منتديات أتباع الإمام محمد بن عبد الوهاب
هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.

من أعلام المجددين الإمام أحمد بن حنبل و شيخ الإسلام بن تيمية و شيخ الإسلام محمد بن عبد الوهاب تأليف العلامة صالح الفوزان نقلا عن شبكة البيضاء

اذهب الى الأسفل

من أعلام المجددين الإمام أحمد بن حنبل و شيخ الإسلام بن تيمية و شيخ الإسلام  محمد بن عبد الوهاب تأليف العلامة صالح الفوزان نقلا عن شبكة البيضاء  Empty من أعلام المجددين الإمام أحمد بن حنبل و شيخ الإسلام بن تيمية و شيخ الإسلام محمد بن عبد الوهاب تأليف العلامة صالح الفوزان نقلا عن شبكة البيضاء

مُساهمة  أبو عائشة إسماعيل خيرى الجمعة يناير 04, 2013 2:53 pm

كتاب:من أعلام المجددين - تأليف: الشيخ صالح بن فوزان بن عبد الله الفوزان حفظه الله تعالى - متجدد


تأليف:
الشيخ صالح بن فوزان بن عبد الله الفوزان حفظه الله تعالى

الناشر:دار المؤيد
الطبعة الأولى 1421هـ - 2001م

-الإمام أحمد بن حنبل
-شيخ الإسلام أحمد بن عبد الحليم بن تيمية
-شيخ الإسلام محمد بن عبد الوهاب

بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله الذي جعل في كل زمان فترة من الرسل بقايا من أهل العلم يدعون من ضل إلى الهدى، ويصبرون منهم على الأذى، يحيون بكتاب الله عز وجل الموتى، ويبصرون بنور الله أهل العمى، فكم من قتيل لإبليس قد أحيوه، وكم من ضال تائه قد هدوه.
فما أحسن أثرهم على الناس وأقبح أثر الناس عليهم، ينفون عن كتاب الله تحريف الغالين وانتحال المبطلين، وتأويل الجاهلين الذين عقدوا ألوية البدعة وأطلقوا عنان الفتنة، فهم مختلفون في الكتاب، مخالفون للكتاب، مجمعون على مفارقة الكتاب، يقولون على الله وفي الله وفي كتاب الله بغير علم، يتكلمون بالمتشابه من الكلام، ويخدعون جهال الناس بما يشبهون عليهم، فنعوذ بالله من فتن المضلين1، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه وبعد:
فمن المعلوم أنه كلما تأخر الزمان وبعد الناس عن آثار الرسالة حدثت البدع، والخرافات وفشا الجهل واشتدت غربة الدين، وظن الناس أن ما وجدوا عليه آباءهم هو الدين وإن كان بعيداً عنه، ولكن الله سبحانه لا يخلى الأرض من قائم لله بحجة. وقد أخبر الرسول صلى الله عليه وسلم بأن طائفة من المسلمين لا تزال على الحق لا يضرهم من خذلهم ولا

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 هذه خطبة الإمام أحمد في كتاب الرد على الجهمية رأينا مناسبتها للموضوع فقدمناه بها.



من خالفهم حتى يأتي أمر الله تعالى، كما أخبر صلى الله عليه وسلم في الحديث الذي رواه أبو داود وصححه الحاكم وغيره حيث قال: "إن الله يبعث لهذه الأمة على رأس كل مائة سنة من يجدد لها دينها"، قال المناوي في فيض القدير: (2/281-282) أي يقيض لها (على رأس كل مائة سنة) من الهجرة أو غيرها، والمراد الرأس تقريباً (من) أي رجلاً أو أكثر (يجدد لها دينها) أي يبين السنة من البدعة ويكثر العلم وينصر أهله ويكسر أهل البدعة ويذلهم –قالوا ولا يكون إلا عالماً بالعلوم الدينية الظاهرة والباطنة، قال ابن كثير: قد ادعى كل قوم في إمامهم أنه المراد بهذا الحديث والظاهر أنه يعم جملة من العلماء من كل طائفة وكل صنف من مفسر ومحدث وفقيه ونحوي ولغوي وغيرهم /انتهى.
وقد وقع مصداق ما أخبر به النبي صلى الله عليه وسلم في هذا الحديث فلا يزال –والحمد لله- فضل الله على هذه الأمة يتوالى بظهور المجددين عند اشتداد الحاجة إليهم، ومن هؤلاء المجددين الإمام بن حنبل في القرن الثالث، وشيخ الإسلام ابن تيمية في آخر القرن السابع وأول الثامن، وشيخ الإسلام محمد بن عبد الوهاب في القرن الثاني عشر، وقد أحببت في هذه العجالة أن أقدم بعض المعلومات عن هؤلاء الأئمة، وما قاموا به من تجديد هذا الدين مما لا تزال آثاره باقية في هذه الأمة ولله الحمد والمنة، والقصد من ذلك تعريف من يجهل مجهود هؤلاء الأئمة والتنبيه للانتفاع بآثارهم والاقتداء بهم، والله الهادي إلى سواء السبيل...

1-الإمام أحمد بن حنبل
1-نسبه:
هو أحمد بن محمد بن حنبل بن هلال بن أسد بن إدريس بن عبد الله بن حيان بن عبد الله بن أنس بن عوف بن قاسط بن مازن بن شيبان بن ذهل بن ثعلبة بن عكابة بن صعب بن علي بن بكر بن وائل بن قاسط بن هنب بن أفصى بن دعمي بن جديلة بن أسد بن ربيعة بن نزار بن معد بن عدنان1.
2-نشأته وتعلمه:
قدم به والده من مرو وهو حمل، فوضعته أمه ببغداد في ربيع الأول من سنة أربع وستين ومائة وتوفي أبوه وهو ابن ثلاث سنين فكفلته أمه، وقد كان في حداثته يختلف إلى مجلس القاضي أبي يوسف، ثم ترك ذلك وأقبل على سماع الحديث، وكان سنه ست عشرة سنة، ثم حج عدة مرات وجاور بمكة مرتين، ثم سافر إلى عبد الرزاق في اليمن وكتب عنه، وقد طاف في البلاد والآفاق وسمع من مشايخ العصر وكانوا يجلونه ويحترمونه2.
قال ابن الجوزي: ابتدأ أحمد رضي الله عنه في طلب العلم من شيوخ بغداد ثم رحل إلى الكوفة والبصرة ومكة والمدينة واليمن والشام والجزيرة، وكتب عن علماء كل بلد، ثم ذكر أسماء من لقي من كبار العلماء وروى عنهم مرتبين على حروف المعجم من الألف إلى الياء،

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 مناقب الإمام أحمد بن حنبل لابن الجوزي ص 38.
2 البداية والنهاية لابن كثير 10/369.

ص -6- ثم ذكر من روى عنهم ممن عرف بكنيته ولم يتحقق عنده اسمه، ثم ذكر من روى عنهن من النساء1 وقد ذكر خلقاً كثيراً من شيوخه.
3-غزارة علمه:
قال إبراهيم الحربي: رأيت أحمد بن حنبل فرأيت كأن الله جمع له علم الأولين والآخرين من كل صنف يقول ما شاء ويمسك ما شاء، وقال أحمد بن سعيد الرازي: ما رأيت أسود الرأس أحفظ لحديث رسول الله صلى الله عليه وسلم ولا أعلم بفقهه ومعانيه من أبي عبد الله أحمد بن حنبل.
وقال أبو عاصم: ليس ثمة ببغداد إلا ذلك الرجل يعني أحمد بن حنبل ما جاءنا من ثم أحد مثله يحسن الفقه، وقال الخلال: كان أحمد قد كتب كتب الرأي وحفظها ثم لم يلتفت إليها.
وكان إذا تكلم في الفقه تكلم كلام رجل قد انتقد العلوم فتكلم عن معرفة، وقال أبو زرعة كان أحمد بن حنبل يحفظ ألف ألف حديث2 فقيل له وما يدريك، قال ذاكرته فأخذت عليه الأبواب3.
وقال ابن الجوزي: وقد كان أحمد يذكر الجرح والتعديل من حفظه إذا سئل عنه كما يقرأ الفاتحة –ومن نظر في كتاب العلل لأبي بكر الخلال عرف ذلك، ولم يكن هذا لأحد من بقية الأئمة، وكذلك

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 مناقب الإمام أحمد في الصفحات 46، 58، 81.
2 يعني مليون حديث.
3 نفس المصدر: 85، 89، 90.

ص -7- إنفراده في علم النقل بفتاوي الصحابة وقضاياهم وإجماعهم واختلافهم لا ينازع في ذلك، وأما علم العربية فقد قال أحمد كتبت من العربية أكثر مما كتب أبو عمرو الشيباني، وأما القياس فله من الاستنباط ما يطول شرحه1، قال الإمام ابن الجوزي: واعلم أنا نظرنا في أدلة الشرع وأصول الفقه، وسبرنا أحوال الأعلام المجتهدين فرأينا هذا الرجل أوفرهم حظاً من تلك العلوم، فإنه كان من الحافظين لكتاب الله عز وجل، قال أبو بكر بن حمدان القطيعي: قرأت على عبد الله بن أحمد بن حنبل قال لقنني أبي أحمد بن حنبل القرآن كله باختياره، وقرأ ابن حنبل على يحيى بن آدم وعبيد بن الصباح وإسماعيل بن جعفر وغيرهم بإسنادهم.
وكان أحمد لا يميل شيئاً في القرآن ويروى الحديث: "أنزل مفخماً ففخموه"، وكان لا يدغم شيئاً من القرآن إلا (اتخذتم) وبابه كأبى بكر، ويمد مداً متوسطاً وكان رضي الله عنه من المصنفين في فنون العلم من التفسير والناسخ والمنسوخ والمقدم والمؤخر إلى غير ذلك، وأما النقل فقد سلم الكل له إنفراده فيه بما لم ينفرد به سواه من الأئمة من كثرة محفوظه منه ومعرفة صحيحه من سقيمه وفنون علومه، وقد ثبت أنه ليس في الأئمة الأعلام قبله من له حظ في الحديث كحظ مالك. ومن أراد معرفة مقام أحمد في ذلك مقام مالك فلينظر فرق ما بين المسند والموطأ2.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 المدخل للشيخ عبد القادر بن بدران ص 105.
2 مناقب الإمام أحمد لابن الجوزي ص 599-600.



ص -8- قال ابن بدران في كتاب المدخل1 في ذكر مؤلفاته: والمسند وهو ثلاثون ألف حديث، وكان يقول لابنه عبد الله: احتفظ بهذا المسند فإنه سيكون للناس إماماً، وقال عبد الله قرأ علينا أبي المسند وما سمعه منه غيرنا، وقال لنا: هذا كتاب قد جمعته وانتقيته من أكثر من سبعمائة ألف حديث.. انتهى.
وهذا يدل على غزارة علمه بالحديث وتميزه فيه وقوة نقده. وهكذا من يتعلم العلم من مصادره الأصيلة: كتاب الله وسنة نبيه صلى الله عليه وسلم، وتتلمذ على حملته من جهابذة العلماء مع النية الصادقة والعمل به، فإنه حري أن يوفق لتحمل العلم النافع ويكون إماماً في الدين، كما كان الإمام أحمد وغيره من أئمة الإسلام وحملة الشريعة. فعسى أن يكون في هذا حافزاً لشباب المسلمين اليوم وقد توفرت لهم وسائل التعلم ليهبوا لحمل هذا العلم الذي به عزهم وشرفهم في الدنيا والآخرة –نرجو ذلك.
4-علمه وأخلاقه:
من المعلوم أن العلم وسيلة للعمل ومصحح له، فالغاية المطلوبة هي العمل الصالح والعلم وسيلة لتلك الغاية –وفي الحكمة المأثورة: "علم بلا عمل كشجر بلا ثمر"، والله تعالى يقول: {وَاتَّقُوا اللَّهَ وَيُعَلِّمُكُمُ اللَّهُ وَاللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ}2.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 ص 104.
2 الآية 282 من سورة البقرة.



ص -9- والصحابة رضي الله عنهم يقول قائلهم: ما كنا نتجاوز عشر آيات حتى نتعلم معانيهن والعمل بهن، قالوا فتعلمنا العلم والعمل جميعاً، وكان سلفنا الصالح على هذه الصفة، ومنهم الإمام أحمد فقد اتصف بالعلم الغزير والعمل الصالح والأخلاق الفاضلة.
ذكر ابن الجوزي في صفة الصفوة1 قال: وعن عبد الله بن أحمد قال كان أبي أصبر الناس على الوحدة، لم يره أحد إلا في مسجد أو حضور جنازة أو عيادة مريض، وكان يكره المشي في الأسواق.
وعنه قال: كان أبي يصلي في كل يوم وليلة ثلاثمائة ركعة، فلما مرض من تلك الأسواط2 أضعفته فكان يصلي في كل يوم وليلة مائة وخمسين ركعة، وقد كان قرب من الثمانين وكان يقرأ في كل يوماً سبُعاً يختم في كل سبعة أيام، وكانت له ختمة في كل سبع ليال سوى صلاة النهار، وكان ساعة يصلي عشاء الآخرة ينام نومة خفيفة، ثم يقوم إلى الصباح يصلي ويدعو، وحج أبي خمس حجات، ثلاث حجج ماشياً واثنتين راكباً، وأنفق في بعض حجاته عشرين درهما، وعنه قال: كنت أسمع أبي كثيراً يقول في دبر الصلاة: اللهم كما صنت وجهي عن السجود لغيرك صنه عن المسألة لغيرك، وقال صالح بن أحمد بن حنبل: ورد كتاب علي بن الجهم: أن أمير المؤمنين (يعني المتوكل) قد وجه إليك يعقوب المعروف بقوصرة ومعه جائزة ويأمرك بالخروج، فالله الله أن تستعفي أو ترد المال فيتسع القول لمن يبغضك، فلما كان من

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 ص 197 جـ2.
2 يعني الأسواط التي ضربها بسبب امتناعه من القول بخلق القرآن في عهد المعتصم.



ص -10- الغد ورد يعقوب فدخل عليه فقال: يا أبا عبد الله أمير المؤمنين يقرئك السلام، ويقول قد أحببت أن آنس بقربك وأن أتبرك بدعائك –وقد وجهت إليك عشرة آلاف درهم معونة على سفرك وأخرج صرة فيها بدرة نحو مائتي دينار والباقي دراهم صحاح، فلم ينظر إليها ثم شدها يعقوب، وقال له أعود غداً حتى أبصر ما تعزم عليه، وانصرف فجئت بإجانة خضراء فكببتها على البدرة، فلما كان عند المغرب قال: يا صالح خذ هذا فصيره عندك، فصيرتها عند رأسي فوق البيت، فلما كان سحراً إذا هو ينادي يا صالح فقمت فصعدت إليه فقال: ما نمت ليلتي هذه فقلت: لم يا أبت؟ فجعل يبكي وقال: سلمت من هؤلاء حتى إذا كان في آخر عمري بليت بهم، قد عزمت على أن أفرق هذا الشيء إذا أصبحت فقلت ذاك إليك، فلما أصبح قال: جئني يا صالح بميزان، وقال: وجهوا إلي أبناء المهاجرين والأنصار. ثم قال: وجه إلى آل فلان، فلم يزل يفرقها كلها ونفضت الكيس ونحن في حالة الله تعالى بها عليم، وكتب صاحب البريد أنه قد تصدق بالدراهم من يومه حتى تصدق بالكيس، قال علي بن الجهم فقلت يا أمير المؤمنين قد علم الناس أنه قد قبل منك، وما يصنع أحمد بالمال وإنما قوته رغيف، فقال لي صدقت يا علي –وبهذه النقولات عن ابني الإمام وقد عايشا أباهما معايشة خاصة أكبر دليل على مدى صلاح الإمام أحمد وتقواه وزهده وورعه.
وأما تواضعه:
فقد قال ابن الجوزي1 بلغني عن أبي الحسين بن المنادي قال

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 مناقب الإمام أحمد الصفحات: 277، 280، 281.



ص -11- سمعت جدي يقول: كان أحمد من أحب الناس وأكرمهم نفساً وأحسنهم عشرة وأدباً، كثير الإطراق، معرضاً عن القبيح واللغو، لا يسمع منه إلا المذاكرة بالحديث، وذكر الصالحين والزهاد في وقار وسكون ولفظ حسن، وإذا لقيه إنسان بش به وأقبل عليه، وكان يتواضع للشيوخ تواضعاً شديداً وكانوا يكرمونه ويعظمونه، قال الخلال: وأخبرني محمد بن الحسين أن أبا بكر المروذي –حدثهم قال: كان أبو عبد الله لا يجهل، وإن جهل عليه احتمل وحلم، ويقول: يكفى الله، ولم يكن بالحقود ولا العجول، ولقد وقع بين عمه وجيرانه منازعة فكانوا يجيئون إلى أبي عبد الله فلا يظهر لهم ميله مع عمه ولا يغضب لعمه، ويتلقاهم بما يعرفون من الكرامة، وكان كثير التواضع يحب الفقراء، لم أر الفقير في مجلس أعز منه في مجلسه، مائلاً إليهم مقصراً عن أهل الدنيا، تعلوه السكينة والوقار، إذا جلس في مجلسه بعض العصر للفتيا لا يتكلم حتى يسأل، وإذا خرج إلى مسجده لم يتصدر يقعد حيث انتهى به المجلس، وكان لا يمد قدمه في المجلس ويكرم جليسه، وكان حسن الخلق، دائم البشر، لين الجانب، ليس بفظ ولا غليظ، وكان يحب في الله ويبغض في الله، وكان إذا أحب رجلاً أحب له ما يحب لنفسه، وكره له ما يكره لنفسه ولم يمنعه حبه إياه أن يأخذ على يديه ويكفه عن ظلم وإثم أو مكروه إن كان منه، وكان إذا بلغه عن شخص صلاح أو زهد أو قيام بحق أو اتباع للأمر سأل عنه وأحب أن يجري بينه وبينه معرفة. وأحب أن يعرف أحواله، وكان رجلاً فطناً. إذا كان شيء لا يرضاه اضطرب لذلك، ويغضب لله ولا يغضب لنفسه فلا ينتصر لها، فإذا كان في أمر من الدين اشتد له غضبه حتى كأنه ليس هو، لا تأخذه في الله لومة لائم، وكان حسن الجوار، يؤذى فيصبر ويحتمل الأذى من الجار... انتهى.

ص -12- هذه أخلاق الإمام أحمد. علم وعمل وتواضع وصبر واحتمال، وجدير بمن تربى على الكتاب والسنة وتتلمذ على العلماء العاملين وخالط الصالحين أن يكون كذلك، بخلاف من يتربى على نظريات الفلاسفة وأفكار الغرب فإنه يتأثر بها ويتخلق بها، فيجب على المسلمين أن يوجهوا أولادهم إلى الكتاب والسنة وأخلاق السلف الصالح، ليتربوا التربية الصحيحة، ويتوجهوا الوجهة السليمة ويتركوا استيراد النظريات التربوية من الكفار وفلاسفة الغرب.
5-محنته وصلابته في الحق:
قال الحافظ ابن كثير رحمه الله1 باب ذكر ما جاء في محنة أبي عبد الله أحمد بن حنبل / في أيام المأمون ثم المعتصم ثم الواثق بسبب القرآن العظيم. وما أصابه من الحبس الطويل والضرب الشديد والتهديد بالقتل بسوء العذاب وأليم العقاب وقلة مبالاته بما كان منهم من ذلك إليه وصبره عليه وتمسكه بما كان عليه من الدين القويم والصراط المستقيم، وكان أحمد عالماً بما ورد بمثل حاله من الآيات المتلوة والأخبار المأثورة. وبلغه بما أوصي به في المنام واليقظة فرضي وسلم إيماناً واحتساباً –وفاز بخير الدنيا ونعيم الآخرة، وهيأه الله بما آتاه من ذلك لبلوغ أعلى منازل أهل البلاء في الله من أوليائه، ثم قال ابن كثير رحمه الله: وقد ذكرنا فيما تقدم أن المأمون كان قد استحوذ عليه جماعة من المعتزلة فأزاغوه عن طريق الحق إلى الباطل، وزينوا له القول بخلق القرآن ونفي الصفات عن الله عز وجل- قال البيهقي: ولم يكن في الخلفاء قبله من بني أمية وبني العباس خليفة إلا على مذهب

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 البداية والنهاية الصفحات: 374، 376، 378، 379.



ص -13- السلف ومنهاجهم، فلما ولي الخلافة اجتمع به هؤلاء فحملوه على ذلك، وزينوا له، واتفق خروجه إلى طرسوس لغزو الروم فكتب إلى نائبه ببغداد –إسحاق بن إبراهيم بن مصعب- يأمره أن يدعو الناس إلى القول بخلق القرآن، واتفق له ذلك آخر عمره قبل موته بشهور من سنة ثماني عشرة ومائتين، فلما وصل الكتاب كما ذكرنا استدعى جماعة من أئمة الحديث فدعاهم إلى ذلك فامتنعوا فتهددهم بالضرب وقطع الأرزاق فأجاب أكثرهم مكرهين، واستمر على الامتناع من ذلك الإمام أحمد بن حنبل ومحمد بن نوح الجند يسابورى، فحملا على بعير وسيرا إلى الخليفة عن أمره بذلك. وهما مقيدان متعادلان في محمل على بعير واحد –فلما اقتربا من جيش الخليفة ونزلوا دونه بمرحلة جاء خادم وهو يمسح دموعه بطرف ثوبه ويقول: يعز علي يا أبا عبد الله أن المأمون قد سل سيفاً لم يسله قبل ذلك، وأنه يقسم بقرابته من رسول الله صلى الله عليه وسلم لئن لم تجبه إلى القول بخلق القرآن ليقتلنك بذلك السيف، قال فجثى الإمام أحمد على ركبتيه ورمق بطرفه إلى السماء وقال سيدي غر حلمك هذا الفاجر حتى تجرأ على أوليائك بالضرب والقتل، اللهم فإن يكن القرآن كلامك غير مخلوق فاكفنا مؤنته، قال فجاءهم الصريخ بموت المأمون في الثلث الأخير من الليل، قال أحمد ففرحنا ثم جاء الخبر بأن المعتصم قد ولي الخلافة، وقد انضم إليه أحمد بن أبي دؤاد وأن الأمر شديد، فردونا إلى بغداد في سفينة مع بعض الأسرى ونالني منهم أذى كثير، وكان في رجليه القيود ومات صاحبه محمد بن نوح في الطريق وصلى عليه أحمد –فلما رجع أحمد إلى بغداد دخلها في رمضان فأودع السجن نحواً من ثمانية وعشرين شهراً وقيل نيفاً وثلاثين شهراً، ثم أخرج إلى الضرب بين يدي المعتصم، وكان أحمد وهو في



ص -14- السجن هو الذي يصلي في أهل السجن والقيود في رجليه، ولما أحضره المعتصم من السجن زاد في قيوده، قال أحمد: فلم أستطع أن أمشي بها –فربطتها في التكة وحملتها بيدي، ثم جاءوني بدابة فحملت عليها فكدت أن أسقط على وجهي من ثقل القيود. وليس معي أحد يمسكني فسلم الله حتى جئنا دار المعتصم فأدخلت في بيت وأغلق علي. وليس عندي سراج فأردت الوضوء فمددت يدي فإذا إناء فيه ماء فتوضأت منه ثم قمت ولا أعرف القبلة فلما أصبحت إذا أنا على القبلة ولله الحمد –ثم دعيت فأدخلت على المعتصم-.
وذكر ابن كثير رحمه الله المناظرة التي دارت بينه وبين خصومه بحضرة المعتصم في موضوع خلق القرآن –إلى أن قال: ثم لم يزالوا يقولون له يا أمير المؤمنين إنه ضال مضل كافر، فأمر بي فقمت بين العقابين وجيء بكرسي فأقمت عليه، وأمرني بعضهم أن آخذ بيدي بأي الخشبتين فلم أفهم فتخلعت يداي وجيء بالضرابين ومعهم السياط فجعل أحدهم يضربني سوطين –ويقول له -يعني المعتصم- شد قطع الله يدك- ويجيء الآخر فيضربني سوطين ثم الآخر كذلك، فضربوني أسواطاً فأغمي علي وذهب عقلي مراراً –فإذا سكن الضرب يعود علي عقلي –وقام المعتصم إلي يدعوني إلى قولهم فلم أجبه- وجعلوا يقولون: ويحك الخليفة على رأسك فلم أقبل. فأعادوا الضرب ثم عاد إلي فلم أجبه، فأعادوا الضرب ثم جاء الثالثة فدعاني فلم أعقل ما قال من شدة الضرب، ثم أعادوا الضرب فذهب عقلي فلم أحس بالضرب، وأرعبه ذلك من أمري وأمر بي فأطلقت ولم أشعر إلا وأنا في حجرة من بيت وقد أطلقت الأقياد من رجلي، ثم أمر الخليفة بإطلاقه إلى أهله، وكان جملة ما ضرب نيفاً وثلاثين سوطاً، وقيل ثمانين



ص -15- سوطاً ولكن كان ضرباً مبرحاً شديداً جداً، ولما رجع إلى منزله جاء الجراح فقطع لحماً ميتاً من جسده وجعل يداويه، ولما شفاه الله بالعافية بقى مدة وإبهاماه يؤذيهما البرد –وجعل كل من آذاه في حل إلا أهل البدعة، وكان يتلو في ذلك قوله تعالى: {وَلْيَعْفُوا وَلْيَصْفَحُوا} الآية، ويقول ماذا ينفعك أن يعذب أخوك المسلم بسببك، انتهى باختصار.
وهكذا ثبت الإمام أحمد رحمه الله على الحق، وصبر على السجن والضرب ولم تأخذه في الله لومة لائم، ولم ترهبه السلطة والجبروت، فكانت العاقبة والعقوبة لأعدائه، ومع هذا يعفو ويصفح عن خصومه ويجعلهم في حل ما عدا المبتدعة –لأن المبتدعة انتهكوا محارم الله ولم تكن إساءتهم قاصرة عليه، إنه الإيمان الراسخ والتربية النافعة المستمدة من الكتاب والسنة يصنعان الرجال، ويبعثان على الثبات في مواقف الفتن والأهوال، وهكذا تكون مواقف الأبطال.
6-مميزات مذهبه والأصول التي بناه عليها:
مذاهب أهل السنة كلها مذاهب حق لا سيما مذاهب الأئمة الأربعة –أبي حنيفة ومالك والشافعي وأحمد، وكل مذهب من هذه المذاهب السنية له مميزات، ويمتاز مذهب الإمام أحمد من بينها بقربه من النصوص1 وفتاوي الصحابة.
قال الإمام ابن القيم رحمه الله2: رويت فتاويه ومسائله وحدث بها قرناً بعد قرن، فصارت إماماً وقدوة لأهل السنة على اختلاف

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 ولهذا يعتبر الإمام أحمد من فقهاء المحدثين.
2 أعلام الموقعين 1/28-29.

ص -16- طبقاتهم حتى إن المخالفين لمذهبه بالاجتهاد والمقلدين لغيره يعظمون نصوصه وفتاواه ويعرفون لها حقها وقربها من النصوص وفتاوي الصحابة، ومن تأمل فتاواه وفتاوي الصحابة رأى مطابقة كل منهما على الأخرى، ورأى الجميع كأنها تخرج من مشكاة واحدة، حتى إن الصحابة إذا اختلفوا على قولين جاء عنه في المسألة روايتان، وكان تحريه لفتاوي الصحابة كتحري أصحابه لفتاويه ونصوصه بل أعظم، حتى إنه ليقدم فتاويهم على الحديث المرسل.
أصول مذهبه:
كان مذهبه مبنياً على خمسة أصول وهي:
1- النصوص، فإذا وجد نصاً أفتى بموجبه ولم يلتفت إلى ما خالفه ولا من خالفه.
2- ما أفتى به الصحابة –فإذا وجد لأحدهم فتوى لا يعرف له مخالف منهم فيها لم يعدها إلى غيرها، ولم يقل إن ذلك إجماع- بل من ورعه في العبارة يقول: لا أعلم شيئاً يدفعه أو نحو هذا.
3- إذا اختلف الصحابة في المسألة تخير من أقوالهم ما كان أقربها إلى الكتاب والسنة ولم يخرج عن أقوالهم، فإن لم يتبين له موافقة أحد الأقوال للدليل حكى الخلاف ولم يجزم بقول.
4- الأخذ بالمرسل والحديث الضعيف إذا لم يكن في الباب شيء يدفعه ويرجح ذلك على القياس، والمراد بالحديث الضعيف عند قسيم الصحيح، وقسم من أقسام الحسن، وليس المراد بالضعيف عنده الباطل والمنكر ولا ما في روايته متهم.
5- فإذا لم يكن هناك نص ولا قول للصحابة أو أحدهم ولا أثر مرسل أو ضعيف عدل إلى القياس فاستعمله للضرورة.

ص -17- فهذه الأصول الخمسة هي أصول مذهبه –وقد يتوقف في الفتوى لتعارض الأدلة عنده، أو لاختلاف الصحابة فيها، أو لعدم اطلاعه فيها على أثر أو قول أحد من الصحابة والتابعين، وكان شديد الكراهة والمنع للإفتاء بمسألة ليس فيها أثر عن السلف-كما قال لبعض أصحابه: إياك أن تتكلم في مسألة ليس لك فيها إمام1. أي لم يسبق أن قال فيها أحد من الأئمة بشيء.
7-مؤلفاته:
قال الإمام ابن القيم2: كان الإمام أحمد رحمه الله شديد الكراهة لتصنيف الكتب، وكان يحب تجريد الحديث، ويكره أن يكتب كلامه ويشتد عليه جداً، فعلم الله حسن نيته وقصده فكتب من كلامه وفتواه أكثر من ثلاثين سفراً، ومنّ الله سبحانه علينا بأكثرها فلم يفتنا منها إلا القليل، وجمع الخلال نصوصه في الجامع الكبير فبلغ نحو عشرين سفراً أو أكثر، ورويت فتاويه ومسائله وحدث بها قرناً بعد قرن، فصارت إماماً وقدوة لأهل السنة على اختلاف طبقاتهم، وقال ابن الجوزي: كان الإمام أحمد رضي الله عنه لا يرى وضع الكتب، وينهى أن يكتب عنه كلامه ومسائله ولو رأى ذلك لكانت تصانيفه كثيرة، ولنقلت عنه كتب3 واقتصر الإمام أحمد على التصنيف في النقول –أي الأحاديث والآثار وهذه بعض مؤلفاته:
1) المسند في الحديث، وكان يقول لابنه عبد الله: احتفظ بهذا المسند فإنه سيكون للناس إماماً4.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 أعلام الموقعين لابن القيم 1/29/32.
2 نفس المصدر 1/28.
3 مناقب الإمام أحمد لابن الجوزي 248.
4 وجملة أحاديث المسند ثلاثون ألف حديث انتقاها من سبعمائة ألف حديث.



ص -18- 2) التفسير –وهو مائة ألف وعشرون ألفاً- يعني من الأحاديث والآثار.
3) الناسخ والمنسوخ.
4) التاريخ.
5) المقدم والمؤخر في القرآن.
6) جوابات القرآن.
7) المناسك الكبير والصغير.
Cool الزهد.
9) الرد على الجهمية.
8- وفاته:
مرض في أول شهر ربيع الأول من سنة أحدى وأربعين ومائتين، وتوفي ليلة الجمعة وهي ليلة الثاني عشر من هذا الشهر، ولم حضرته الوفاة أشار إلى أهله أن يوضؤه فجعلوا يوضؤنه وهو يشير إليهم أن خللوا أصابعي وهو يذكر الله عز وجل في جميع ذلك، فلما أكملوا وضوءه توفي رحمه الله ورضي عنه، فغسلوه وكفنوه بثوب كان قد غزلته جاريته، وخرج الناس بنعشه والخلائق حوله ما لم يعلم عددهم إلا الله، ثم صلي عليه وأعيدت الصلاة عليه عند القبر. ثم أعيدت الصلاة أيضاً على القبر بعد دفنه، ولم يستقر في قبره رحمه الله إلا بعد العصر وذلك لكثرة الخلق الذين حضروا. وقد قدر عدد الذين صلوا عليه وشيعوه إلى قبره بألف ألف، وفي رواية وسبعمائة ألف –أي مليون وسبعمائة ألف –رحم الله الإمام أحمد رحمة واسعة وجزاه عن الإسلام والمسلمين خيراً، وجعله مع الذين أنعم الله عليهم من النبيين والصديقين والشهداء والصالحين وحسن أولئك رفيقاً. والحمد لله رب العالمين، وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه.
الصور المرفقة
نوع الملف أسم الملف حجم الملف عدد المشاهدات
1.jpg‏ 13.6 كيلوبايت 353
التعديل الأخير تم بواسطة أبو عبد الله مهدي محمد ; 22-Sep-2012 الساعة 07:06 PM

#2
01-Oct-2012, 09:10 PM
أبو عبد الله مهدي محمد

تاريخ التسجيل: Mar 2012
المشاركات: 321
رد: كتاب:من أعلام المجددين - تأليف: الشيخ صالح بن فوزان بن عبد الله الفوزان حفظه الله تعالى - متجدد


-شيخ الإسلام أحمد بن عبد الحليم بن عبد السلام بن تيمية

نبذة عن حياته وجهاده وثمرات دعوته والرد على الشبهات التي أثيرت حوله



أولاً: التعريف بشيخ الإسلام ابن تيمية:
هو شيخ الإسلام الحافظ المجتهد تقي الدين أبو العباس أحمد بن عبد الحليم بن عبد السلام بن عبد الله ابن أبي القاسم بن الخضر بن محمد بن تيمية الحراني الحنبلي.
ولد بحران يوم الإثنين عاشر ربيع الأول سنة إحدى وستين وستمائة، وقدم به والده وبأخويه عند استيلاء التتار على البلاد إلى دمشق سنة 667هـ.
مشائخه وتحصيله:
أخذ الفقه والأصول عن والده وسمع عن خلق كثير منهم الشيخ شمس الدين والشيخ زين الدين ابن المنجا والمجد بن عساكر، وقرأ العربية على ابن عبد القوي، ثم أخذ كتاب سيبويه فتأمله وفهمه، وعني بالحديث وسمع الكتب الستة والمسند مرات، وأقبل على تفسير القرآن الكريم فبرز فيه، وأحكم أصول الفقه والفرائض والحساب والجبر والمقابلة، وغير ذلك من العلوم، ونظر في الكلام والفلسفة وبرز في ذلك ورد على أكابر المتكلمين والفلاسفة، وتأهل للفتوى والتدريس وله دون العشرين من السنين، وتضلع في علم الحديث وحفظه، وكان سريع الحفظ قوي الإدراك آية في الذكاء رأساً في معرفة الكتاب والسنة والاختلاف بحر في النقليات، وكان له باع طويل في معرفة مذاهب الصحابة والتابعين.
اشتغاله في التدريس:
كان والده من كبار أئمة الحنابلة فلما مات خلفه في وظائفه وكان عمره تسع عشرة سنة، فاشتهر أمره وبعد صيته في العالم، وأخذ في
تفسير القرآن الكريم أيام الجمع من حفظه –قال عنه الحافظ أبو حفص عمر بن علي البزار وكان من معاصريه1: لقد كان إذا قريء في مجلسه آيات من القرآن العظيم شرع في تفسيرها فينقضي المجلس بجملته والدرس بزمنه وهو في تفسير بعض آية منها، وقد منحه الله تعالى معرفة اختلاف العلماء ونصوصهم وكثرة أقوالهم واجتهادهم في المسائل، وما روي عن كل واحد منهم من راجح ومرجوح ومقبول ومردود، حتى كان إذا سئل عن شيء من ذلك كأن جميع المنقول عن الرسول صلى الله عليه وسلم وأصحابه والعلماء فيه من الأولين والآخرين متصور مسطور بإزائه، وهذا قد اتفق عليه كل من رآه أو وقف على شيء من علمه ممن لم يغلظ عقله الجهل والهوى... انتهى.
وقال أيضاً: وأما ذكر دروسه فقد كنت في حال إقامتي بدمشق لا أفوتها، وكان لا يهيئ شيئاً من العلم ليلقيه ويورده، بل يجلس بعد أن يصلي ركعتين فيحمد الله ويثني عليه ويصلي على رسوله صلى الله عليه وسلم على صفة مستحسنة مستعذبة لم أسمعها من غيره، ثم يشرع فيفتح الله عليه إيراد علوم وغوامض ولطائف ودقائق وفنون ونقول واستدلالات بآيات وأحاديث وأقوال العلماء، ونقد بعضها وتبيين صحته أو تزييف بعضها وبإيضاح حجته واستشهاد بأشعار العرب وربما ذكر ناظمها، وهو مع ذلك يجري كما السيل ويفيض كما يفيض البحر، من غير تعجرف ولا توقف ولا لحن، بل فيض إلهي حتى يبهر كل سامع وناظر، فلا يزال كذلك إلى أن يصمت، ويقع عليه إذ ذاك من المهابة ما يرعد
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 الأعلام العلية في مناقب شيخ الإسلام ابن تيمية ص 23، 25، 28، 30.

القلوب ويحير الأبصار والعقول –وكان لا يذكر رسول الله صلى الله عليه وسلم قط إلا ويصلي ويسلم عليه، ولا والله ما رأيت أحداً أشد تعظيماً لرسول الله صلى الله عليه وسلم ولا أحرص على اتباعه ونصر ما جاء به منه، حتى إذا كان أورد شيئاً من حديثه في مسألة ويرى أنه لم ينسخه شيء غيره من حديثه يعمل به، ويقضي ويفتي بمقتضاه، ولا يلتفت إلى قول غيره من المخلوقين كائناً من كان، وقال رضي الله عنه: كل قائل إنما يحتج لقوله لا به إلا رسول الله، وكان إذا فرغ من درسه يقبل على الناس بوجه طلق بشيش وخلق دمث كأنه لقيهم حينئذ، وربما اعتذر إلى بعضهم من التقصير في المقال مع ذلك الحال، ولقد كان درسه الذي يورده حينئذ قدر عدة كراريس. وهذا الذي ذكرته من أحوال درسه أمر مشهور يوافقني عليه كل حاضريه وهم بحمد الله خلق كثير لم يحصر عددهم علماء ورؤساء وفضلاء من القراء والمحدثين والفقهاء والأدباء وغيرهم من عوام المسلمين... انتهى كلام البزار في كتابه الأعلام العلية.
مؤلفاته:
لشيخ الإسلام ابن تيمية مؤلفات قيمة ضخمة ورسائل وفتاوى بلغ الموجود منها مجلدات ضخمة وعديدة، طبع منها الآن حسب علمي ما يقارب أربعة وثمانين مجلداً، وهي:
1) مجموع الفتاوى خمسة وثلاثون مجلداً، وقد طبع عدة مرات ووزع في كثير من الأقطار الإسلامية، وانتفع به المسلمون لما يحتويه من علم غزير في العقائد والفقه والتفسير والحديث والأصول.
2) موافقة صحيح المنقول لصريح المعقول، وقد طبع في عشر مجلدات.

1) الجواب الصحيح لمن بدل دين المسيح (رد على شبه النصارى)، وقد طبع في أربع مجلدات.
2) منهاج السنة النبوية في الرد على الشيعة والقدرية، وقد طبع في ثمانية مجلدات محققة.
3) الفتاوى المصرية، وقد طبعت في خمس مجلدات.
4) الاختيارات الفقهية، وقد طبعت في مجلد.
5) القواعد النورانية الفقهية، وقد طبعت في مجلد.
6) نقض منهاج التأسيس، وقد طبع الموجود منه في مجلدين1.
7) إقامة الدليل على إبطال التحليل، وقد طبع في مجلد.
Cool شرح العقيدة الأصفهانية، وقد طبع في مجلد.
9) الصفدية وقد طبع المجلد الأول منها، والبقية في الطريق إن شاء الله.
10) الاستقامة، وقد طبع المجلد الأول منه والبقية في الطريق إن شاء الله.
11) كتاب الإيمان، وقد طبع في مجلد.
12) كتاب نقض المنطق، وقد طبع في مجلد.
13) كتاب النبوات، وقد طبع في مجلد.
14) اقتضاء الصراط المستقيم مخالفة أصحاب الجحيم، مجلد.
هذا ولا يزال الكثير من كتبه ورسائله وفتاويه مفقوداً ويعثر بين حين وآخر على شيء منه فيبادر من وجده إلى نشره للانتفاع به، وقد لمعت كتبه في هذا العصر وانتفع بها الخلق الكثير لما تحويه من العلم

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 وقد وجدت منه نسخة كاملة والحمد لله وتقوم جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية بتحقيقه وإعداده للطبع وربما على عشر مجلدات.

العزيز والتحقيق والتدقيق والأصالة، وقد شهد بذلك كل من اطلع عليها ممن لم تأخذه العصبية الجاهلية والتقليد الأعمى.
ثناء العلماء عليه:
قال الحافظ ابن كثير في البداية والنهاية (14/118-119) وقل أن سمع شيئاً إلا حفظه ثم اشتغل بالعلوم وكان ذكياً كثير المحفوظ، فصار إماماً في التفسير وما يتعلق به عارفاً بالفقه، فيقال إنه كان أعرف بفقه المذاهب من أهلها الذين كانوا في زمانه وغيره، وكان عالماً باختلاف العلماء عالماً في الأصول والفروع والنحو واللغة وغير ذلك من العلوم النقلية والعقلية، وما قطع في مجلس ولا تكلم معه فاضل في فن من الفنون إلا ظن أن ذلك الفن فنه ورآه عارفاًبه متقناً له، وأما الحديث فكان حامل رايته حافظاً له مميزاً بين صحيحه وسقيمه عارفاً برجاله متضلعاً من ذلك، وله تصانيف كثيرة وتعاليق مفيدة في الأصول والفروع... انتهى.
وقال الحافظ المزي في الثناء عليه1: ما رأيت مثله ولا رأى هو مثل نفسه، وما رأيت أحداً أعلم بكتاب الله وسنة رسوله ولا اتبع لهما منه، وقال الحافظ ابن دقيق العيد: لما اجتمعت بابن تيمية رأيت رجلاً كل العلوم بين عينيه، يأخذ ما يريد ويدع ما يريد، وقال الشيخ إبراهيم الرقى: إن ابن تيمية يؤخذ عنه ويقلد في العلوم، فإن طال عمره ملأ الأرض علماً وهو على الحق، ولا بد من أن يعاديه الناس، لأنه وارث علم النبوة، وقال قاضي القضاة ابن الحريري: إن لم يكن ابن تيمية شيخ الإسلام فمن هو؟

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 حياة شيخ الإسلام ابن تيمية ص 21 لمحمد بهجة البيطار.



نقل هذه الأقوال عن هؤلاء الأئمة في الثناء على شيخ الإسلام ابن تيمية الشيخ مرعي بن يوسف الحنبلي في كتابه: الكواكب الدرية.
رد الشبهات التي وجهت في حق الشيخ:
لقد ضاق خصومه قديماً وحديثاً به ذرعاً ووجهوا ضده الاتهامات:
1) من ذلك ما افتراه الرحالة ابن بطوطة حيث قال في رحلته (في حق شيخ الإسلام ابن تيمية: وكنت إذ ذلك بدمشق فحضرته يوم الجمهة وهو يعظ الناس على منبر الجامع ويذكرهم فكان من جملة كلامه أن قال: إن الله ينزل إلى سماء الدنيا كنزولي هذا. ونزل درجة من درج المنبر). وقد رد على هذه الفرية الشيخ العلامة محمد بهجة البيطار1 بما يلي:
1- أن ابن بطوطة لم يسمع من ابن تيمية ولم يجتمع به إذ كان وصوله إلى دمشق يوم الخميس التاسع عشر من شهر رمضان المبارك عام ستة وعشرين وسبعمائة (726هـ) وكان سجن شيخ الإسلام في قلعة دمشق أوائل شهر شعبان من ذلك العام، ولبث فيه إلى أن توفاه الله تعالى ليلة الإثنين لعشرين من ذي القعدة عام ثمانية وعشرين وسبعمائة هجرية، فكيف رآه ابن بطوطة يعظ على منبر الجامع وهو إذ ذاك في السجن.
2- لم يكن شيخ الإسلام ابن تيمية يعظ الناس على منبر الجامع، وإنما كان يجلس على كرسي، قال الحافظ الذهبي عنه: وقد اشتهر أمره

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 حياة شيخ الإسلام ابن تيمية ص 47-48.



وبعد صيته في العالم وأخذ في تفسير الكتاب العزيز أياك الجمع على كرسي من حفظه.
3- أن هذا الذي ذكره ابن بطوطة يخالف ما ذكره الشيخ في جميع كتبه من أنه يجب إثبات أسماء الله وصفاته إثباتاً بلا تشبيه وتنزيهها عن مشابهة صفات المخلوقين تنزيهاً بلا تعطيل، وهذا الذي ذكره ابن بطوطة تشبيه ينهى عنه شيخ الإسلام ويحذر منه غاية التحذير.
4- لشيخ الإسلام ابن تيمية في موضوع النزول كتاب مستقل اسمه شرح حديث النزول وهو مطبوع ومتداول وليس فيه ما ذكره ابن بطوطه، بل فيه ما يرد عليه ويبطله من أصله والحمد لله رب العالمين.
2- قالوا عنه إنه يخالف الإجماع، وقد أجاب عن هذه الشبهة الشيخ محمد1 بهجة البيطار بقوله: اشتهر ابن تيمية بمسائل أثرت عنه وظن كثير من الناس أنه انفرد بها عن غيره، بل ظنوا أنه خالف في بعضها الإجماع، وهي أمور اجتهادية يقع في مثلها الخلاف بين العلماء، ومن المفروغ منه أن ابن تيمية قد بلغ رتبة الاجتهاد في الأحكام الشرعية، وأنه كان يفتي الناس بما أدى إليه اجتهاده2، وأنه موافق في فتاواه بعض الصحابة أو التابعين أو أحد الأئمة الأربعة أو غيرهم ممن عاصرهم أو جاء قبلهم أو بعدهم، وقد قال العلامة برهان الدين بن الإمام محمد المعروف بابن قيم الجوزية: لا نعرف مسألة خرق فيها الإجماع، ومن ادعى ذلك فهو إما جاهل وإما كاذب، ولكن ما نسب إليه الانفراد به ينقسم إلى أربعة أقسام: الأول: ما يستغرب جداً فينسب إليه أنه خالف فيه الإجماع لندور القائل به وخفائه على الناس لحكاية بعضهم

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 حياة شيخ الإسلام ابن تيمية ص 54-55.
2 أي أنه الراجح من الأقوال



الإجماع على خلافه. الثاني: ما هو خارج عن مذاهب الأئمة الأربعة، وقال بعض الصحابة أو التابعين أو السلف به والخلاف فيه محكي. الثالث: ما اشتهرت نسبته إليه مما هو خارج عن مذهب الإمام رضي الله عنه لكن قد قال به غيره من الأئمة وأتباعهم. الرابع: ما أفتى به واختاره مما هو خلاف المشهور في مذهب أحمد وإن كان محكياً عنه، وعن بعض أصحابه. انتهى من كتاب حياة شيخ الإسلام ابن تيمية للشيخ محمد بهجة البيطار ص 54/55.
قلت: وبهذا يعلم أن شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله لم ينفرد بقول لم يقم عليه دليل من الكتاب والسنة ولم يقل به أحد من الأئمة من الصحابة والتابعين ومن بعدهم، ومن أراد الحق في هذا فلينظر في مجموع فتاواه الكبير الذي بلغ خمسة وثلاثين مجلداً وطبع عدة مرات ووزع على نظاق واسع في العالم الإسلامي، ولا يصدق ما أشاعه منه المغرضون. فإن قول الخصم غير مقبول على خصمه –وإنما يرجع إلى كلام الشخص نفسه ويحكم عليه بموجبه، واليوم والحمد لله كتب شيخ الإسلام وفتاواه قد انتشرت واشتهرت وهي تدحض ما افتراه عليه خصومه من الأكاذيب، ومن رجع إلى هذه المؤلفات القيمة أدرك أنه مفترى عليه ووجد في هذه المؤلفات العلم الغزير الموروث عن النبي صلى الله عليه وسلم، ولا يسع المنصف الخالي من التعصب الأعمى إلا أن يقر له بالعلم والفضل والاستقامة على الحق.
3- قالوا إنه أفتى بفتاوى الأئمة أهل السنة والجماعة، وهذا من الكذب على شيخ الإسلام ابن تيمية، فهو لم ينفرد بقول يخالف به الأئمة جميعاً سواء الأئمة الأربعة أو أئمة السلف الذين هم قبل



الأربعة، كما سبق بيانه، فلم يقل قولاً إلا وله سلف فيه من الأئمة وأهل السنة والجماعة، اللهم إلا أن يريد هذا القائل بأن أهل السنة والجماعة جماعة الأشاعرة والماتريدية –فهذا اصطلاح خاطئ، لأن المراد بأهل السنة والجماعة حقاً من كان على طريقة الرسول صلى الله عليه وسلم وأصحابه، وهم الفرقة الناجية، وهذا الوصف لا ينطبق إلا على الصحابة والتابعين ومن سار على نهجهم واتبع طريقهم، والأشاعرة والماتريدية خالفوا الصحابة والتابعين والأئمة الأربعة في كثير من المسائل الاعتقادية وأصول الدين، فلم يستحقوا أن يلقبوا بأهل السنة والجماعة. وهؤلاء لم يخالفهم شيخ الإسلام ابن تيمية وحده، بل خالفهم عامة الأئمة والعلماء الذي ساروا على نهج السلف. وهذه الفتاوى التي نسبوها كذباً للشيخ، وقالوا إن الشيخ خالف فيها فتاوى الأئمة أهل السنة والجماعة، هي قولهم:
1- أنه يرى جلوس الله على العرش كجلوسه هو، وأنه قال ذلك على المنبر في مسجد بني أمية مراراً في دمشق وفي مصر.
ونقول: هذا من الكذب الواضح على شيخ الإسلام ابن تيمية، فشيخ الإسلام في هذه المسألة يثبت ما أثبته الله لنفسه، من أنه استوى على العرش استواء يليق بجلاله سبحانه بلا تكييف ولا تمثيل ولا تشبيه –كما قال الإمام مالك وغيره: الاستواء معلوم والكيف مجهول، والإيمان به واجب، والسؤال عنه بدعة، وإليك ما قاله رحمه الله في هذه المسألة من إثبات. استواء الله على عرشه مع نفي مشابهة المخلوقين في ذلك حيث قال رحمه الله (ولله تعالى استواء على عرشه حقيقة، وللعبد استواء على الفلك حقيقة، وليس استواء الخالق كاستواء المخلوقين.

فإن الله لا يفتقر إلى شيء ولا يحتاج إلى شيء، بل هو الغني عن كل شيء) انظر مجموع فتاوى الشيخ (5/199)، فقال رحمه الله: (لله استواء) ولم يقل لله جلوس، وفرق بين استواء الله واستواء الخلق.
2- قالوا إنه يقول: (نزول الله إلى سماء الدنيا كل ليلة كنزوله هو من المنبر)، وهذا من الكذب على شيخ الإسلام ومما افتراه عليه ابن بطوطة، وقد بينا كذبه في ذلك ولله الحمد.
ونحن نسوق عبارة الشيخ في هذه المسألة لما سئل عن حديث النزول فكان من جوابه: (لكن من فهم من هذا الحديث وأمثاله ما يجب تنزيه الله عنه كتمثيله بصفات المخلوقين ووصفه بالنقص المنافي لكماله الذي يستحقه فقد أخطأ في ذلك. وإن أظهر ذلك منع منه. وإن زعم أن هذا الحديث يدل على ذلك ويقتضيه فقد أخطأ أيضاً في ذلك) انظر مجموع الفتاوى (5/323).
وقال أيضاً: (من قال إنه ينزل فيتحرك وينتقل كما ينزل الإنسان من السطح إلى أسفل الدار كقول من يقول إنه يخلو منه العرش، فيكون نزوله تفريغاً لمكان وشغلاً لآخر، فهذا باطل يجب تنزيه الرب عنه). انظر المجموع (5/578).
3-قالوا إنه يحرم زيارة قبر النبي صلى الله عليه وسلم، ونقول هذا أيضاً من الكذب الواضح، فإن شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله لم يحرم زيارة قبر النبي صلى الله عليه وسلم ولا زيارة غيره من القبور إذا وقعت هذه الزيارة وفق الأدلة الشرعية بأن يكون الزائر رجلاً والقصد من هذه الزيارة التذكر والاعتبار

والدعاء للموتى من المسلمين بالرحمة والمغفرة. وكانت هذه الزيارة بدون سفر، فإن كانت زيارة القبور بقصد التبرك بها وطلب المدد وقضاء الحوائج وتفريج الكربات من الموتى، أو كانت هذه الزيارة تحتاج إلى سفر. أو الزائر من النساء، فشيخ الإسلام ليس وحده الذي يمنع من هذه الزيارة، بل يمنع منها كل المحققين من علماء السلف والخلف، لأنها زيارة شركية أو بدعية، قد جاءت الأدلة من الكتاب والسنة بمنعها وإليك ما قاله في هذه المسألة- قال رحمه الله: (فإن زيارة القبور على وجهين: وجه شرعي ووجه بدعي، فالزيارة الشرعية مقصودها السلام على الميت والدعاء له سواء كان نبياً أو غير نبي، ولهذا كان الصحابة إذا زاروا النبي صلى الله عليه وسلم يسلمون عليه ويدعون له ثم ينصرفون ولم يكن أحد منهم يقف عند قبره ليدعو لنفسه، ولهذا كره مالك وغيره ذلك وقالوا: إنه من البدع المحدثة، ولهذا قال الفقهاء: إذا سلم المسلم عليه وأراد الدعاء لنفسه لا يستقبل القبر، بل يستقبل القبلة، وتنازعوا وقت السلام عليه هل يستقبل القبلة أو يستقبل القبر. فقال أبو حنيفة: يستقبل القبلة، وقال مالك والشافعي: يستقبل القبر- وهذا لقوله صلى الله عليه وسلم: "اللهم لا تجعل قبري وثناً يعبد"، وقوله صلى الله عليه وسلم: "لا تتخذوا قبري عيداً"، وقوله صلى الله عليه وسلم: "لعن الله اليهود والنصاري اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد يحذر ما فعلوا"، وقوله صلى الله عليه وسلم: "إن من كان قبلكم كانوا يتخذون القبور مساجد، ألا فلا تتخذوا القبور مساجد فإني أنهاكم عن ذلك"، ولهذا اتفق السلف على أنه لا يستلم قبراً من قبور الأنبياء وغيرهم، ولا يتمسح به ولا يستحب الصلاة عنده ولا قصده للدعاء عنده أو به، لأن هذه الأمور كانت من أسباب الشرك وعبادة الأوثان، كما قال تعالى: {وَقَالُوا لا تَذَرُنَّ آلِهَتَكُمْ وَلا تَذَرُنَّ وَدّاً وَلا سُوَاعاً وَلا يَغُوثَ وَيَعُوقَ وَنَسْراً}، قال طائفة من السلف هؤلاء كانوا قوماً صالحين من قوم نوح، فلما ماتوا عكفوا على قبورهم ثم صوروا تماثيلهم فعبدوهم. وهذه الأمور ونحوها هي من الزيارة البدعية. وهي من جنس دين النصاري والمشركين. وهو أن يكون قصد الزائر أن يستجاب دعاؤه عند القبر، أو أن يدعو الميت ويستغيث به ويطلب منه أو يقسم به على الله في طلب حاجاته وتفريج كرباته، فهذه كلها من البدع) انتهى من مجموع التفاوى (27/31-32). وبه يتضح رأي الشيخ في زيارة القبور وأنه يتمشى مع الأدلة الشرعية فيجيز ما أجازته، ويمنع ما منعته من الزيارة الشركية والبدعية.
4- قالوا إنه يقول إن التوسل في الدعاء كفر أو شرك، وهذا أيضاً من الكذب الصريح على شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله، فإنه لم يحكم على التوسل بأنه كفر أو شرك، وإنما كان يفصل في ذلك بين التوسيل المشروع والتوسل الممنوع، وإليك عبارته في ذلك –يقول رحمه الله: (فلفظ التوسل يراد بن ثلاثة معان: أحدها: التوسل بطاعته (يعني النبي صلى الله عليه وسلم) فهذا فرض لا يتم الإيمان إلا به. والثاني: التوسل بدعائه وشفاعته –وهذا كان في حياته. ويكون يوم القيامة يتوسلون بشفاعته. والثالث: التوسل به بمعنى الإقسام على الله بذاته والسؤال بذاته فهذا هو الذي لم تكن الصحابة يفعلونه في الاستسقاء ونحوه لا في حياته ولا بعد مماته، لا عند قبره ولا غير قبره، ولا يعرف هذا في شيء من الأدعية المشهورة بينهم، وإنما ينقل شيء من ذلك في أحاديث ضعيفه مرفوعة وموقوفة، أو عن من ليس قوله حجة، وهذا هو الذي قال أبو حنيفة وأصحابه إنه لا يجوز ونهوا عنه حيث قالوا: (لا يسأل بمخلوق

ولا يقول أحد أسألك بحق أنبيائك) انتهى من مجموع الفتاوى (1/202) فبين الشيخ أن هذا النوع من التوسل لا يجوز وليس هو من فعل الصحابة، ولم يقل إنه كفر أو شرك كما قال هذا الكاذب عليه.
5- قالوا إنه يكفر الناس الذين لا يتبعون آراءه مثل تكفيره الذين يزورون قبر الرسول، وهذا من جنس ما قبله من الأكاذيب، فالشيخ تقي الدين لا يكفر إلا من كفره الله ورسوله بارتكاب ناقضاً من نواقض الإسلام، كدعاء غير الله من الموتى وغيرهم.
ولم يكفر الذين يزورون قبر الرسول صلى الله عليه وسلم الزيارة الشرعية كما سبق بيانه.
6- قالوا إنه يحرم الطرق الصوفية، وجواباً عن هذا الموضوع ننقل لك عبارة الشيخ رحمه الله في هذا: قال رحمه الله: (الحمد لله أما لفظ الصوفية فإنه

أبو عائشة إسماعيل خيرى
Admin

المساهمات : 244
تاريخ التسجيل : 21/08/2012
العمر : 57
الموقع : منتديات أتباع الإمام محمد بن عبد الوهاب

https://asdf.sudanforums.net

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل

الرجوع الى أعلى الصفحة

- مواضيع مماثلة
»  الجزء الثانى :من أعلام المجددين الإمام أحمد بن حنبل و شيخ الإسلام بن تيمية و شيخ الإسلام محمد بن عبد الوهاب تأليف العلامة صالح الفوزان نقلا عن شبكة البيضاء
» الجزء الثالث : من أعلام المجددين الإمام أحمد بن حنبل و شيخ الإسلام بن تيمية و شيخ الإسلام محمد بن عبد الوهاب تأليف العلامة صالح الفوزان نقلا عن شبكة البيضاء
» الجزء الرابع : من أعلام المجددين الإمام أحمد بن حنبل و شيخ الإسلام بن تيمية و شيخ الإسلام محمد بن عبد الوهاب تأليف العلامة صالح الفوزان نقلا عن شبكة البيضاء
» كشف الأكاذيب و الشبهات عن دعوة المصلح الإمام محمد بن عبد الوهاب تأليف العلامة : صلاح الدين بن محمد آل الشيخ
» الإما م المحدث ربيع بن هادىالمدخلى ألف كتابا فى الدفاع عن الإمام محمد بن عبد الوهاب و قدم له العلامةالإمام صالح الفوزان

 
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى