما الشرك إذا اعتقدت أنها المدبرة لي. فإذا جعلتها سبباً وواسطة لم أكن مشركاً. ومن المعلوم بالاضطرار من دين الإسلام أن هذا شرك(1).
ومن هذا العرض يتجلى لك المعنى الحقيقي لكلمة لا إله إلا الله ويتجلى لك جهل المتكلمين والخرافيين بمعنى هذه الكلمة العظيمة التي بعث بها جميع الرسل وأنزل من أجلها الكتب وشرع من أجلها الجهاد وخلق من أجلها الجنة والنار.
نفي فتنة التكفير القائمة في هذا العصر عن منبعها وإلصاقها
بالإمام محمد–رحمه الله-
ولا أدري ما سر نفي المالكي التكفير عن سيد قطب وذبه عنه واتهام من ينتقده، وإلصاق التكفير بالإمام محمد هل لأنه يوافقه في عقيدته ومنهجه ولاسيما طعنه في الصحابة، أو لأسباب أخرى منها حقده على الإمام محمد ودعوته وأنصاره.
إنَّ كل منصف يعلم تمام العلم أن فتنة التكفير والتفجير والدمار إنما هي نتيجة لمنهج وفكر سيد قطب ومدرسته وكتبه وكتب من سار على نهجه وعلى رأس هذه الكتب كتاب (في ظلال القرآن) وكتاب (معالم في الطريق)، وكتابات محمد قطب وأبي بصير وأبي قتادة وأمثالهم الذين ألهبوا عواطف الشباب في العالم وزجوا بهم في هوة التكفير والتفجير وقد يتمسح بعضهم بالقرآن والسنة وكتب أئمة الدعوة لترويج منهجهم الأصيل الذي تربوا عليه من كتاب "الظلال" و"المعالم" وما يتبعهما، يعرف هذا كل منصف.
وحتى كُتّاب الإخوان المسلمين يردون هذه الفتنة إلى كتب سيد قطب ومحمد قطب وإلى كتابات المودودي، ومن هؤلاء القرضاوي وأبو الحسن الندوي.
فضلاً عن غيرهم من علماء الأمة المنصفين الذين يعلمون علم اليقين منشأ التكفير الخارجي السياسي والتفجير والتدمير الهمجي، ويعلمون براءة دعوة الإمام محمد- رحمه الله - من هذه الضلالات لأن دعوته قامت على العلم المستمد من الكتاب والسنة وقامت على هدى السلف الصالح من الصحابة الكرام والأئمة العظام أعلام الهدى ومصابيح الدجى.
وكتب الإمام محمد وكتب تلاميذه وأحفاده ناطقة بذلك زاخرة بالعقائد الصحيحة والمناهج السديدة والأصول المحكمة.
وقائمة في توضيح قضايا التوحيد والشرك والإيمان والكفر والتكفير بتفاصيلها على الكتاب والسنة ونهج السلف الصالح.
بخلاف ما عليه التكفيريون الجاهلون الذين يلصقهم هذا الظالم (المالكي) بدعوة الإمام محمد فما أبعدهم عن دعوة الإمام محمد وأسلافه بل هم حرب عليها وعلى أهلها، وأشد خصومهم هم أتباع هذا الإمام ومنهجه الإسلامي الحق.
لأنهم ترسموا خطى سيد قطب ومنهجه الضال ومنه التكفير والتفجير والتدمير، الأمور التي زلزلت المسلمين في مشارق الأرض ومغاربها.
وهذا الظلوم يحاول جاهداً أن يبريء ساحة سيد قطب من هذه الدواهي لأمر ما ويحاول جاهداً أن يلصقها بالإمام محمد ودعوته وهيهات هيهات ودون ذلك خرط القتاد لما بين الدعوتين من ترامي الأبعاد.
هذا الرجل تدور حربه أو معظمها على الإمام محمد ودعوته حول محورين:
الأول: أنه يكفر المسلمين.
والثاني: أنه يستجيز قتالهم ويوهم الناس أن الإمام محمداً انفرد بهذين الأمرين، ويوهم الناس خلال هذه الدعاوى أن واقع الناس بخلاف ما يقول الإمام محمد فالشرك نادر وإنما هي البدع من جنس التبرك وتقبيل اليد، ويوهم أن دعوة هذا الإمام شاذة وليست على منهج الأنبياء.
وسوف يرى القارىء بطلان هذه المجازفات التي اقتحمها هذا الظالم الجهول وسيرى أن الإمام محمداً وأتباعه سائرون في ركب الأنبياء وركب أعلام الهدى ومصابيح الدجى من أئمة الإسلام الذين أدركوا بما عندهم من علم واع بمنهج الأنبياء من دعوة الأمم إلى التوحيد ومحاربة الشرك ومظاهره ووسائله سواء منهم من عاصره أو سبقه أو تلاه.
وسوف أناقشه في أهم افتراءاته مبيناً واقع الإمام الحقيقي ومنهجه وهل هو الوحيد في دعوته أو هو أسد من أسد الله مع أسود وأشاوس من هذه الأمة، ومبيناً فساد منهج هذا المالكي وعقله وأخلاقه وتوليه لأهل الضلال ودفاعه عنهم بالباطل.
دحض نسبة المالكي التكفير إلى الإمام محمد وكتبه وبيان
من هم أهل التكفير الذين يخفي تكفيرهم
ادعى المالكي أن الإمام محمد بن عبد الوهاب يكفر المسلمين وقد شحن كتابه بهذه الدعاوى ويوهم الناس أن الإمام محمد بن عبد الوهاب هو الوحيد الذي يدعي بأن الشرك قد انتشر في المجتمعات الإسلامية ويدعي هذا المالكي بأن ذلك نادر في هذه المجتمعات.
وهذا بهت شديد، فالإمام محمد يحب المسلمين ويذود عن حياضهم ويحارب من يكفرهم ويوالي ويعادي من أجلهم ولا يكفر إلا من قامت عليه الحجة، وكتبه تشهد بذلك.
أما تكفير المسلمين بل سادة المسلمين وهم أصحاب محمد -صلى الله عليه وآله وسلم- ومن تبعهم بإحسان وبغضهم ومعاداتهم وتكفيرهم ظلماً وبغيا فإنما هو وصف الروافض الذين يتولاهم المالكي ويهون من شأن خبثهم وضلالهم.
وإنما هو وصف الخوارج الذين يصانعهم ويغض الطرف عن ضلالهم فهم يكفرون أصحاب محمد إلا القليل ويكفرون بالكبائر فلا يسلم أحد من تكفيرهم.
وإنما يكفر المسلمين المعتزلة والزيدية الذين سلكوا مسلكهم والذين ينتمي إليهم المالكي على أحسن أحواله.
فهم يخرجون المؤمنين من الإيمان إذا وقعوا في الكبائر ويحكمون عليهم بالخلود في النار وينكرون شفاعة الشافعين فيهم.
هؤلاء هم المكفرون الحقيقيون المذمومون عند الله وعند الإمام محمد وأتباعه وعند أهل السنة والجماعة من فجر تاريخهم إلى اليوم.
وأما أنه انفرد بمحاربة الشرك وأن الشرك لم يقع إلا على ندرة في المجتمعات الإسلامية ولا يدعي فشوه إلا الشيخ محمد - رحمه الله - فهذا مكابرة من هذا الرجل فهناك أئمة من قرون سبقوا الإمام محمداً إلى إدراك فشو هذا الداء وانتشاره في بلدان المسلمين.
وأئمة عاصروه وأدركوا هذا الاتساع والانتشار وجهروا بذلك.
وأئمة لحقوا وأدركوا هذا التفشي والاتساع وحاربوه.
منهم:
1- العلامة أبو بكر محمد بن الوليد الطرطوشي المالكي المتوفى سنة 520 هـ صاحب كتاب الحوادث والبدع.
حارب في كتابه المذكور البدع والضلالات ومن ضمنها البدع الشركية.
حيث قال معلقاً على حديث أبي واقد الليثي - رضي الله عنه - الذي فيه قول بعض حديثي العهد بالكفر.
" اجعل لنا ذات أنواط فأنكر عليهم النبي –صلى الله عليه وسلّم- قولهم هذا وقال الله أكبر إنها السنن قلتم والذي نفسي بيده كما قالت بنو إسرائيل، "اجعل لنا إلهاً كما لهم آلهة قال: إنكم قوم تجهلون لتركبن سنن من كان قبلكم".
قال الطرطوشي عقبه:" فانظروا - رحمكم الله - أينما وجدتم سدرة أو شجرة يقصدها الناس ويعظمون من شأنها ويرجون البرء والشفاء من قبلها وينوطون بها المسامير والخرق فهي ذات أنواط فاقطعوها"
كتاب الحوادث والبدع" (ص104-105).
2- ومنهم العلامة شهاب الدين عبد الرحمن بن إسماعيل المعروف بأبي شامه الشافعي المتوفى سنة 665 هـ صاحب كتاب "الباعث على إنكار البدع والحوادث"، وسيأتي كلامه.
3- ومنهم شيخ الإسلام ابن تيمية - رحمه الله - المتوفى سنة 728 هـ وكتبه مليئة ببيان التوحيد بأنواعه وبيان الشرك وأنواعه ومن مؤلفاته "الجواب الباهر"، و"التوسل والوسيلة"، و"الواسطة بين الحق والخلق"، و"الاستغاثة في الرد على البكري"، و"اقتضاء الصراط المستقيم".
4- ومنهم الإمام ابن القيم المتوفى سنة 751 هـ وكتبه مشحونة ببيان التوحيد بأنواعه والشرك بأنواعه ومنها "إغاثة اللهفان".
5- ومنهم الإمام محمد بن عبد الهادي المقدسي المتوفي سنة (744هـ) وله كتاب "الصارم المنكي في الرد على السبكي".
6- ومنهم الإمام محمد بن إسماعيل الصنعاني المتوفى سنة (1182 هـ) في كتابه الشهير المسمى "بتطهير الاعتقاد".
7- ومنهم العلامة الشيخ حسين بن مهدي النعمي المتوفى سنة(1178 هـ) صاحب كتاب "
مواضيع مماثلة
» الجزء الثامن :( دحر إفتراءات أهل الزيغ و الإرتياب عن دعوة الإمام محمد بن عبد الوهاب تأليف المحدث ربيع المدخلى
» الجزء الرابع:( دحر إفتراءات أهل الزيغ و الإرتياب عن دعوة الإمام محمد بن عبد الوهاب تأليف المحدث ربيع المدخلى
» الجزء الخامس (دحر إفتراءات أهل الزيغ و الإرتياب عن دعوة الإمام محمد بن عبد الوهاب : تأليف المحدث ربيع المدخلى
» الجزء السادس ( دحر إفتراءات أهل الزيغ و الإرتياب عن دعوة الإمام محمد بن عبد الوهاب تأليف المحدث ربيع المدخلى
» الجزء السابع :( دحر إفتراءات أهل الزيغ و الإرتياب عن دعوة الإمام محمد بن عبد الوهاب : تأليف المحدث ربيع المدخلى
» الجزء الرابع:( دحر إفتراءات أهل الزيغ و الإرتياب عن دعوة الإمام محمد بن عبد الوهاب تأليف المحدث ربيع المدخلى
» الجزء الخامس (دحر إفتراءات أهل الزيغ و الإرتياب عن دعوة الإمام محمد بن عبد الوهاب : تأليف المحدث ربيع المدخلى
» الجزء السادس ( دحر إفتراءات أهل الزيغ و الإرتياب عن دعوة الإمام محمد بن عبد الوهاب تأليف المحدث ربيع المدخلى
» الجزء السابع :( دحر إفتراءات أهل الزيغ و الإرتياب عن دعوة الإمام محمد بن عبد الوهاب : تأليف المحدث ربيع المدخلى
صفحة 1 من اصل 1
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى