منتديات أتباع الإمام محمد بن عبد الوهاب
هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.

عقيدة الشيخ محمد بن عبد الوهاب السلفية وأثرها في العالم الإسلامي تأليف د. صالح بن عبدالله بن عبد الرحمن العبود الجزء الأول 

اذهب الى الأسفل

عقيدة الشيخ محمد بن عبد الوهاب السلفية  وأثرها في العالم الإسلامي    تأليف  د. صالح بن عبدالله بن عبد الرحمن العبود   الجزء الأول        Empty عقيدة الشيخ محمد بن عبد الوهاب السلفية وأثرها في العالم الإسلامي تأليف د. صالح بن عبدالله بن عبد الرحمن العبود الجزء الأول 

مُساهمة  أبو عائشة إسماعيل خيرى الإثنين يناير 07, 2013 5:04 am

عقيدة الشيخ محمد بن عبد الوهاب السلفية
وأثرها في العالم الإسلامي



تأليف
د. صالح بن عبدالله بن عبد الرحمن العبود


الجزء الأول




مقدمة الطبعة الثانية
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على رسوله الأمين، وعلى آله وأصحابه أجمعين.
وبعد:
فإن هذه الرسالة "عقيدة الشيخ محمد بن عبد الوهاب السلفية وأثرها في العالم الإسلامي" كانت رسالة مقدمة لنيل درجة الدكتوراه من قسم العقيدة بالجامعة الإسلامية عام 1403هـ، ونوقشت في ذلك العام، ومنح صاحبها الدرجة بمرتبة الشرف الأولى، ثم أدخلت بعد فحص آخر ضمن مطبوعات المجلس العلمي بالجامعة، وصدرت طبعتها الأولى عام 1408هـ، ولكن توزيعها أصبح مقصورا محدودا على الخريجين والعلماء ونحوهم؛ فاشتدت حاجة طلاب العلم وسائر المسلمين وغيرهم ممن ينشد الدلالة على الصراط المستقيم إليها حاجة شديدة، وألح علي كثير من أهل النصح والصلاح في إعادة طبعها بشكل يمكن من نشرها وتداولها على أوسع نطاق؛ تعميما للفائدة، وإفاضة للخير، وبدا لي فيها مواطن تحتاج إلى زيادة أو حذف، أو تقديم أو تأخير، أو إصلاح وتصحيح، فاقتضاني ذلك أن أستجيب لطلب إعادة طباعتها، وذلك يستلزم إعادة النظر فيها، وهو أمر يشق مع الأشغال والعوائق.
لكن؛ أعدت النظر إعادة سريعة عجلى؛ فما لا يدرك كله لا يترك جله، وليقيني بأن في إعادة طبعها وتعميم نشرها خيرًا كثيرًا ونفعًا عظيمًا للناس عمومًا، وللمسلمين خصوصًا، ولأهل السنة والجماعة علي الأخص؛ فعزمت على ذلك متكلا على الله تعالى، وهو حسبي ونعم الوكيل.
وقد أضفت في هذه الطبعة فوائد لم تكن في الأولى، وحذفت زوائد كانت في الأولى، وصححت بعض ما كان فيها من أخطاء؛ يتبين ذلك بمقارنة هذه بالطبعة الأولى.
هذا؛ وأسأل الله الكريم أن ينفع بها كما نفع بأصلها وما نشأ عنه من ثمار طيبة، وأن يجعلها من الأعمال الصالحة الخالصة لوجهه الكريم، وصلى الله وسلم على رسوله محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين.
وكتبه الفقير إلى الله تعالى
صالح بن عبد الله العبد الرحمن العبود
في المدينة النبوية
في 27/ 10/ 1413هـ

مقدمة الطبعة الأولى
بسم الله الرحمن الر حيم
[إن] الحمد لله؛ [نحمده و] نستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا [ومن سيئات أعمالنا]، من يهده الله؛ فلا مضل له، ومن يضلل؛ فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله [وحده لا شريك له]، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله.
      •   •     ( ).
  ••                 •       •      ( ) .
           

           •   ( ) .
[أما بعد]:
فإن خير الحديث كتاب الله  وخير الهدي هدي محمد  وشر الأمور محدثاتها، وكل بدعة ضلالة( ).
ولا يدرك هذا الخير ويجتنب ذلك الشر إلا بتوفيق الله سبحانه وتعالى لاتباع كتابه وهدي نبيه في العلم والعمل، وهذا هو منهح أهل السنة والجماعة، و "يد الله على الجماعة"( ).

ونعني بالجماعة: الذين اجتمعوا على كتاب الله الذي أنزله على رسوله محمد بن عبد الله  مهيمنا على ما قبله وسنة رسوله  وهديه، لأنه  خاتم النبيين، الذي أرسل بكمال الدين وتمام النعمة والكتاب المهيمن والحكمة الجامعة إلى قيام الساعة وإلى الناس كافة، وبايعوا أميرا منهم على ذلك، واجتمع أمرهم عليه؛ فإنه لا إسلام إلا بجماعة، ولا جماعة إلا بإمارة، ولا إمارة إلا بسمع وطاعة.
ولقد بعث الله محمدا على حين فترة من الرسل، وعلى حين تفرق بين الناس -خصوصا العرب- تفرقا شديدا، وكانوا في ضلال مبين؛ كما وصفهم الله  بقوله:          ( ).
قال ابن كثير: "(وإن كانوا من قبل)؛ أي: من قبل هذا الرسول. (لفي ضلال مبين)؛ أي: لفي غي وجهل ظاهر جلي بين لكل أحد"( ).
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية: "اعلم أن الله سبحانه وتعالى أرسل محمدا  إلى الخلق وقد مقت أهل الأرض عربهم وعجمهم؛ إلا بقايا من أهل الكتاب؛ ماتوا -أو أكثرهم- قبل مبعثه، والناس إذ ذاك أحد رجلين: إما كتابي؛ معتصم بكتاب إما مبدل وإما منسوخ، أو بدين دارس بعضه مجهول وبعضه متروك، وإما أمي من عربي وعجمي

مقبل على عبادة ما استحسنه وظن أنه ينفعه من نجم أو وثن أو قبر أو تمثال أو غير ذلك، والناس في جاهلية جهلاء من مقالات يظنونها علما وهي جهل، وأعمال يحسبونها صلاحا وهي فساد، وغاية البارع منهم علما وعملا أن يحصل قليلا من العلم الموروث عن الأنبياء المتقدمين، مشوبا بأهواء المبدلين والمبتدعين، قد اشتبه عليهم حقه بباطله، أو يشتغل بعمل؛ القليل منه مشروع، وأكثره مبتدع، لا يكاد يؤثر في صلاحه إلا قليلا، أو أن يكدح بنطره كدح المتفلسفة، فتذوب مهجته في الأمور الطبيعية والرياضية وإصلاح الأخلاق، حتى يصل إن وصل بعد الجهد الذي لا يوصف إلى نزر قليل مضطرب، لا يروي غليلا ولا يشفي عليلا ولا يغني من العلم الإلهي شيئا، باطله أضعاف حقه إن حصل، وأنى له ذلك مع كثرة الاختلاف بين أهله والاضطراب، وتعذر الأدلة عليه والأسباب"( ).
فأنعم الله عليهم بأن بعث إليهم نبي الهدى ورسول الرحمة بالهدى ودين الحق ليظهره على الدين كله ولو كره المشركون، وأظهر الله دينه، وجمع عليه المسلمين أمة واحدة؛ اجتمعت قلوبهم على الصراط المستقيم، وألف الله بينهم بالإسلام على رسوله  ولو أنفق ما في الأرض جميعا ما ألف بين قلوبهم، ولكن الله ألف بينها بهذه النعمة العظمى ورسوله ودينه.
قال الله تعالى يخاطب رسوله  :
            

            •             ( ).
ولما قبض الله رسوله إليه وتوفاه؛ لم تزل الأمة المسلمة مجتمعة على دينه الباقي، واجتمعت على خليفته أبي بكر حين بين لهم الحق، وأزاح الإشكال عنهم في موته  وأكد لهم بقاء دينه إلى يوم القيامة، وبايعوه خليفة لرسول الله  وكانوا يرجعون إلى بيانه في ما يشكل عليهم؛ لأنه أعلم الأمة بميراث نبيها، ولأنه صاحبه الأول، وصديق الأمة، ولذلك اجتمع الناس عليه( ).
ثم اجتمع الناس كذلك على الفاروق عمر بن الخطاب، حيث أوصى به أبو بكر رضي الله عنهما، فواصل بهم مسيرة الهدى والرشاد؛ يبلغون دين الله مجتمعين أمة واحدة، حتى قصروا قيصر، وكسروا كسرى.
وهكذا في بقية زمن الخلفاء الراشدين المهديين رضي الله عنهم.
وبعد زمانهم والمسلمون يلتفون حول أهل السنة والجماعة منهم، وهم سوادهم الأعظم، ومركز ثقلهم، وما زالوا على مسيرتهم في إبلاغ دين الله ونشره للناس، حتى بلغوا به مشارق الأرض ومغاربها

تماما؛ كما زوي لرسول الله  وأخبر أن ملك أمته سيبلغ ما زوي له منها.
فقد روى مسلم وغيره عن ثوبان؛ قال: قال رسول الله   إن الله زوى لي الأرض، فرأيت مشارقها ومغاربها، وإن أمتي سيبلغ ملكها ما زوي لي منها... ( ) الحديث( ).
ثم حدث ما أخبر به رسول الله  من الفتن وظهورها في الأمة؛ كما روى مسلم في "صحيحه" عن حذيفة؛ قال: كنا عند عمر، فقال: أيكم سمع النبي  يذكر الفتن؟ فقال قوم: نحن سمعناه. فقال: لعلكم تعنون فتنة الرجل في أهله وجاره؟ قالوا: أجل. قال: تلك تكفرها الصلاة والصدقة، ولكن؛ أيكم سمع النبي  يذكر الفتن التي تموج موج البحر؟ قال حذيفة: فأسكت القوم، فقلت: أنا. قال أنت، لله أبوك. قال حذيفة: سمعت رسول الله  يقول:  تعرض الفتن على القلوب كالحصير عودا عودا، فأي قلب أشربها؛ نكت فيه نكتة سوداء، وأي قلب أنكرها؛ نكت فيه نكتة بيضاء، حتى تصير على قلبين: على أبيض مثل الصفاء؛ فلا تضره فتنة ما دامت السماوات والأرض، والآخر أسود مربادا كالكوز مجخيا لا يعرف معروفا ولا ينكر منكرا إلا ما أشرب من هواه ( )( ).
وافترقت الأمة المسلمة بسبب تلك الفتن إلى فريقين عظيمين، حتى أصلح الله بينها بالحسن بن علي رضي الله عنهما؛ كما أخبر

النبي  بقوله:  إن ابني هذا سيد، وسيصلح الله به بين فئتين عظيمتين من المسلمين ( )( ) وذلك حين تنازل الحسن لمعاوية رضي الله عنهما، واجتمع الناس على معاوية أميرا للمؤمنين بعد ذلك عام 40هـ، وسمي ذلك العام عام الجماعة؛ لاجتماع المسلمين بعد فرقتهم.
وهكذا استقرت سنة الرسول  وسنة الخلفاء الراشدين المهديين من بعده في ثبوت الولاية وانعقادها.
ويتحصل من ذلك أن الولاية والإمارة تنعقد شرعا بإحدى ثلاث طرق هي:
1- إما بالشورى والاختيار؛ كما انعقدت لأبي بكر .
2- أو بالوصية؛ كما انعقدت لعمر  بوصية من أبي بكر .
3- أو بالغلبة؛ كما انعقدت لمعاوية  عام 40هـ بعد تنازل الحسن، وهو عام الجماعة؛ كما سبق بيانه.
أما عثمان ؛ فقد انعقدت له بالشورى والوصية معا، وعلي  انعقدت له بالاختيار والمغالبة، ومن بعده الحسن، لكنه تنازل لمعاوية؛ جمعا لكلمة المسلمين، وحقنا للدماء، وتركا للمغالبة وسفك الدماء.

وهذه الطرق الثلاث التي تنعقد بها الإمارة والولاية كما سبق بيانها هي السنة النبوية التي أمر النبي  بالتمسك بها عند الاختلاف وحدوث التفرق، وأوصى بها ؛ كما في حديث العرباض بن سارية:  أوصيكم بتقوى الله والسمع والطاعة، وإن تأمر عليكم عبد، وإنه من يعش منكم؛ فسيرى اختلافا كثيرا؛ فعليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين المهديين؛ عضوا عليها بالنواجذ، وإياكم ومحدثات الأمور؛ فإن كل بدعة ضلالة ( )( ).
وكان من سنتهم أن من أتاهم وأمرهم جميع يريد أن يفرق جمعهم وينازع الأمر أهله: أن يدفعوه، وإن لم يندفع إلا بالمقاتلة؛ قاتلوه وقتلوه كائنا من كان؛ جمعا للكلمة، ودرءا للتفرق والفتن، وحفاظا على الجماعة، والتزاما للسمع والطاعة؛ فقد استقر لديهم أنه لا إسلام إلا بجماعة، ولا جماعة إلا بإمارة، ولا إمارة إلا بسمع وطاعة للأمير، وإن كان عبدا متأمرا.
غربة الإسلام
ولكن مع كثرة المحدثات وغلبة الجهل يصبح الإسلام غريبا، ويتفرق أمر المسلمين، فيصيرون فرقا كثيرة بعد أن كانوا أمة واحدة؛ كما حصل ذلك في واقع المسلمين اليوم، وطريق العودة إلى وحدتهم

هو إعزازهم أهل السنة والجماعة منهم، ولزوم جماعتهم وإمامهم، ولا طريق غير ذلك.
وقد بدأت غربة الإسلام بعد مضي قرن الرسول  الذي هو خير القرون، ثم مضى القرن الذي يليه، ثم الذي يليه أيضا؛ كما روى البخاري في "صحيحه" في فضائل أصحاب النبي  عن عبد الله؛ أن النبي  قال:  خير الناس قرني، ثم الذين يلونهم، ثم الذين يلونهم، ثم يجيء قوم تسبق شهادة أحدهم يمينه، ويمينه شهادته ( )( ).
وكلما جاء زمان؛ كان الذي بعده شرا منه، وكانت غربة الإسلام فيه أشد؛ كما أخبر رسول الله  فيما روى مسلم في "صحيحه" عن أبي هريرة  قال: قال رسول الله   بدأ الإسلام غريبا، وسيعود غريبا كما بدأ؛ فطوبى للغرباء ( )( ).
هذا في غالب الأحوال.
وقد جعل الله دين محمد  باقيا إلى قيام الساعة، فلم تخل الأرض من قائم له بحجته أبدا، كما روى مسلم في "صحيحه":  لا يزال الدين قائما حتى تقوم الساعة ( )( ).

وكما روى البخاري في "صحيحه" في المناقب عن معاوية ؛ يقول: سمعت النبي  يقول:  لا تزال من أمتي أمة قائمة بأمر الله، لا يضرهم من خذلهم ولا من خالفهم؛ حتى يأتيهم أمر الله وهم على ذلك ( )( ).
وممن يقيم الله بهم الحجة الأئمة المجددون، فكلما جاء قرن من القرون التي تنطمس فيها أكثر معالم الدين، ويكاد ينتقض حبله، وتتعطل معظم أصوله ودعائمه؛ من تلاعب الجهال به، وقبض العلم بموت العلماء، وارتفاع أهل الجهل وترؤسهم، بعث الله  من يجدد لهم دينهم، ويردهم إلى ما كان عليه الرسول  وأصحابه وأهل القرون الفاضلة بالدعوة والتعليم وحسن القدوة والجهاد، وذلك مصداق الحديث الشريف الذي رواه أبو داود عن أبي هريرة عن رسول الله ؛ قال:  إن الله يبعث لهذه الأمة على رأس كل مئة سنة من يجدد لها دينها ( )( ).
قال الشيخ عبد العزيز بن باز: "هذا الحديث إسناده جيد رجاله كلهم ثقات، وقد صححه الحاكم والحافظ العراقي والعلامة السخاوي وآخرون"( ).
وقال الألباني: "حديث صحيح، والسند صحيح، رجاله ثقات

رجال مسلم"( ).
وقال عبد المتعال الصعيدي: "قال السيوطي: اتفق الحفاظ على صحته، منهم: الحاكم في "المستدرك"، والبيهقي في "المدخل"، ونص الحافظ ابن حجر على صحته"( ).
وقال الإمام أحمد في خطبة كتابه "الرد على الجهمية والزنادقة فيما شكوا فيه من متشابه القرآن وتأولوه على غير تأويله"( ) "الحمد لله الذي امتن على العباد بأن جعل في كل زمان فترة من الرسل بقايا من أهل العلم؛ يدعون من ضل إلى الهدى، ويصبرون منهم على الأذى، يحيون بكتاب الله الموتى، ويبصرون بنور الله أهل العمى؛ فكم من قتيل لإبليس قد أحيوه، وكم من ضال تائه قد هدوه، [بذلوا دماءهم وأموالهم دون هلكة العباد]( ) فما أحسن أثرهم على الناس! وأقبح أثر الناس عليهم! ينفون عن كتاب الله تحريف الغالين، وانتحال المبطلين، وتأويل الجاهلين"( ).

وليس من شرط المجدد أن يكون واحدا بعينه، أو صنفا خاصا من الناس، بل الأمر كما ذكر الشيخ ابن باز، أن الحافظ ابن كثير قال في "النهاية" لما ذكر هذا الحديث ما نصه: "وقد ادعى كل قوم في إمامهم أنه المراد بهذا الحديث، والظاهر -والله أعلم- أنه يعم حملة العلم من كل طائفة وكل صنف من أصناف العلماء؛ من محدثين ومفسرين وفقهاء ونحاة ولغويين إلى غير ذلك من الأصناف، والله أعلم"( ).
يقول الشيخ عبد اللطيف بن عبد الرحمن بن حسن رحمهم الله تعالى: "وليس من شرطه أن يقبل منه ويستجاب، ولا أن يكون معصوما في كل ما يقول؛ فإن هذا لم يثبت لأحد دون الرسول ( ).
ويقول أيضا: "ولهذا المجدد علامة يعرفها المتوسمون وينكرها المبطلون، أوضحها وأجلاها وأصدقها وأولاها محبة الرعيل الأول من هذه الأمة، والعلم بما كانوا عليه من أصول الدين وقواعده المهمة، التي أصلها الأصيل وأسها الأكبر الجليل: معرفة الله بصفاته، بصفات كماله ونعوت جلاله، وأن يوصف بما وصف به نفسه ووصفه به رسوله؛ من غير زيادة ولا تحريف، ومن غير تكييف ولا تمثيل، وأن يعبدوه وحده لا شريك له، ويكفروا بما سواه من الأنداد والآلهة. هذا أصل دين الرسل كافة، وأول دعوتهم وآخرها، ولب شعائرهم، وحقيقة

ملتهم، وفي بسط هذه الجملة من العلم به وبشرعه ودينه وصرف الوجوه إليه ما لا يتسع له هذا الموضع، وكل الدين يدور على هذا الأصل ويتفرع عنه"( ).
ومن هؤلاء المجددين؛ الإمام الشيخ محمد بن عبد الوهاب، وقد شهد له بذلك الجم الغفير من أكابر أهل العلم والدين.
يذكر الشيخ عبد الرحمن بن قاسم أن أكابر أهل عصر الشيخ شهدوا له بالعلم والدين، وأنه من جملة المجددين لما جاء به رسول رب العالمين، وكذلك أهل مصر والشام والعراق والحرمين والهند وغيرهم، وتواتر عن فضلائهم وأذكيائهم مدحه، والثناء عليه، والشهادة له أنه جدد هذا الدين( ).
وقد ذكره الشيخ محمد رشيد رضا من المجددين( ) وقال: "كان الشيخ محمد بن عبد الوهاب رحمه الله تعالى مجددا للإسلام في بلاد نجد؛ بإرجاع أهله عن الشرك والبدع التي فشت فيهم إلى التوحيد والسنة"( ).
وقال أيضا بعد أن ذكر المجددين: "ولقد كان الشيخ محمد بن عبد الوهاب النجدي من هؤلاء العدول المجددين، قام يدعو إلى

تجريد التوحيد وإخلاص العبادة لله وحده بما شرعه في كتابه وعلى لسان رسوله خاتم النبيين  وترك البدع والمعاصي، وإقامة شعائر الإسلام المتروكة، وتعظيم حرماته المنتهكة المنهوكة"( ).
وكذلك عبد المتعال الصعيدي عده من المجددين في كتابه "المجددون في الإسلام"، وترجم له في ذلك الكتاب( ).
ويقول الشيخ عبد العزيز بن باز بعدما أشار إلى أئمة الهدى الذين يمن الله بهم في الفترات ما نصه: "وكان من جملة هؤلاء الأئمة المهتدين، والدعاة المصلحين، الإمام العلامة، والحبر الفهامة، مجدد ما اندرس من معالم الإسلام في القرن الثاني عشر، والداعي إلى سنة خير البشر، الشيخ محمد بن عبد الوهاب بن سليمان بن علي التميمي الحنبلي، طيب الله ثراه، وأكرم في الجنة مثواه"( ).
وقد شهد بذلك للشيخ محمد بن عبد الوهاب كثيرون من الثقات العدول غير من ذكرنا هنا، يطول المجال باستقصاء شهاداتهم.
والمقصود: إقامة الشهادة بأن الشيخ محمد بن عبد الوهاب من المجددين، وقد قامت -ولله الحمد- قياما لا يدع شكا في أنه من

المجددين؛ فإنه عالم عامل، ومن أولئك الذين يوجدهم الله لإقامة حجته، ووصل حبل الإسلام الممتد من لدن رسول الله  إلى أن يأتي أمر الله، وكلما مات منهم علم؛ أبدل الله به علما آخر من أئمة الهدى، وأعلام الهداية، ومنارات الإرشاد، وزعماء الإصلاح.
ولقد تجرد الشيخ محمد بن عبد الوهاب للدعوة إلى الله على حين غربة من الإسلام في القرن الثاني عشر، وكان على بصيرة، حيث كان عارفا بما عليه الصدر الأول من السلف الصالح، خبيرا بما انحل من عرى الإسلام لدى أهل عصره وتحولوا عنه، فقام مجاهدا ليرد الناس إلى ما كان عليه سلفهم الصالح في باب العلم النافع والعمل الصالح، والإيمان والإحسان، وترك التعلق بغير الله من الأنبياء والصالحين وعبادتهم، والاعتقاد في الأحجار والأشجار، والعيون والغيران، وتجريد المتابعة لرسول الله  في الأقوال والأعمال، وهجر ما أحدثه الخلوف والأغيار.
وقيض الله له من آل سعود الذين وازروه على نصرة دين الله ورسوله، فأقبلوا على معرفة ما عنده من العلم والإرادة، حتى إذا عرفوا صدق موافقته للحق؛ نفذوا ذلك بالسلطان والإدارة، والسيف والعزيمة؛ يريدون ما عند الله تعالى، فصنع لهم من عظيم صنعه، وأظهر لهم من الدولة ما ظهروا به على سائر العرب، وكلما كان الأمر على السنة الإسلامية؛ كان في مزيد عز ونصر وظهور، ونحن لا نزال ولن نزال -إن شاء الله- ننعم بوارف ظلال عقيدة السلف الصالح التي نشرها هؤلاء، ونصرها هؤلاء، تحت دوحتي العلم والوفاء، دوحة علماء

الدعوة من ورثة الشيخ محمد بن عبد الوهاب، ودوحة أنصارها من ورثة الأمير الراشد محمد بن سعود، جزاهم الله خير الجزاء... والحمد لله العزيز الرحيم.
وقد اخترت أن يكون موضوع رسالتي للدكتوراه عام 1399هـ "عقيدة الشيخ محمد بن عبد الوهاب السلفية وأثرها في العالم الإسلامي"، لأهميتها، ولأنه من المجددين؛ فعقيدته عقيدة سلفية، وعقيدة السلف الصالح عقيدة تجديد حية، تواكب الإصلاح والرقي المشروع في كل عصر ومصر، وتساير التقدم والنمو الخيري، وتزيده زكاء وبرا وشرعية، ولا تعوقه أو تؤخره أبدا... إنها الاعتقاد الجازم بأنه لا يصلح ولا يقبل سوى اتباع سبيل المؤمنين السابقين من المهاجرين والأنصار والذين اتبعوهم بإحسان في هذا الدين وفي تفسيره، فتفوقوا على الشرق والغرب، وسادوا العالم كله، وكانت كلمتهم هي النافذة، وقد:
        •            ( ) .
وقال تعالى:
       •           •   •  ( ) .
قال الإمام مالك: "قال عمر بن عبد العزيز: سن رسول الله  وولاة الأمر من بعده سننا؛ الأخذ بها تصديق بكتاب الله، واستكمال لطاعة الله، وقوة على دين الله، ليس لأحد تبديلها ولا تغييرها ولا النظر فيما خالفها، من اقتدى بها مهتد، ومن استنصر بها منصور، ومن تركها واتبع غير سبيل المؤمنين ولاه الله ما تولى وأصلاه جهنم وساءت مصيرا".
قال مالك: "أعجبني عزم عمر في ذلك"( ).
وقال وهب بن كيسان فيما رواه عنه الإمام مالك: "لن يصلح آخر هذه الأمة إلا ما أصلح أولها"( ).
ومن يتأمل الواقع الذي نعيشه؛ يدرك أن ما نحن فيه من أمن يفوق ما فيه أهل عصرنا من الدول المجاورة وغير المجاورة هو من أثر عقيدة الشيخ السلفية التي دعا إليها، وناصره آل سعود عليها؛ كما يجد المتأمل المنصف إضاءة التاريخ الإسلامي بذلك، وأن عقيدة هذا شأنها لا ريب أن البحث عنها والدراسة فيها أهم موضوع لتحصيل العلم النافع والمعتقد الصحيح السليم، وآمن شيء هو العلم النافع والمعتقد الصحيح؛ لأن من استمسك بالعلم النافع والمعتقد الصحيح، عصم من ضلال الكفار وفسادهم الذي نغزى به من الشيوعيين وغيرهم، من الشرق والغرب، تحت شعارات زائفة ودعاوى
باطلة، لا ينخدع بها إلا من فرغ قلبه وجوارحه من عقيدة السلف الصالح وسلوكهم.
ومما قال سماحة الشيخ عبد العزيز بن باز في أهمية هذا الموضوع: "هذا الأصل الأصيل والفقه الأكبر هو أولى ما كتب فيه الكاتبون، وعني به دعاة الهدى وأنصار الحق، وهو أحق العلوم أن يعض عليه بالنواجذ وينشر بين جميع الطبقات؛ حتى يعلموا حقيقته، ويبتعدوا عما يخالفه...".
إلى أن قال في تعليل أهمية نشره: "لعظم شأنه، وشدة الضرورة إليه، ولما وقع بسبب الجهل به في غالب البلدان الإسلامية من الغلو في تعظيم القبور، ولا سيما قبور من يسمونهم بالأولياء، واتخاذ المساجد عليها، وصرف الكثير من العبادة لأهلها؛ كالدعاء، والاستغاثة، والذبح، والنذر... وغير ذلك، ولما وقع أيضا بسبب الجهل بهذا الأصل الأصيل في غالب البلدان الإسلامية من تحكيم القوانين الوضعية والآراء البشرية، والإعراض عن حكم الله ورسوله الذي هو أعدل الأحكام وأحسنها"( ).
لذلك كان موضوع عقيدة الشيخ محمد موضوعا مختارا، وفيما يلي أركز أسباب اختياري له في ثلاثة أسباب فحسب:
1- أن عقيدة الشيخ محمد بن عبد الوهاب عقيدة تجديد

سلفية، اعتقدناها واعتمدناها في ديننا ودنيانا، وهي أساس وحدتنا السعودية، اجتمعنا عليها بعد الفرقة، واهتدينا بها بعد الضلال، وكانت حال أهل نجد وأهل الجزيرة العربية قبيل ظهور هذا الإمام المجدد بعقيدته السلفية أسوأ الأحوال؛ فقد كانوا متفرقين ومختلفين، يبغي بعضهم على بعض، والإسلام بينهم غريب، والضلال ظاهر، والمنكر أصبح معروفا لديهم ومألوفا، وسنبين ذلك في مبحث البيئة قبل ظهوره فيما سيأتي إن شاء الله تعالى.
ثم إن الله تعالى جمع أهل نجد بالتوحيد؛ كما دعا إليه الشيخ وبينه عن عقيدة سلفية سليمة، وأعزهم الله بعد ذلتهم بالنصر المبين، وأغناهم بعد فقرهم بالخير العميم، واستنارت بينهم سنن رسول الله  واختفت البدع، وزالت الفرقة تحت راية التوحيد التي يحملها أنصار الشيخ من آل سعود، وتطهر الحرمان الشريفان وما جاورهما من البناء على القبور ودعاء غير الله والطغيان والبدع والخرافات، ونودي في أرجائهما بالعدل والأمان، وبطلت سنن جاهلية وقوانين جائرة ما أنزل الله بها من سلطان، وبطلت جوائز القبائل التي يأخذونها على الحجاج إذا مروا بهم، واختفى قطاع الطرق وسراق الأعراب، فأمنت السبل، واطمأنت البلاد، واستقام العباد بتلك العقيدة السلفية التي أظهرها الشيخ وآل سعود، حتى أصبح السعودي علما يعرف بهذه العقيدة في الغالب.
وهذا الظهور يدل على علم الشيخ وصدق أنصاره، ولقد كان علم الشيخ علما أصيلا بميراث رسول الله  وخلفه لنا في مؤلفاته

ورسائله وردوده وأجوبته؛ جمعا وتأليفا، وبيانا واستنباطا، وميراثا نبويا ورثه لمن بعده كما ورثه هو عن من قبله، ويتوارثه العلماء إلى ما شاء الله تعالى؛ كما ورد "أن العلماء ورثة الأنبياء؛ ورثوا العلم، من أخذه؛ أخذ بحظ وافر"( ).
وكان وفاء آل سعود وصدقهم موافقا لمراد الله ورسوله، فكانت الوحدة ونعمة الأمن والهداية والعيش والثروة في هذا العهد السعودي الميمون؛ كما قال تعالى:              ( ).
وقد نشأ جيل جديد، وجد نفسه في نعمة هذه الوحدة، ولم يكن يعرف ضدها، وأخشى أن يلهو ويغتر، وينسى سبب نعمته فلا يأخذ به، فتنتقض عليه عرى أمنه وهدايته، وتحل عليه بديلاتها مما يغزوه عبر الأقمار الصناعية وغيرها من عقائد الكفار وأفكارهم...
فلذا رغبت في مشاركة وارثي هذا الإمام المجدد عقيدته السلفية وعلمه الأصيل وولاءه لأنصار دين الله ورسوله من آل سعود الكرام، ومن ذلك أن أخصص بحثي للدكتوراه فيها وفي أثرها، عسى الله أن يهب لي حظا وافرا من هذا العلم النافع والمعتقد السلفي السليم

الآمن، ونشره وإظهاره للناس عن علم واتباع، لا عن تقليد وابتداع، وأسأل الله أن لا يغير ما بنا من نعمة الأمن والهداية، والعيش والثروة، والاجتماع والوحدة، والله ذو الفضل والجلال والإكرام.
2- الحاجة إلى كتابة عقيدة الشيخ وعرضها مجموعة ومرتبة ومنسقة في رسالة جامعية بأسلوب الدراسات العلمية المنهجية؛ لتيسيرها ونشرها والدعوة إليها بهذا الأسلوب المألوف، سيما وقد تقاصرت الهمم وضعفت النفوس عن الصبر على مشقة البحث الطويل لكثرة المشاغل ونقص العلم.
وعقيدة الشيخ مبثوثة في مؤلفاته ومراسلاته وردوده وأجوبته واستنباطاته ونبذه وسائر آثاره في شتى الفنون والعلوم، ولما جمعت مؤلفاته العامة؛ بلغت مجلدات كبيرة وكثيرة.
والشيخ رحمه الله إنما كان يؤلف بحسب ما تستدعيه حاجات الناس، وتقتضيه مصالحهم، ويلجئ إليه واقع حياتهم وحالتهم الاعتقادية والواقع المؤلم للتصحيح والإصلاح بعقيدة السلف الصالح في الأصول والفروع؛ فهذا جعله يهتم بما هو الأولى والأهم، وما يناسب أهل زمانه ويلائمهم، ولقد خاطبهم بما يعقلون ويفهمون بلهجتهم وأسلوبهم، على أتم وجه وأكمله، ونفع الله بعلمه وعمله.
وأردت أن أقوم في هذه الرسالة بكتابة عقيدة الشيخ وعرضها، عسى أن يكون ذلك من المناسب لأهل زماننا، فيستدعيهم قراءة وقبولا.

وفي "صحيح البخاري" في (كتاب الأدب، باب قول النبي  يسروا ولا تعسروا): "وكان يحب التخفيف واليسر على الناس"( ).
وفي "صحيح مسلم" في (كتاب العلم، باب من سن سنة حسنة أو سيئة ومن دعا إلى هدى أو ضلالة) عن أبي هريرة؛ أن رسول الله  قال:  من دعا إلى هدى؛ كان له من الأجر مثل أجور من تبعه؛ لا ينقص ذلك من أجورهم شيئا... ( )( ).
وفي "صحيح البخاري" في (كتاب العلم، باب ما يذكر في المناولة وكتابة أهل العلم بالعلم إلى البلدان) عن أنس بن مالك؛ قال:  كتب النبي  كتابا (أو: أراد أن يكتب)، فقيل له: إنهم لا يقرءون كتابا إلا مختوما، فاتخذ خاتما من فضة نقشه: محمد رسول الله، كأني أنظر إلى بياضه في يده ( )( ).
وقد أورد الخطيب البغدادي في كتابه "تقييد العلم" مجموعة طيبة من الأحاديث والأخبار والأقوال والشواهد عن السلف؛ ترخص بكتابة العلم، وتبين فضلها في عرضه وحفظه ونشره وتجميل كتبه وتحسينه، وقال: قد أوردت من مشهور الآثار ومحفوظ الأحاديث والأخبار عن رسول رب العالمين وسلف الأمة الصالحين صلى الله عليه ورضي عنهم أجمعين في جواز كتب العلم وتدوينه، وتجميل ذلك

الفعل وتحسينه، ما إذا صادف بمشيئة الله قوي شك؛ رفعه، أو عارض ريب؛ قمعه ودفعه"( ).
3- بيان أن عقيدة الشيخ محمد بن عبد الوهاب هي عقيدة السلف الصالح.
على الرغم من أن عقيدة الشيخ محمد بن عبد الوهاب هي عقيدة السلف الصالح، ولم يبتدع في ذلك شيئا خلاف ما كان عليه الرسول  وأصحابه وأتباعهم بإحسان، لكن طالما حكم عليه وعلى ما ظهر به من هذه العقيدة بالبدعة بغير علم، وطالما جعلت عقيدته محل أخذ ورد كثير، ليس في العالم البعيد عن دائرة الإسلام، ولكن في ذات الدائرة الإسلامية، وفيما بين المسلمين أنفسهم.
فهل يا ترى ثم ثغرات مبتدعة في الإسلام فتحت على ابن عبد الوهاب وأتباعه في عقيدته، أم أنها محكمة البناء، صحيحة في الادعاء، أصيلة في الانتماء، لكن؛ دخل عليها هؤلاء من باب مخالفتها لما كانوا عليه وكان عليه آباؤهم وأجدادهم من تقاليد عمياء وعادات جهلاء في دينهم واعتقاداتهم كانت معروفة ومألوفة لديهم، وقد درجوا عليها؛ يعدونها دينا يقربهم إلى الله، ويحسبونها قربة مسنونة، فما فجأهم إلا والشيخ يطلع عليهم بما لا يعهدون وبما لا يعرفون! فاستنكروا، ولقنهم الشيطان حجح أمثالهم السابقين؛ مثل: إنا وجدنا آباءنا على أمة وإنا على آثارهم مقتدون... فمن هنا؛ حكموا على

عقيدة الشيخ بالبدعة، أو من باب الحسد والبغي دخل عليه أقوام لديهم علم وجاه؛ كما قيل:
حسدوا الفتى إذ لم ينالوا سعيه
فالقوم أعداء له وخصوم

وهذا وذاك من الأبواب المفتوحة والسنن الجارية في هذه الدنيا؛ ليبلو الله أهلها أيهم أحسن عملا، وسنة الله في الذين خلوا من قبل على امتداد التاريخ، والله هو العزيز الغفور.
هذا أيضا مما دفع بي إلى أن أستوعب مؤلفات الشيخ وآثاره في هذا المبحث، ثم أستخلص منها عقيدته مباشرة، ليعلم من يقصد الحق أنها عقيدة السلف الصالح، أهل السنة والجماعة، الفرقة الناجية، الذين رضي الله عنهم ورضوا عنه وأعد لهم جناته التي تجري من تحتها الأنهار، وإن خالفت ما عليه أكثر من يدعي الإسلام، وهم ليسوا من الإسلام في شيء. أما من لا يريد الحق؛ فتقوم عليه الحجة بيسر ووضوح؛ ليهلك من هلك عن بينة، ويحيا من حي عن بينة. نصيحة لله ولكتابه ولرسوله  ولأئمة المسلمين وعامتهم، والدين النصيحة.
والله المستعان، عليه نتوكل وإليه المصير، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم.
هذا ولقد كتب عن تاريخ الشيخ وحياته وفكره ودعوته ومؤلفاته وآثاره وأقوال الناس فيه الشيء الكثير الجيد من قبل العلماء الباحثين والكتاب وقد استفدت منها كثيرا، لكني بالإضافة إلى الأسباب المتقدم

ذكرها أردت بهذا البحث أن أدلي بدلوي مع الدلاء، وأن أتطفل على العلماء، وأسهم بسهم مع الفضلاء؛ تشبها بهم، وحبا لهم ولمنهجهم وموضوع بحثهم، وإن لم أكن في مقامهم وسبقهم؛ فاللاحق يتبع السابق كما يتبعه من بعده؛ قال الله تعالى:                •  •     ( ) .
وأسأل الله تعالى أن يجزي عنا العلماء وورثة الأنبياء خير الجزاء....
وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وأصحابه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.
خطة البحث
هذا؛ وقد جعلت موضوع البحث من: مقدمة، ومدخل، وبابين، وخاتمة:
فأما المقدمة؛ فتضمنت بيانا لأهمية الموضوع، وأسباب اختياري له، والشكر، وخطة البحث.
وأما المدخل، فيشتمل على مبحثين:
- الأول: في البيئة من حول الشيخ في العالم الإسلامي.

والثاني: مبحث في حياة الشيخ، يتضمن ترجمته ونشأته ورحلاته وشيوخه وتلاميذه ومؤلفاته ووفاته ورثاءه.
وأما البابان:
فالباب الأول: هو في عقيدة الشيخ محمد بن عبد الوهاب السلفية، ويتضمن أربعة فصول:
الفصل الأول: في منهج الشيخ رحمه الله تعالى في عقيدته ودعوته.
الفصل الثاني: في مجمل عقيدة الشيخ.
الفصل الثالث: في عقيدة الشيخ في التوحيد من مقاميه: المقام الخبري،
الفصل الرابع: هو في التحذير من نقيض عقيدة السلف الصالح أو نقيض كمالها.
الباب الثاني: في أثر عقيدة الشيخ السلفية في العالم الإسلامي، ويتضمن خمسة فصول:
الفصل الأول: في ظهور دعوة الشيخ وأسباب ومبادئ تأثيرها.
الفصل الثاني: في أثرها في الدور الأول من أدوار دولة أنصارها.
الفصل الثالث: في أثرها في الدور الثاني.
الفصل الرابع: في أثرها في الدور الثالث الحاضر.

الفصل الخامس: في أثرها في خارج سلطانها من العالم الإسلامي.
وأما الخاتمة؛ فهي تتضمن خلاصة البحث ونتيجته.






مقدمة الطبعة الثانية
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على رسوله الأمين، وعلى آله وأصحابه أجمعين.
وبعد:
فإن هذه الرسالة "عقيدة الشيخ محمد بن عبد الوهاب السلفية وأثرها في العالم الإسلامي" كانت رسالة مقدمة لنيل درجة الدكتوراه من قسم العقيدة بالجامعة الإسلامية عام 1403هـ، ونوقشت في ذلك العام، ومنح صاحبها الدرجة بمرتبة الشرف الأولى، ثم أدخلت بعد فحص آخر ضمن مطبوعات المجلس العلمي بالجامعة، وصدرت طبعتها الأولى عام 1408هـ، ولكن توزيعها أصبح مقصورا محدودا على الخريجين والعلماء ونحوهم؛ فاشتدت حاجة طلاب العلم وسائر المسلمين وغيرهم ممن ينشد الدلالة على الصراط المستقيم إليها حاجة شديدة، وألح علي كثير من أهل النصح والصلاح في إعادة طبعها بشكل يمكن من نشرها وتداولها على أوسع نطاق؛ تعميما للفائدة، وإفاضة للخير، وبدا لي فيها مواطن تحتاج إلى زيادة أو حذف، أو تقديم أو تأخير، أو إصلاح وتصحيح، فاقتضاني ذلك أن أستجيب لطلب إعادة طباعتها، وذلك يستلزم إعادة النظر فيها، وهو أمر يشق مع الأشغال والعوائق.
لكن؛ أعدت النظر إعادة سريعة عجلى؛ فما لا يدرك كله لا يترك جله، وليقيني بأن في إعادة طبعها وتعميم نشرها خيرًا كثيرًا ونفعًا عظيمًا للناس عمومًا، وللمسلمين خصوصًا، ولأهل السنة والجماعة علي الأخص؛ فعزمت على ذلك متكلا على الله تعالى، وهو حسبي ونعم الوكيل.
وقد أضفت في هذه الطبعة فوائد لم تكن في الأولى، وحذفت زوائد كانت في الأولى، وصححت بعض ما كان فيها من أخطاء؛ يتبين ذلك بمقارنة هذه بالطبعة الأولى.
هذا؛ وأسأل الله الكريم أن ينفع بها كما نفع بأصلها وما نشأ عنه من ثمار طيبة، وأن يجعلها من الأعمال الصالحة الخالصة لوجهه الكريم، وصلى الله وسلم على رسوله محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين.
وكتبه الفقير إلى الله تعالى
صالح بن عبد الله العبد الرحمن العبود
في المدينة النبوية
في 27/ 10/ 1413هـ

مقدمة الطبعة الأولى
بسم الله الرحمن الر حيم
[إن] الحمد لله؛ [نحمده و] نستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا [ومن سيئات أعمالنا]، من يهده الله؛ فلا مضل له، ومن يضلل؛ فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله [وحده لا شريك له]، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله.
      •   •     ( ).
  ••                 •       •      ( ) .
           

           •   ( ) .
[أما بعد]:
فإن خير الحديث كتاب الله  وخير الهدي هدي محمد  وشر الأمور محدثاتها، وكل بدعة ضلالة( ).
ولا يدرك هذا الخير ويجتنب ذلك الشر إلا بتوفيق الله سبحانه وتعالى لاتباع كتابه وهدي نبيه في العلم والعمل، وهذا هو منهح أهل السنة والجماعة، و "يد الله على الجماعة"( ).

ونعني بالجماعة: الذين اجتمعوا على كتاب الله الذي أنزله على رسوله محمد بن عبد الله  مهيمنا على ما قبله وسنة رسوله  وهديه، لأنه  خاتم النبيين، الذي أرسل بكمال الدين وتمام النعمة والكتاب المهيمن والحكمة الجامعة إلى قيام الساعة وإلى الناس كافة، وبايعوا أميرا منهم على ذلك، واجتمع أمرهم عليه؛ فإنه لا إسلام إلا بجماعة، ولا جماعة إلا بإمارة، ولا إمارة إلا بسمع وطاعة.
ولقد بعث الله محمدا على حين فترة من الرسل، وعلى حين تفرق بين الناس -خصوصا العرب- تفرقا شديدا، وكانوا في ضلال مبين؛ كما وصفهم الله  بقوله:          ( ).
قال ابن كثير: "(وإن كانوا من قبل)؛ أي: من قبل هذا الرسول. (لفي ضلال مبين)؛ أي: لفي غي وجهل ظاهر جلي بين لكل أحد"( ).
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية: "اعلم أن الله سبحانه وتعالى أرسل محمدا  إلى الخلق وقد مقت أهل الأرض عربهم وعجمهم؛ إلا بقايا من أهل الكتاب؛ ماتوا -أو أكثرهم- قبل مبعثه، والناس إذ ذاك أحد رجلين: إما كتابي؛ معتصم بكتاب إما مبدل وإما منسوخ، أو بدين دارس بعضه مجهول وبعضه متروك، وإما أمي من عربي وعجمي

مقبل على عبادة ما استحسنه وظن أنه ينفعه من نجم أو وثن أو قبر أو تمثال أو غير ذلك، والناس في جاهلية جهلاء من مقالات يظنونها علما وهي جهل، وأعمال يحسبونها صلاحا وهي فساد، وغاية البارع منهم علما وعملا أن يحصل قليلا من العلم الموروث عن الأنبياء المتقدمين، مشوبا بأهواء المبدلين والمبتدعين، قد اشتبه عليهم حقه بباطله، أو يشتغل بعمل؛ القليل منه مشروع، وأكثره مبتدع، لا يكاد يؤثر في صلاحه إلا قليلا، أو أن يكدح بنطره كدح المتفلسفة، فتذوب مهجته في الأمور الطبيعية والرياضية وإصلاح الأخلاق، حتى يصل إن وصل بعد الجهد الذي لا يوصف إلى نزر قليل مضطرب، لا يروي غليلا ولا يشفي عليلا ولا يغني من العلم الإلهي شيئا، باطله أضعاف حقه إن حصل، وأنى له ذلك مع كثرة الاختلاف بين أهله والاضطراب، وتعذر الأدلة عليه والأسباب"( ).
فأنعم الله عليهم بأن بعث إليهم نبي الهدى ورسول الرحمة بالهدى ودين الحق ليظهره على الدين كله ولو كره المشركون، وأظهر الله دينه، وجمع عليه المسلمين أمة واحدة؛ اجتمعت قلوبهم على الصراط المستقيم، وألف الله بينهم بالإسلام على رسوله  ولو أنفق ما في الأرض جميعا ما ألف بين قلوبهم، ولكن الله ألف بينها بهذه النعمة العظمى ورسوله ودينه.
قال الله تعالى يخاطب رسوله  :
            

            •             ( ).
ولما قبض الله رسوله إليه وتوفاه؛ لم تزل الأمة المسلمة مجتمعة على دينه الباقي، واجتمعت على خليفته أبي بكر حين بين لهم الحق، وأزاح الإشكال عنهم في موته  وأكد لهم بقاء دينه إلى يوم القيامة، وبايعوه خليفة لرسول الله  وكانوا يرجعون إلى بيانه في ما يشكل عليهم؛ لأنه أعلم الأمة بميراث نبيها، ولأنه صاحبه الأول، وصديق الأمة، ولذلك اجتمع الناس عليه( ).
ثم اجتمع الناس كذلك على الفاروق عمر بن الخطاب، حيث أوصى به أبو بكر رضي الله عنهما، فواصل بهم مسيرة الهدى والرشاد؛ يبلغون دين الله مجتمعين أمة واحدة، حتى قصروا قيصر، وكسروا كسرى.
وهكذا في بقية زمن الخلفاء الراشدين المهديين رضي الله عنهم.
وبعد زمانهم والمسلمون يلتفون حول أهل السنة والجماعة منهم، وهم سوادهم الأعظم، ومركز ثقلهم، وما زالوا على مسيرتهم في إبلاغ دين الله ونشره للناس، حتى بلغوا به مشارق الأرض ومغاربها

تماما؛ كما زوي لرسول الله  وأخبر أن ملك أمته سيبلغ ما زوي له منها.
فقد روى مسلم وغيره عن ثوبان؛ قال: قال رسول الله   إن الله زوى لي الأرض، فرأيت مشارقها ومغاربها، وإن أمتي سيبلغ ملكها ما زوي لي منها... ( ) الحديث( ).
ثم حدث ما أخبر به رسول الله  من الفتن وظهورها في الأمة؛ كما روى مسلم في "صحيحه" عن حذيفة؛ قال: كنا عند عمر، فقال: أيكم سمع النبي  يذكر الفتن؟ فقال قوم: نحن سمعناه. فقال: لعلكم تعنون فتنة الرجل في أهله وجاره؟ قالوا: أجل. قال: تلك تكفرها الصلاة والصدقة، ولكن؛ أيكم سمع النبي  يذكر الفتن التي تموج موج البحر؟ قال حذيفة: فأسكت القوم، فقلت: أنا. قال أنت، لله أبوك. قال حذيفة: سمعت رسول الله  يقول:  تعرض الفتن على القلوب كالحصير عودا عودا، فأي قلب أشربها؛ نكت فيه نكتة سوداء، وأي قلب أنكرها؛ نكت فيه نكتة بيضاء، حتى تصير على قلبين: على أبيض مثل الصفاء؛ فلا تضره فتنة ما دامت السماوات والأرض، والآخر أسود مربادا كالكوز مجخيا لا يعرف معروفا ولا ينكر منكرا إلا ما أشرب من هواه ( )( ).
وافترقت الأمة المسلمة بسبب تلك الفتن إلى فريقين عظيمين، حتى أصلح الله بينها بالحسن بن علي رضي الله عنهما؛ كما أخبر

النبي  بقوله:  إن ابني هذا سيد، وسيصلح الله به بين فئتين عظيمتين من المسلمين ( )( ) وذلك حين تنازل الحسن لمعاوية رضي الله عنهما، واجتمع الناس على معاوية أميرا للمؤمنين بعد ذلك عام 40هـ، وسمي ذلك العام عام الجماعة؛ لاجتماع المسلمين بعد فرقتهم.
وهكذا استقرت سنة الرسول  وسنة الخلفاء الراشدين المهديين من بعده في ثبوت الولاية وانعقادها.
ويتحصل من ذلك أن الولاية والإمارة تنعقد شرعا بإحدى ثلاث طرق هي:
1- إما بالشورى والاختيار؛ كما انعقدت لأبي بكر .
2- أو بالوصية؛ كما انعقدت لعمر  بوصية من أبي بكر .
3- أو بالغلبة؛ كما انعقدت لمعاوية  عام 40هـ بعد تنازل الحسن، وهو عام الجماعة؛ كما سبق بيانه.
أما عثمان ؛ فقد انعقدت له بالشورى والوصية معا، وعلي  انعقدت له بالاختيار والمغالبة، ومن بعده الحسن، لكنه تنازل لمعاوية؛ جمعا لكلمة المسلمين، وحقنا للدماء، وتركا للمغالبة وسفك الدماء.

وهذه الطرق الثلاث التي تنعقد بها الإمارة والولاية كما سبق بيانها هي السنة النبوية التي أمر النبي  بالتمسك بها عند الاختلاف وحدوث التفرق، وأوصى بها ؛ كما في حديث العرباض بن سارية:  أوصيكم بتقوى الله والسمع والطاعة، وإن تأمر عليكم عبد، وإنه من يعش منكم؛ فسيرى اختلافا كثيرا؛ فعليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين المهديين؛ عضوا عليها بالنواجذ، وإياكم ومحدثات الأمور؛ فإن كل بدعة ضلالة ( )( ).
وكان من سنتهم أن من أتاهم وأمرهم جميع يريد أن يفرق جمعهم وينازع الأمر أهله: أن يدفعوه، وإن لم يندفع إلا بالمقاتلة؛ قاتلوه وقتلوه كائنا من كان؛ جمعا للكلمة، ودرءا للتفرق والفتن، وحفاظا على الجماعة، والتزاما للسمع والطاعة؛ فقد استقر لديهم أنه لا إسلام إلا بجماعة، ولا جماعة إلا بإمارة، ولا إمارة إلا بسمع وطاعة للأمير، وإن كان عبدا متأمرا.
غربة الإسلام
ولكن مع كثرة المحدثات وغلبة الجهل يصبح الإسلام غريبا، ويتفرق أمر المسلمين، فيصيرون فرقا كثيرة بعد أن كانوا أمة واحدة؛ كما حصل ذلك في واقع المسلمين اليوم، وطريق العودة إلى وحدتهم

هو إعزازهم أهل السنة والجماعة منهم، ولزوم جماعتهم وإمامهم، ولا طريق غير ذلك.
وقد بدأت غربة الإسلام بعد مضي قرن الرسول  الذي هو خير القرون، ثم مضى القرن الذي يليه، ثم الذي يليه أيضا؛ كما روى البخاري في "صحيحه" في فضائل أصحاب النبي  عن عبد الله؛ أن النبي  قال:  خير الناس قرني، ثم الذين يلونهم، ثم الذين يلونهم، ثم يجيء قوم تسبق شهادة أحدهم يمينه، ويمينه شهادته ( )( ).
وكلما جاء زمان؛ كان الذي بعده شرا منه، وكانت غربة الإسلام فيه أشد؛ كما أخبر رسول الله  فيما روى مسلم في "ص

أبو عائشة إسماعيل خيرى
Admin

المساهمات : 244
تاريخ التسجيل : 21/08/2012
العمر : 57
الموقع : منتديات أتباع الإمام محمد بن عبد الوهاب

https://asdf.sudanforums.net

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل

الرجوع الى أعلى الصفحة

- مواضيع مماثلة
» عقيدة الشيخ محمد بن عبد الوهاب السلفية وأثرها في العالم الإسلامي تأليف د. صالح بن عبدالله بن عبد الرحمن العبود الجزء الأول  مقدمة الطبعة الثانية الحمد لله رب العالمين، و
»  الجزء الثانى: عقيدة الشيخ محمد بن عبد الوهاب السلفية وأثرها في العالم الإسلامي تأليف د. صالح بن عبدالله بن عبد الرحمن العبود 
» الجزء الثالث: عقيدة الشيخ محمد بن عبد الوهاب السلفية وأثرها في العالم الإسلامي تأليف د. صالح بن عبدالله بن عبد الرحمن العبود 
» الجزء الأول عقيدة الشيخ محمد بن عبد الوهاب
» دحر إفتراءات أهل الزيغ و الإرتياب عن دعوة الإمام محمد بن عبد الوهاب تأليف المحدث ربيع بن هادى المدخلى الجزء الأول

 
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى